تفاصيل المنشور
- المستشكل -منال
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 15 مشاهدة
تفاصيل المنشور
هَل يوجدُ علمٌ يُثبِتُ وجودَ إلهٍ لهذا الكونِ بصفةٍ يقينيّةٍ؟
المستشكل
منال
هَل يوجدُ علمٌ يُثبِتُ وجودَ إلهٍ لهذا الكونِ بصفةٍ يقينيّةٍ؟
تحية طيبة، وبعد ..
يَبدو منَ السّؤالِ أنَّ المقصودَ مِنَ العلمِ هوَ العلومُ الطّبيعيّةُ، لبداهةِ توفّرِ عشراتِ الأدلّةِ العقليّةِ على وجودِ اللهِ تعالى، وقَد بيّنا في إجاباتٍ سابقةٍ بأنَّ العلومَ الطّبيعيّةَ هيَ العلومُ القائمةُ على التّجربةِ الحسّيّةِ وتهتمُّ بدراسةِ الجانبِ المادّيّ منَ الأشياءِ، أمّا الحقائقُ الرّوحيّةُ والمعنويّةُ والأخلاقيّةُ فتهتمُّ بدراستِهَا العلومُ الإنسانيّةُ، وهيَ العلومُ التي تَعتمدُ على المناهجِ العقليّةِ القائمةِ على التّحليلِ والإستنتاجِ والإستنباطِ، وبالتّالي تَختلفُ المنهجيّاتُ باختلافِ موضوعاتِ البحثِ، وبما أنَّ اللهَ سبحانَهُ وتعالى ليسَ مِن سِنخِ المادّةِ فلا يُمكِنُ التّعرّفُ عليهِ مِن خلالِ العلومِ الطّبيعيّةِ لكونِهِ غيرَ خاضعٍ للحواسِّ، وبالتّالي يُصبحُ الطّريقُ إلى معرفتهِ تعالى أوّلاً الفطرةُ الدّالّةُ على وجودهِ تعالى، وثانياً العقلُ الذي يَستدلُّ على وجودهِ عبرَ البراهينِ القطعيّةِ، وقَد عرضَت كتبُ الفلسفةِ والكلامِ عشراتِ الأدلّةِ العقليّةِ في إثباتِ وجودِ اللهِ تعالى وهيَ أدلّةٌ قطعيّةٌ ترتقِي بالإنسانِ إلى مستوى اليقينِ الجازمِ بوجودهِ تعالى، والخلطُ الذي يحصلُ عندَ البعضِ – بينَ مناهجِ العلومِ الطّبيعيّةِ وغيرِهَا منَ العلومِ والمعارفِ – يَتسبّبُ في إحداثِ بعضِ الشّبهاتِ التي يُثيرُهَا المادّيّونَ عندَمَا يُطالبونَ بالدّليلِ الحِسّيّ على وجودِهِ تعالى، في حينِ أنَّ العلومَ الطّبيعيّةَ غيرُ مُختصّةٍ بدراسةِ مَا هوَ غيرُ مادّيٍّ، فالبحثُ عنِ القوانينِ الطّبيعيّةِ وربطِ الظّواهرِ بأسبابِهَا المُباشرةِ لا يُغني الإنسانَ عنِ الاِرتباطِ بالغيبِ والبحثِ عنِ المُطلقِ، فتفاعلُ الإنسانِ معَ عالمِ المادّةِ وتَسخيرِهَا ضمنَ شروطِهَا الطّبيعيّةِ يُعدُّ خطوةً ضروريّةً للتّكاملِ المادّيّ للإنسانِ، أمّا تكاملُهُ الرّوحيُّ وعروجُهُ إلى المعاني السّاميةِ والقيمِ الكُلّيّةِ لا يكونُ إلّا بانفتاحِهِ على الغيبِ، فلا التّجربةُ المادّيّةُ تُحقّقُ للإنسانِ ما يصبو لهُ روحيّاً، ولا الغيبُ والتّأمّلُ يُحقّقُ لهُ ما يَحتاجُهُ مادّيّاً، وعليهِ فإنَّ الإنسانَ لا يَستغنِي بجانبٍ دونَ الجانبِ الآخرِ.
وفي المُحصّلةِ، إنَّ المعرفةَ اليقينيّةَ التي يَبحثُ عنهَا الإنسانُ لهَا أدواتٌ مُختلفةٌ ومُتعدّدةٌ، ولكلِّ حقلٍ أدواتُهُ الخاصّةُ، ومعرفةُ اللهِ تعالى والإعترافُ بوجودِهِ يَحصلُ للإنسانِ عبرَ المناهجِ العقليّةِ التي تُورِثُهُ عِلماً يقينيّاً.
ودمتم سالمين