تفاصيل المنشور
- المستشكل - طه
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 18 مشاهدة
تفاصيل المنشور
إلى ماذا تهدفُ عمليّةُ نشرِ الإسلامِ في الغربِ؟ ألا يدلُّ هذا على أنَّ أتباعَ الدّيانةِ الإسلاميّةِ تمارسُ أساليبَ إقحامِ المُجتمعِ الغربيّ في صراعٍ دامٍ، ثُمَّ أينَ لا إكراهَ في الدّينِ؟ حتّى لَو لَم يكُن إكراهٌ في الظّاهرِ، وإن كانَ كذلكَ فاتركوا النّاسَ هُم مَنْ يقرّرُ أينَ الحقُّ وهُم مَن يبحثُ عنهُ، ولا تعرضُوا تجارتَكُم الكاسدةَ هذهِ فإنّهَا ما أتتْ على المُجتمعاتِ إلّا بالإرهابِ والقتلِ تحتَ مُسمّى الدّعوةِ إلى اللهِ.
المستشكل
طه
إلى ماذا تهدفُ عمليّةُ نشرِ الإسلامِ في الغربِ؟ ألا يدلُّ هذا على أنَّ أتباعَ الدّيانةِ الإسلاميّةِ تمارسُ أساليبَ إقحامِ المُجتمعِ الغربيّ في صراعٍ دامٍ، ثُمَّ أينَ لا إكراهَ في الدّينِ؟ حتّى لَو لَم يكُن إكراهٌ في الظّاهرِ، وإن كانَ كذلكَ فاتركوا النّاسَ هُم مَنْ يقرّرُ أينَ الحقُّ وهُم مَن يبحثُ عنهُ، ولا تعرضُوا تجارتَكُم الكاسدةَ هذهِ فإنّهَا ما أتتْ على المُجتمعاتِ إلّا بالإرهابِ والقتلِ تحتَ مُسمّى الدّعوةِ إلى اللهِ.
الأخ طه المحترم، تحية طيبة وبعد ..
يَبدو أنَّ هذا الكلامَ يَنطلقُ مِنْ موقفٍ مُسبقٍ وتصوّرٍ غيرِ صحيحٍ للإسلامِ، كما أنّهُ يتجاهلُ ما فعلتهُ أوروبا بالبلادِ الإسلاميّةِ مِنْ اِستعمارٍ ومجازرَ ونهبٍ للثّرواتِ، كلُّ ذلكَ يَجبُ أن يكونَ حاضِراً في أيّ تقييمٍ موضوعيٍّ لعلاقةِ الإسلامِ بالغربِ، أمّا تصويرُ أوروبا بالشّكلِ الملائكيّ واِتّهامُ الإسلامِ بالإرهابِ ليسَ إلّا نوعاً منَ المُخادعةِ التي تتجاهلُ ما يحملهُ الإسلامُ مِنْ قيمٍ وما تحملهُ أوروبا مِنْ مطامعَ ورغبةٍ في الهيمنةِ
ومنَ المعلومِ أنَّ الإسلامَ دخلَ إلى أوروبا منذُ سنةِ 670م وبخاصّةٍ إلى السّواحلِ الأوروبيّةِ الواقعةِ على البحرِ الأبيضِ المُتوسّطِ، ومِنْ ثمَّ توسّعَ الحضورُ الإسلاميُّ بسببِ العُثمانيّينَ في دولِ البلقانِ ودولِ جنوبِ شرقِ أوروبا، ومؤخّراً حدثَتْ هجراتٌ منَ البلادِ الإسلاميّةِ حتّى أصبحَ الإسلامُ واقِعاً ملموساً في كلِّ بُلدانِ أوروبا. فهُناكَ مراكزُ أبحاثٍ عديدةٌ اِهتمَّتْ برصدِ الوجودِ الإسلاميّ في البلادِ الغربيّةِ، فوفقًا لمركزِ الأرشيفِ الألمانيّ يبلغُ عددُ المُسلمينَ في أوروبا حوالي 53 مليون 5.2%، ووصلَ عددُهُم في دولِ الاِتّحادِ الأوروبيّ حوالي 16 مليون 3.2%. وفي عامِ 2010م قامَ معهد بيو بعملِ إحصائيّةٍ كشفَ فيهَا عَن بلوغِ عددِ المُسلمينَ في كلِّ أوروبا عدا تركيا، إلى 44 مليونِ نسمةٍ، أي ما يُشكّلُ حوالي 6% منْ إجماليّ سُكّانِ أوروبا. وقَد توقّعَ هذا المركزُ أنْ تصلَ نسبةُ المُسلمينَ في أوروبا إلى حوالي 8% عامَ 2030م وذلكَ بسببِ انخفاضِ مُعدّلِ المواليدِ بينَ الأوروبيّينَ مُقابلَ اِرتفاعِ مُعدّلاتِ الإنجابِ أوساطَ المُسلمينَ، وقَد أشارَ معظمُ الدّارسينَ بأنَ إنتشارَ الإسلامِ في الغربِ لا علاقةَ لهُ بالدّعوةِ والتّبليغِ حيثُ لا يشكّلُ عددُ الأوروبيّينَ المتحوّلينَ للإسلامِ رقماً يُعتدُّ بهِ.
وقَد كانَ لحضورِ الإسلامِ في الغربِ آثارٌ إيجابيّةٌ وبخاصّةٍ في القرونِ الوسطى عندمَا كانَتْ تُعاني أوروبا منَ التّخلّفِ والانحطاطِ، وقَد ساهمُوا في التّأسيساتِ الأولى للحضارةِ الغربيّةِ المُعاصرةِ، مِنْ خلالِ نقلِ الكثيرِ مِنَ المجالاتِ كالفن ِّوالعمارةِ والطّبِّ والصّيدلةِ والزّراعةِ والموسيقى واللّغةِ والتّكنولوجيا، وهناكَ دراساتٌ مُتعدّدةٌ ترصدُ مُساهمةَ المُسلمينَ في بناءِ الحضارةِ الغربيّةِ.
ومنَ المُفيدِ الإشارةُ إلى أنَّ طبيعةَ التّداخلِ الحضاريّ يفرزُ حِراكاً ثقافيّاً ومنافسةً فكريّةً، ومِن هُنا لا يمكنُ منعُ المُسلمينَ مِنْ مُمارسةِ دورهِم في هذا الحراكِ، طالمَا يلتزمُ الجميعُ بشروطِ الحوارِ واحترامِ القوانينِ والأعرافِ الاجتماعيّةِ، والعجيبُ أنَّ حركةَ التّبشيرِ المسيحيّ في البلدانِ الإسلاميّةِ أكثرُ تنظيماً حيثُ تقفُ خلفَهَا هيئاتٌ ومُنظّماتٌ كنسيّةٌ، في حينِ أنَّ التّبشيرَ الإسلاميَّ يَعتمدُ بشكلٍ أكبرَ على بعضِ المجهوداتِ الفرديّةِ والعفويّةِ، وعليهِ فإنَّ صراعَ الحضاراتِ أو حوارَ الحضاراتِ نتيجةٌ حتميّةٌ لهذا التّباينِ الدّينيّ والثّقافيّ، بالتّالي ليسَتِ المُشكلةُ في ممارسةِ التّبشيرِ في الغربِ وإنّمَا المُشكلةُ في بعضِ الجماعاتِ المُتطرّفةِ التي تحملُ تصوّراً مُشوّهاً عنِ الإسلامِ، وقَد ميّزتِ الحكوماتُ الغربيّةُ والمؤسّساتُ العلميّةُ المُعتبرةُ بينَ الإسلامِ وبينَ الإرهابِ، ومعَ ذلكَ يأتي البعضُ مِن واقعِ عُقدةٍ نفسيّةٍ ليُصبحَ ملكيّاً أكثرَ منَ الملك.
أمّا وصفك للإسلامِ بكونهِ تجارةً كاسدةً يكشفُ عَن مدى جهلك بالإسلامِ، إذ كيفَ يكونُ الإسلامُ كذلكَ وهوَ الذي يهتمُّ بالإنسانِ بوصفهِ كائناً أرادَ اللهُ أنْ تكونَ لهُ قيمةٌ وكرامةٌ، قالَ تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) (70 الإسراءُ). كما أنّهُ يَدعو الإنسانَ إلى أنْ يكونَ إنساناً بعقلهِ وإرادتهِ وليسَ حيواناً بغريزتهِ وشهواتهِ وأنانيّتهِ، فالذي يخشَى الإسلامَ إنّما يَخشى على مطامعهِ ورَغباتهِ وشهواتهِ.
ودمتم سالمين