مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

هدمُ قبور أئمة أهل البيت نهجٌ ناصبي

تفاصيل المنشور

السؤال

يقول بعض أهل السُّنة: إنّ قضية تهديم مرقدَي الإمامين العسكريَّين (عليهما السلام) سنة (2006) كانتْ قضيةً افتعلتْها الزُّمَر الإرهابيّة من قِبَل الاحتلال، ولم يكن لأهل السُّنة تحديدًا (النواصب) يدٌ بذلك.. فما ردُّكم على هذا القول؟ 

السائل

طالب علم

تفاصيل المنشور

السؤال

يقول بعض أهل السُّنة: إنّ قضية تهديم مرقدَي الإمامين العسكريَّين (عليهما السلام) سنة (2006) كانتْ قضيةً افتعلتْها الزُّمَر الإرهابيّة من قِبَل الاحتلال، ولم يكن لأهل السُّنة تحديدًا (النواصب) يدٌ بذلك.. فما ردُّكم على هذا القول؟ 

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.
من المفيد بمكانٍ أنْ نُقدِّم في مستهلّ نقاشنا إيضاحًا لوجهة نظرنا بخصوص المسلمين من أهل السُّنة، فنقول:
لا يصحُّ تعميمُ ارتكاب هذه الجريمة النكراء وغيرها من الجرائم على جميع أهل السُّنة والحكم عليهم بأنهم “نواصب”، ومَن فَعل ذلك فقد دلَّ على جهله بنفسه، كما لا ينبغي الاعتماد على أقوال عامّة الناس في هذا الشأن والاستناد إلى استنتاجاتهم السطحيّة الساذجة، فتعميم الأحكام هو في الواقع آفةٌ من آفات العقل، و”إطلاق الأحكام جزافًا” سهْمٌ قاتل لعلاقات التآخي بين المسلمين.
نعم، ارتبطت بعض الجماعات الإرهابية المتطرِّفة بأفكارٍ سلفيةٍ مستوحاةٍ من تراث ابن تيمية وابن عبد الوهاب، اتّسمتْ بمعاداة أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وتبنّي مبادئ “النصب”، حيث تعودُ جذور هذه الأفكار المتطرِّفة وأساس النصب إلى معاوية بن أبي سفيان، كما أكَّد الذهبي في “سِيَر أعلام النبلاء”، حيث قال: ((وخلْف معاويةَ خلْقٌ كثيرٌ يحبّونه، ويتغالون فيه، ويفضلونه، إمّا قد ملكَهم بالكرَم والحِلم والعطاء، وإما قد وُلدوا في الشام على حبِّه، ‌وتربَّى ‌أولادثهم ‌على ‌ذلك. وفيهم جماعةٌ يسيرةٌ من الصحابة، وعددٌ كثيرٌ من التابعين والفضلاء، وحاربوا معه أهلَ العراق، ونشؤوا على النصب – نعوذ بالله من الهوى -)) ‏[سِير أعلام النبلاء، ج3، ص128، ط. الرسالة‏]‏.
فقوله: (نشؤوا على النصب) يعني أنّ معاوية مُنشئ النصب ومؤسِّسه، حيث مارس عملًا بارزًا في ترسيخ أفكار “النصب” بسياساته إبّان حُكمه، وقد ساهمتْ عبر ممر العصور في ظهور جماعاتٍ إرهابية وتنظيمات متطرِّفة ترتبط بأفكارٍ سلفية متشدِّدة تستند إلى تفسيرات محدَّدة لفكر كلٍّ من ابن تيمية وابن عبد الوهاب ومن حذا حذوهم، مثل تنظيم “قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين”، الذي كان يُعرف سابقًا باسم “جماعة التوحيد والجهاد”، وهو من نفَّذ تفجير مرقد العسكريَّين (عليهما السلام) في سامراء عام ‏2006‏م.
ولطالما اتَّبع النواصبُ سياسةَ هدْم القبور، بدءًا من عهد ابن تيمية، ولا تزال هذه الممارسة مستمرّة حتى يومنا هذا، فمن غير المنطقيِّ إذًا اتّهام “الاحتلال” بفعلٍ هو أساسًا سلوكٌ متأصِّلٌ لدى “النواصب”. فسياسة ‏‏”الاحتلال” – أيِّ احتلالٍ كان – تقوم ‏ على تجنُّب استفزاز الشعوب المحتلة، بل تسعى جاهدةً لإلهائهم بمُتَع الحياة وتذليل الصِّعاب أمام ممارساتهم الدينية، بهدف إبعادهم عن النشاط السياسي والاحتجاجات التي قد تهدِّد مخطَّطاته.
ويُمثِّل هدم قبور أئمة البقيع (عليهم السلام) في الثامن من شهر شوال عام 1344هـ سابقةً ‏تاريخيةً شهيرةً لنهج “النواصب” هذا.‏
يقول (كورتين وينزر) السفير الأمريكي لدى كوستاريكا في دراسةٍ أكاديمية، نُشرت في مجلة “MidEast Monitor”: ((وبعد سيطرة آل سعود على مكة والمدينة في العشرينات من القرن الماضي، قاموا بتدمير الأضرحة مثل مقبرة جنات البقيع التي دُمِّرت في عام 1925م، وكانت تحوي رفاتَ أربعةٍ من أئمة الشيعة الاثني عشرية)) [مجلة «MidEast Monitor» عدد يونيو- يوليو 2007 م].
فهدْم قبابِ أئمة المسلمين وتسوية قبورهم، وإنكار فضلِها وفضل أهلها، وإهانة من أوجب الله تعظيمه واحترامه حيًّا وميْتًا، بإهانة قبره، سواء كان نبيًّا أو وليًّا أو صدّيقًا أو شهيدًا، بدعوى أنّ تعظيمها عبادةٌ لها، وأنها باتت كالأصنام تُعبد من دون الله تعالى، وأنّ الله تعالى نهى عن البناء على القبور، كلُّ هذه الادّعاءات زائفةٌ لا أساس لها من الصحة، لا في القرآن الكريم ولا في السُّنة النبوية المطهَّرة، بل على العكس تمامًا، فالأدلة الشرعية تثبت جواز تعظيم قبور الأنبياء والأئمة والصالحين، وتُحرّم التطاول عليها أو هدمها.
وبالنتيجة، فإنّ هدم قبور أولياء الله وأصفيائه لا ينطلق من أيِّ دليلٍ شرعي، بل من دوافع الحقد والعداء الأعمى.
ودونكَ صفحةٌ من تأريخ النواصب، حيث قاموا بإرسال قاضي قُضاتهم “الشيخ عبد الله بن بليهد” إلى المدينة المنوَّرة في شهر رمضان سنة 1344 هـ، وبعد دخوله المدينة وجّه إلى علماء المدينة هذا السؤال:
((ما قولُ علماء المدينة – زادهم الله فهمًا وعلمًا- في البناء على القبور واتّخاذها مساجد؟ هل هو جائزٌ أم لا؟ وإذا كان غير جائز، بل ممنوع منهيٌّ عنه نهيًا شديدًا فهل يجب هدمها ومنع الصلاة عندها أم لا؟ وإذا كان البناء في مُسبَّلة كالبقيع، وهو مانعٌ من الانتفاع بالمقدار المبنيّ عليها، فهل هو غصبٌ يجب رفعه؛ لما فيه من ظلم المستحقين ومنعهم استحقاقهم أم لا؟ وما يفعله الجهّال عند هذه الضرائح من التمسُّح بها ودعائها مع الله والتقرُّب بالذبح والنذر لها وإيقاد السرُج عليها، هل هو جائز أم لا؟ وما يُفعل عند حجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من التوجُّه إليها عند الدعاء وغيره والطواف بها وتقبيلها والتمسُّح بها، وكذلك ما يُفعل في المسجد من التحريم والتذكير بين الأذان والإقامة وقبل الفجر ويوم الجمعة، هل هو مشروعٌ أم لا؟ أفتونا مأجورين، وبيِّنوا لنا الأدلّة المستند إليها، لا زلتم ملجأً للمستفيدين)).
نصُّ الجواب المنسوب لعلماء المدينة: ((أما البناء على القبور فهو ممنوع إجماعًا لصحة الأحاديث الواردة في منعه؛ ولهذا أفتى كثيرٌ من العلماء بوجوب هدْمه مستندين على ذلك بحديث عليٍّ أنه قال لأبي الهياج: أ لا أبعثك على ما بعثني عليه رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم أنْ لا تدع تمثالًا إلا طمستَه ولا قبرًا مشرفًا إلا سوّيته. رواه مسلم.
وأما اتّخاذ القبور مساجد والصلاة فيها وإيقاد السرُج عليها فممنوعٌ لحديث ابن عباس: لعن الله زائرات القبور والمتّخذين عليها المساجد والسرُج. رواه أهل السُّنن.
وأما ما يفعله الجُهّال عند الضرائح من التمسُّح بها والتقرُّب إليها بالذبائح والنذور ودعاء أهلها مع الله فهو حرامٌ ممنوعٌ شرعًا، لا يجوز فعله أصلًا.
وأما التوجُّه إلى حجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند الدُّعاء فالأَولى منعه كما هو معروفٌ من معتبرات كتب المذهب؛ ولأن أفضل الجهات جهة القبلة.
وأما الطواف والتمسُّح بها وتقبيلها فهو ممنوعٌ مطلقًا.
وأما ما يُفعل من التذكير والترحيم والتسليم في الأوقات المذكورة فهو محدَثٌ.
هذا ما وصل إليه علمنا)) [يُنظر: كشف الارتياب، ص287– 288].
هل ما زال ثمة شكٌّ في أنّ النواصب من أهل السُّنة هم مَن فجَّر المرقدين؟ ثم إنّ دعوى تفجير مرقدي الإمامين العسكريين (عليهما السلام) كان على يد زُمَرٍ إرهابية من قبل الاحتلال، هي أشبه بقصة إخوة يوسف الذين اتًّهموا الذئب بأكله كذبا لدفع التهمة عن أنفسهم؟!
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.