المستشكل = عبد الله شبيب
الإشكال = في كتب الرافضة التي يعتمدون عليها ويعتقدون بصحتها قول لمحمد الباقر وابنه جعفر الصادق في ذم الشيعة الرافضة فالباقر يصفهم بالمشككين، فيقول: (لو كان الناس كلهم لنا شيعة لكان ثلاثة أرباعهم لنا شكاكا والربع الآخر أحمق). رجال الكشي ص179.
والصادق يصفهم بالمنافقين، فيقول: (ما أنزل الله سبحانه آية في المنافقين إلا وهي فيمن يَنْتَحِلُ التَّشَيُّع). رجال الكشي ص 254. فهذه هي حقيقة الشيعة الرافضة على لسان أئمتهم.
بسمه تعالى
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله المطهرين..
قلنا مراراً: أنّ الشيعة الإمامية لا يعتقدون بوجود كتاب صحيح من الدفة إلى الدفة غير كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وما عداه من كتب فإنها تحوي الصحيح وغيره مهما كانت منزلة هذه الكتب أو مصنفيها، وعلى هذا الأساس فان وجود رواية في أي من كتبهم لا تعني بالضرورة أنهم يقولون بصحتها، وأمثال هذه الروايات موجودة فعلاً في كتب الشيعة رغم عدم اعتقادهم بصحتها، وذلك على العكس من أهل السنة الذين يضفون على بعض كتبهم رداء القدسية، كالتي يسمونها (الصحاح) وعلى رأسها كتابي البخاري ومسلم، حتى قالوا عنهما: ((أنهما أصح الكتب بعد كتاب الله)). [راجع: تدريب الراوي، ص91، وعلوم الحديث، ص14، والخلاصة في أصول الحديث، ص36، ومقدمة أبي الصلاح، ص9].
وأنه لو حلف رجل بطلاق امرأته على أن كل ما في الصحيحين هو من أقوال وأفعال وتقرير النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يحنث، وأن من روى له البخاري فقد جاز القنطرة. [مقدمة فتح الباري، ص381].
إذا عُلم ما تقدم، نقول في الجواب عن الإشكال:
الرواية الأولى: ضعيفة السند، فإن من جملة رواتها (سلام بن سعيد الجمحي)، وهو مجهول الحال، لم يوثَّق في كتب الرجال.
قال المامقاني في [تنقيح المقال، ج2، ص43]: ((سلام بن سعيد الجمحي قد وقع في طريق الكشي في الخبر المتقدم في ترجمة أسلم القواس المكي، روى عنه فيه عاصم بن حميد، وروى هو عن أسلم مولى محمد بن الحنفية، وهو مهمل في كتب الرجال، لم أقف فيه بمدح ولا قدح)).
ومن جملة الرواة (أسلم مولى محمد بن الحنفية)، قال الشبستري في [أصحاب الإمام الصادق، ج1، ص155]: ((المكي، أسلم القواس، وقيل القواص، المكي، مولى محمد بن الحنفية، محدث إمامي ضعيف، صحب وروى، عن الإمام الباقر (ع) أيضاً، وأفشى سراً للإمام الباقر)).
وقال ابن داود الحلي في [رجاله، ص232]: ((أسلم المكي مولى محمد بن الحنفية (كش) مذموم)).
وعليه فالرواية لا تصح، ولا يجوز الاحتجاج بها.
وأما بالنظر إلى متنها: فقد ورد في قوله (عليه السلام): ((لو كان الناس كلهم لنا شيعة))، فكلمة (لو) حرف امتناع لامتناع، وهو يدل على امتناع شيء لامتناع غيره، ففي الخبر امتنع أن يكون ثلاثة أرباع الشيعة شُكَّاكاً والربع الباقي حمقى، لامتناع كون كل الناس لهم عليهم السلام شيعة.
وبهذا لا يكون في الحديث أي إشكال على الشيعة، ولا يدل الحديث على أي ذم في البين، على فرض صحتها.
الرواية الثانية: ((خالد بن حماد، قال: حدثني الحسن بن طلحة، رفعه عن محمد بن إسماعيل، عن علي بن يزيد الشامي، قال: قال أبو الحسن (عليه السلام): قال أبو عبد الله (عليه السلام): ما أنزل الله سبحانه آية في المنافقين الا وهي فيمن ينتحل التشيع)). فهي ضعيفة السند جداً، وهي رواية مرفوعة كما هو واضح، مضافاً إلى أن هذا الحديث اشتمل على مجموعة من المجاهيل:
فأما خالد بن حماد: فهو مجهول، قال التفريشي في [نقد الرجال، ج2، ص182]: ((خالد بن حماد: الذي ذكره ابن داود – راويا عن النجاشي – حيث قال: خالد بن حماد القلانسي الكوفي ق م، مولى، ثقة، لم أجده في كتب الرجال، خصوصاً في النجاشي، والظاهر أنه خالد ابن ماد الذي سيجئ، واشتبه عليه فذكره بعنوان: خالد بن حماد)).
وقال السيد الخوئي في [معجم رجال الحديث، ج8، ص22]: ((لم يذكر خالد بن حماد القلانسي في كتب الرجال أصلاً، بل لم يرو هذا ولا في رواية إلاّ فيما تقدم، من رواية التهذيب ولكنك عرفت أنه لم يذكر فيها التوصيف بالقلانسي، على أنها كانت في الكافي بعنوان خلف بن حماد، وعليه فلم يعلم وجود للمسمى بهذا الاسم أصلاً)).
وقال الجواهري في [المفيد من معجم رجال الحديث، ص205]: ((خالد بن حماد القلانسي: ذكر ابن داود عن النجاشي عده من أصحاب الكاظم، والصادق (ع)، وأنه ثقة – والصحيح إن الذي ذكر من أصحاب الكاظم، والصادق (ع) ووثق هو خالد ماد ولا وجود للمعنون في كتب الرجال ولا الروايات، الاّ في الرواية المتقدمة في سابقه، ولم يذكر فيها التوصيف بالقلانسي، على أنها في الكافي خلف بن حماد كما تقدم)).
وأما الحسن بن طلحة: فهو أيضاً مجهول، قال صاحب المعالم في [التحرير الطاووسي في هامش، ص326]: ((أبو محمد الحسن بن طلحة، وهو “مروزي” على ما في أسانيد بعض الروايات، ولم أعثر له على ترجمة في المصادر المتوفرة لدي)).
وقال الشيخ علي النمازي الشاهرودي في [مستدركات علم رجال الحديث، ج2، ص411]: ((الحسن بن طلحة المروزي: لم يذكروه، روى كش عن خالد بن حماد، عنه حديث ذم منتحل التشيع)).
ومحمد بن إسماعيل مشترك لا يُعرَف من هو.
وعلي بن يزيد الشامي، لم يرد له ذكر في كتب الرجال.
والنتيجة أن سند هذه الرواية مظلم جداً، ولا يعوَّل عليها، ثم إن المراد بمن انتحل التشيع يعني من ادَّعاه وهو ليس من الشيعة.
وأما بالنظر إلى متن الرواية على فرض صحة سندها: فقد أوضح العلامة المجلسي في [بحار الأنوار، ج70، ص98] معنى قوله (عليه السلام): “من ينتحل التشيع”، فقال: ((تبيان: “من ينتحل التشيع” أي يدَّعيه من غير أن يتَّصف به، وفي غير الكافي: “انتحل”. في القاموس: “انتحله وتنحله: ادَّعاه لنفسه وهو لغيره”)).
وهذا معناه: ان حكم من ادعى التشيع ظاهراً وهو ليس بشيعي، كحكم من يدعي الإسلام ظاهراً وهو ليس بمسلم، وهو النفاق، والأمر عكس ما توهمه المستشكل تماماً.
والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.