تفاصيل المنشور
- المستشكل - أحمد جواد
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 18 مشاهدة
تفاصيل المنشور
نسمع من بعض مشايخ أهل السنّة – خاصّة أتباع المنهج الوهابي – بأنّ يزيد خليفة شرعيا والحسين خرج عليه .. كيف تردّون على هذه الدعوى ؟!
المستشكل
أحمد جواد
نسمع من بعض مشايخ أهل السنّة – خاصّة أتباع المنهج الوهابي – بأنّ يزيد خليفة شرعيا والحسين خرج عليه .. كيف تردّون على هذه الدعوى ؟!
الأخ أحمد جواد المحترم .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بغض النظر عن عقيدة الشيعة الإمامية بأنّ الإمام الحسين ( عليه السلام ) هو الخليفة الشرعي المنصّب من قبل الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بنصّ حديث الثقلين الوارد فيه : { إني تارك فيكم خليفتين : كتاب الله ، حبل ممدود ما بين الأرض والسماء،وعترتي أهل بيتي ، وأنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض }[ صحيح الجامع الصغير للألباني 1: 482، مسند أحمد بن حنبل ، برقم : 21654، تصحيح شعيب الأرنؤوط] .. والإمام الحسين ( عليه السلام ) هو من العترة بلا خلاف فهو خليفة شرعي بنصّ هذا الحديث النبوي الشريف .
فإنّ يزيد بن معاوية لا يعدّ خليفة شرعياً حتّى على المنهج السنّي نفسه .. وإليك الدليل :
روى أهل السنّة في كتبهم عن عمر بن الخطاب قوله : (( هذا الأمر في أهل بدر ما بقي منهم أحد ، ثمَّ في أهل أحد ما بقي منهم أحد ، وفي كذا وكذا ، وليس فيها لطليق ، ولا لولد طليق ولا لمسلمة الفتح شئ)) (الطبقات الكبرى 3: 342).
وجاء في “الإصابة” لابن حجر : (( ويقال إنّ عمر قال لأهل الشورى: لاتختلفوا فإنكم إن اختلفتم جاءكم معاوية من الشام وعبد الله بن أبي ربيعة من اليمن ، فلا يريان لكم فضلاً لسابقتكم،وإنّ هذا الأمر لا يصلح للطلقاء ولا لأبناء الطلقاء)) ( الإصابة 4: 70).
وما قاله عمر هنا هو الموافق لما يروونه من الحديث الصحيح في مسند أحمد ،عن جرير بن عبد الله عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: ( الطلقاء من قريش والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة، المهاجرون والأنصار بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة)(مسند أحمد 31: 549، قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم).
وقد نصّ الجصاص الحنفي في كتابه “أحكام القرآن ” على أنّ معاوية من الطلقاء وليس من المهاجرين (أحكام القرآن 3: 312).
وعليه، بحسب هذا النصّ النبوي والتصريح العمري لا يصلح معاوية ولا ابنه يزيد للخلافة،بل شأنهم شأن الملوك والجبابرة الذين يستولون على الحكم بالقوة والجبر .. وهو ما يرشد إليه الحديث النبوي الصحيح : ( الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثمَّ تصير ملكا عضوضاً ). قال ابن حجر في “الفتح” : أخرجه أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن حبان وغيره (فتح الباري 8: 618).
وقال ابن الأثير في شرحه للحديث : (( أي يصيب الرعية فيه عنف وظلم كأنهم يعضون فيه عضاً )) (النهاية في غريب الحديث 2: 253). انتهى
وقد وجدنا أيضاً ، إضافة لما تقدّم ، من أهل السنّة من يوسم التوريث في الحكم لمن ليس أهلا له – كما هو الشأن في يزيد بن معاوية – بالبدعة المحرّمة ، فانظر ما أفاده القرافي في “الفروق”، والشاطبي في “الاعتصام”( الفروق 4: 346، الاعتصام1: 571)، وقد نصّ القاضي عياض على أنّ الإمامة لا تنعقد عند جمهور العلماء لمن طرأت عليه البدعة (انظر: شرح النووي على مسلم 12: 229)،فكيف بمن كان تنصيبه هو بدعة محرّمة من أساس ؟!!
ونقل ابن مفلح الحنبلي في “الفروع” عن ابن الجوزي قوله: (( وقال ابن الجوزي في ” السرّ المصون “: من الاعتقادات العامة التي غلبت على جماعة منتسبين إلى السنة أن يقولوا: إنّ يزيد كان على الصواب وأنّ الحسين رضي الله تعالى عنه أخطأ في الخروج عليه ولو نظروا في السير لعلموا كيف عقدت له البيعة وألزم الناس بها ولقد فعل في ذلك كلّ قبيح ثمَّ لو قدرنا صحة عقد البيعة فقد بدت منه بواد كلها توجب فسخ العقد ولا يميل إلى ذلك إلا كلّ جاهل عامي المذهب يظن أنّه يغيظ بذلك الرافضة))(كتاب الفروع10: 181). انتهى
وجاء عن الشوكاني في “نيل الأوطار” قوله حول الخروج على يزيد: (( لا ينبغي لمسلم أن يحط على من خرج من السلف الصالح من العترة وغيرهم على ائمة الجور، فإنهم فعلوا ذلك باجتهاد منهم، وهم أتقى لله واطوع لسنّة رسول الله من جماعة ممن جاء بعدهم من أهل العلم… ولقد أفرط بعض أهل العلم كالكرامية ومن وافقهم في الجمود على أحاديث الباب حتّى حكموا بان الحسين رضي الله عنه وأرضاه باغ على الخمير السكير الهاتك لحرم الشريعة المطهرة يزيد بن معاوية لعنهم الله، فيا لله العجب من مقالات تقشعر منها الجلود ويتصدع من سماعها كلّ جلمود))(نيل الأوطار 7: 361). انتهى
وجاء عن ابن العماد الحنبلي في “شذرات الذهب ” قوله : (( والعلماء مجمعون على تصويب قتال على لمخالفيه لأنّه الإمام الحقّ ونقل الإتفاق أيضاً على تحسين خروج الحسين على يزيد وخروج ابن الزبير وأهل الحرمين على بني أمية وخروج ابن الأشعث ومن معه من كبار التابعين وخيار المسلمين على الحجاج ثمَّ الجمهور رأوا جواز الخروج على من كان مثل يزيد والحجاج ومنهم من جوّز الخروج على كلّ ظالم ))(شذرات الذهب 1: 62).انتهى
ولم يكن الإمام الحسين ( عليه السلام ) هو الثائر الوحيد على يزيد وحكمه ، فقد خلعه أهل المدينة وثاروا عليه أيضاً ، وهي تضمّ جملة كبيرة من الصحابة والتابعين ، يقول السيوطي في تاريخه : (( وفي سنة ثلاث و ستين بلغه أنّ أهل المدينة خرجوا عليه و خلعوه فأرسل إليهم جيشا كثيفا وأمرهم بقتالهم ثمّ المسير إلى مكة لقتال ابن الزبير فجاؤوا وكانت وقعة الحرّة على باب طيبة وما أدراك ما وقعة الحرة ؟ ذكرها الحسن مرّة فقال : والله ما كاد ينجوا منهم أحد قتل فيها خلق من الصحابة رضي الله عنهم ومن غيرهم ونهبت المدينة وافتض فيه ألف عذراء فإنا لله وإنا إليه راجعون ! قال صلى الله عليه و سلم : ( من أخاف أهل المدينة أخافه الله و عليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين) رواه مسلم وأحمد.
و كان سبب خلع أهل المدينة له أنّ يزيد أسرف في المعاصي وأخرج الواقدي من طرق أنّ عبد الله بن حنظلة بن الغسيل قال : والله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء ! إنّه رجل ينكح أمهات الأولاد والبنات و الأخوات ويشرب الخمر ويدع الصلاة ))( تاريخ الخلفاء : 206). انتهى
وخرج عليه غير أهل المدينةً جماعة آخرون أيضاً كما يذكر ذلك الذهبي عند ترجمته له في “سير أعلام النبلاء”، حيث قال عنه : (( كان ناصبياً ، فظاً ، غليظاً ، جلفاً ، يتناول المسكر ، ويفعل المنكر . افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين ، واختتمها بواقعة الحرة ، فمقته الناس ، ولم يبارك في عمره ، وخرج عليه غير واحد بعد الحسين ، كأهل المدينة قاموا لله ، وكمرداس بن أدية الحنظلي البصري ، ونافع بن الأزرق ، وطراف بن معلى السدوسي ، وابن الزبير بمكة ))(سير أعلام النبلاء 4: 37). انتهى
وهو قبل هذا وذاك مستحقّ للعن من جهات شرعية ثلاث :
الأولى : لاستحلاله ما حرّم الله من العترة الطاهرة عند أمره بقتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) على يد عبيد الله بن زياد ( كما نصّ على ذلك ابن الأثير في كامله 4: 140، والسيوطي في تاريخ الخلفاء : 193،والذهبي في تاريخ الإسلام 5: 30)، وقد ثبت عن رسول الله (ص) قوله : (ستة لعنتهم … والمستحلّ من عترتي ما حرّم الله ) ( خرّجه الذهبي في كتابه الكبائر: 294 من حديث عائشة وقال : إسناده صحيح).
قال المناوي الشافعي في “فيض القدير” عند شرحه للحديث الصحيح : (حسين مني وأنا من حسين ) : (( قال القاضي: كأنّه بنور الوحي علم ما سيحدث بين الحسين وبين القوم فخصّه بالذكر وبيّن أنّهما كشيء واحد في وجوب المحبة وحرمة التعرض والمحاربة وأكّد ذلك بقوله (أحب اللّه من أحب حسيناً) فإنّ محبته محبة الرسول ومحبة الرسول محبة اللّه ))(فيض القدير 3: 513). انتهى
الثانية :لاستباحته المدينة وقتل الخلق الكبير من الصحابة والتابعين وارتكاب المحرمات والأفاعيل التي لا يعلم بها إلّا الله ، وقد ثبت عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) قوله: (من أخاف أهل المدينة أخافه الله و عليه لعنة الله و الملائكة والناس أجمعين )(مجمع الزوائد 3: 306، قال الهيثمي : رواه الطبراني في الأوسط والكبير ورجاله رجال الصحيح).
الثالثة: لإدمانه الخمر .. فقد ورد عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قوله : ( لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها)(سنن أبي داود الأشربة (ح3674)،وسنن الترمذي البيوع (ح1295)، سنن ابن ماجه الأشربة (ح3381) ).
وقال العلماء: أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإن كان قد نهى عن لعنة المسلم الذي أقرّ بالشرب وأقام عليه الحد . إلّا أنّه أجاز أن يلعن الناس المدمن للخمر الذي لا يتوب منها بل يداوم عليها سواء لعن في الجملة مع غيره أو لعن بالتعين لأنّه مستهتر ماجن فأجازوا لعنه عسى أن يزجر ويلوم نفسه ويرجع عن غيه ويتوب عن ذنبه (الفقه على المذاهب الأربعة 5: 20).
وقد حكم بكفره بعض علماء أهل السنّة ، كما ينقل ابن العماد عن اليافعي قوله : ((وأما حكم من قتل الحسين أو أمر بقتله ممن استحل ذلك ، فهو كافر ، وإن لم يستحل فهو فاسق فاجر ))(شذرات الذهب 1: 279). انتهى
ونقل التفتازاني إجماع السلف على لعنه مع حكمه هو بكفره ، قال في ” شرح العقائد النسفية ” : (( اتفقوا على جواز اللعن على من قتل الحسين ، أو أمر به ، أو أجازه ، أو رضي به . والحقّ أنّ رضا يزيد بقتل الحسين واستبشاره بذلك وإهانته أهل بيت رسول الله ( ص ) ممّا تواتر معناه وإن كان تفصيله آحادا ، فنحن لا نتوقف في شأنه ، بل في كفره وإيمانه ، لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه )) ( شذرات الذهب 1: 68). انتهى
وجاء عن الإمام الآجري قوله الصريح في كتابه “الشريعة” : (( على من قتل الحسين بن علي لعنة الله ولعنة اللاعنين ، وعلى من أعان على قتله ،وعلى من سبّ علي بن أبي طالب أو سبّ الحسين و آذى فاطمة في ولدها أو آذى أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم )، فعليه لعنة الله وغضبه ، لا أقام الله الكريم له وزنا،ولا نالته شفاعة محمد ( صلى الله عليه وسلم ))(كتاب الشريعة 5 : 2183). انتهى
نقول : فأيّ مشروعية – بعد هذا – تبقى لحاكم تنصّب عليه اللعنات من كلّ حدب وصوب وقد حكم عليه بعض علماء أهل السنّة بالكفر وأنَّ تنصيبه كان بدعة من أساس ؟!!
نسأل الله السلامة في العقيدة .. والحمد لله على عافية الفهم السليم ..
ودمتم سالمين