مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

ولايةُ عليٍّ (ع) ركيزةٌ محورية في الإسلام

تفاصيل المنشور

الاشكال

اختزل الشيعةُ الدينَ في تولّي عليٍّ الخلافةَ بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وتركوا التوحيد والعقيدة والعبادة!!

المستشكل

خالد عبد الوهاب

تفاصيل المنشور

الاشكال

اختزل الشيعةُ الدينَ في تولّي عليٍّ الخلافةَ بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وتركوا التوحيد والعقيدة والعبادة!!

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..
يسعى المستشكِل إلى تشويه فهْم القرّاء بتصوير الشيعة كأنهم أَولَوا قيمةً مفرطة لمسألة خلافة عليّ (عليه السلام) وولايته، على حسابِ تجاهلهم لجوانب التوحيد والعقيدة والعبادة في الإسلام، حيث يُظهر المستشكِلُ الشيعةَ وكأنهم يعطون عنايةً مفرطةً للجانب السياسي (كما يعتقده هو)، مما يُسبب للقرّاء انطباعًا خاطئًا بأنّ الجوانب الدينية والعبادية ليست ذاتَ قيمة بالنسبة للشيعة.
وإذا أردتَ الحقيقةَ، وكنت تسعى لاكتشافها، وترغب في التوصُّل إليها، فإن الذي اختزل الدين في التركيز على مسألة الخلافة، وقلل من قيمة جوهره، وتجاوز جميع ‏أسسه ومبادئه، هم بعض الصحابة الذين اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة لمبايعة أبي بكر بالخلافة، في وقتٍ كان الواجب الشرعيُّ يحتِّم عليهم حضور مراسم دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله ‏وسلم)، الأمر الذي أقرّ به ابن حجر في كتابه «الصواعق المحرقة»، قائلًا: «اعلم أن الصحابة أجمعوا على أنّ نصْب الإمام ‌بعد ‌انقراض ‌زمن ‌النبوة واجبٌ، بل جعلوه ‏أهم الواجبات، حيث اشتغلوا به عن دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم» [الصواعق المحرقة، ‏ج1، ص25].‏
وقال محمد أبو زهرة في كتابه “خاتم النبيين”: ((اتجه المؤمنون إلى إقامة خليفةٍ لرسول الله صلى ‏الله تعالى عليه وسلم قبل أن يُغسَّل رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ويوارى جثمانه ‏الطاهر، فقد اجتمع الأنصار، وعلى رأسهم سعد بن عبادة ليفكروا في هذا، فأسرع إليهم أبو بكر ‏وعمر، في سقيفة بني ساعدة، وأنهَوا أمر الخلافة باختيار أبى بكرٍ خليفةً لرسول الله صلى الله ‏تعالى عليه وسلم، ولم يحضر الاجتماعَ أحدٌ من بنى هاشم أو أقرباء النبي صلى الله تعالى عليه ‏وسلم الأدنون، العباس وعليّ وغيرهما من بنى هاشم، ولعل ذلك كان لانشغالهم بأمر النبي صلى ‏الله تعالى عليه وسلم)) [خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم، لأبي زهرة، ج3، ص1093]‏.
ويقول الزهرانيّ في كتابه “الهادي والمهتدي” في سياق حديثه عن عليٍّ (عليه السلام) يوم تُوفِّي ‏رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((وكان أمر ‌تجهيز ‌النبي – صلى الله عليه وسلم – أهم ‏من ذلك [أي من الخلافة] فبدأ به، ولم يحضر إلى سقيفة بني ساعدة، هذا كل ما عُرف من أمر ‏عليّ – رضي الله عنه – في شأن الخلافة)) [الهادي والمهتدي، للزهراني، ص186].‏‏
فاجتماع الصحابة واشتغالهم بالبيعة لأبي بكرٍ عن حضور مراسم دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، هو في الواقع تقليلٌ من ‏قيمة جوهر الدين ومقام النبوة، وبينما كان ذلك يجري، كان عليٌّ (عليه السلام) – وهو صاحب الولاية والأحقُّ بالخلافة – مشغولًا بتجهيز النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وغسله وكفنه لمواراته في ضريحه الأقدس.
وعليه، فالذي اختزل الدين في التركيز على مسألة الخلافة، وتجاهَلَ قيمة التوحيد وجميع مظاهر العقيدة والعبادة، هم بعض الصحابة الذي اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة للتأسيس لتلك القاعدة التي أسهمت بنحوٍ مباشر في تمزيق وحدة المسلمين الفكرية والروحية والدينية، في وقتٍ كان الواجبُ الشرعيُّ يحتِّم عليهم حضورَ مراسمِ دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإشعار الأمة الإسلامية بقيمة وجلال المصاب الذي هو فقدانهم لنبيهم.
أما الشيعة الإمامية الاثنا عشرية فقد تعبّدوا بالنص الثابت كتابًا وسنةً، فقد أوجب الله تعالى على عباده المؤمنين طاعة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعدم مخالفة ‏أمره، فقال في محكم آياته: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله شَدِيدُ ‏الْعِقَابِ} [الحشر:7]، وقال الله سبحانه مُحذِّرًا مَن يخالف أمره (صلى الله عليه وآله وسلم): {فَلْيَحْذَرِ ‏الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63]، وجعلَ الله تعالى من ‏طاعته (صلى الله عليه وآله وسلم) طاعةً له جلّ وعلا، فقال سبحانه: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ‏الله} [النساء:80].‏
وانطلاقًا من هذه الآيات القاضية بوجوب إطاعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعدم مخالفة أمره، امتثل الشيعة هذه الأوامر الإلهية، وعملوا بمقتضاها، فتمسكوا بما أمر به النبي الأكرم، ومن ذلك ما ثبت عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) متواترًا، كما شهد به ابن حجر الهيتمي في “الصواعق المحرقة” ‏وغيره، بأنّ طريق النجاة يمر عبر الإيمان والتمسك بالعترة الطاهرة، حيث قال (صلى الله ‏عليه وآله وسلم): ((إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن ‏تضلوا بعدي أبدًا)).[انظر: الصواعق، ص136].‏
فالنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر باتباع أهل البيت (عليهم السلام)، وقرنهم بالكتاب، وأمر باتباعهما معًا، فكما أنّ الكتاب منزَّهٌ من كل باطل، فأهل البيت (عليهم السلام) كذلك، وجعل التمسك بهم مانعًا من الضلال كالكتاب، وصرَّح بعدم الافتراق بين الكتاب والعترة، أي أنهم لا يخالفونه في وقتٍ من الأوقات.
وجاء عن الفخر الرازي في تفسيره قوله: ((فقد ثبت ‏بالتواتر: ومن اقتدى في دينه بعلي بن أبي طالب فقد اهتدى، والدليل عليه قوله عليه السلام: اللهم ‏أدِرِ الحقَّ مع عليٍّ حيث دار)) [التفسير الكبير، ج1، ص180]، إلى غير ذلك عشرات الأحاديث التي تُثبت وتُؤكد على اتباع علي (عليه السلام) وموالاته.
ولم يترك النبيُّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) أيَّ مناسبةٍ إلا وأشار فيها إلى القيمة البالغة للإمامة، مُبيِّنًا ‏أنها ـ كالنبوة ـ عهدٌ إلهيٌّ. وتجلى هذا التأكيد القوي في مناسبة غدير خم، ‏عندما أمره الله تعالى أن يوقف المسلمين في ذلك المكان، قبل أنْ تتشعب بهم الطرق، ويبلِّغهم ولاية علي (عليه السلام) من بعده، فأوقفهم، وخطب فيهم، وبلغهم ما أمره به ربه، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): ((من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه))، قال ابن حجر العسقلاني في الفتح: ((وأما حديث “من كنت مولاه فعليٌّ مولاه”، فقد أخرجه الترمذي والنسائي، وهو كثير الطرق جدًّا، وقد ‌استوعبها ا‌بن ‌عقدة ‌في ‌كتابٍ ‌مفرد، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان)) [فتح الباري، لابن حجر العسقلاني، ج7، ص74].
وعليه، فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو من أَوْلى عنايةً بالغةً في تولّي عليٍّ (عليه السلام) للإمامة والخلافة، والشيعة الإمامية الاثنا عشرية أنما أطاعوا الله ورسوله في ذلك.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.