مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

منشأ الاعتقاد الباطل برؤية الله في الدنيا والآخرة والمنامات

تفاصيل المنشور

الاشكال

في الدنيا مستحيل بسبب طبيعتنا الآدمية ولكن في الأخرة انشاء الله بدليل كثير من الأحاديث عن الرسول ص حيث لذة النظر الى وجه الله وهي اعلى منزله من الجنة وان النبي قال لأصحابه عندما نظر الى القمر وهو بدر انكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر …

المستشكل

ام عزيز

تفاصيل المنشور

الاشكال

في الدنيا مستحيل بسبب طبيعتنا الآدمية ولكن في الأخرة انشاء الله بدليل كثير من الأحاديث عن الرسول ص حيث لذة النظر الى وجه الله وهي اعلى منزله من الجنة وان النبي قال لأصحابه عندما نظر الى القمر وهو بدر انكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر …

بسمه تعالى
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله المطهرين..
لقد ثبت بالدليل العقلي تنزيه الله تعالى عن الحدِّ والجهة والمكان، وبه جاء كل الأنبياء عليهم السلام وإليه دعوا الناسَ، ولا خلاف في ذلك بين نبيٍ وآخر، وهو أنّ وجوب الوجود يقتضي نفي التركيب، والدليل على ذلك أنّ كلّ مركّب فإنه مفتقر إلى أجزائه لتأخره وتعليله بها، وكل جزء من المركب فإنه مغاير له، وكل مفتقر إلى الغير ممكن، فلو كان الواجب تعالى مركباً كان ممكناً هذا خلف، فوجوب الوجود يقتضي نفي التركيب، ولمّا كان كذلك انتفى كونه محدوداً في مكان دون مكان، وفي زمان دون زمان، فاستحال سبحانه أن يكون شيئاً واقعا تحت الحواس فتدركه، ومعلوم أنّ الجسم له أبعاد مكانية وزمانية منها الطول والعرض والعمق، ومن دونها لا يكون الجسم جسماً، والله سبحانه حقيقة بسيطة لا تفتقر إلى أجزاء كما يفتقر المركب في وجوده إلى أجزاء وأبعاد، وهو جلّ وعلا غني مطلق لا يحويه مكان ولا يحدّه زمان.
ومنشأ الاعتقاد بالرؤية والتجسيم والتشبيه سببه الأحاديث المروية في صحاحكم التي تعتبرونها صحيحة وموثقة ولا تقبل الخدش والرد والنقد، فهذه الأحاديث هي التي جعلتكم تعتقدون بما لا يوافق القرآن الكريم، ولم يقف الأمر عند هذا الحد فحسب، بل تعداه إلى الاعتقاد برؤية الله في الدينا، بل ورؤيته تعالى في المنامات، حتى غالى بعض المفسرين من علمائكم في ذلك فسرد بعض مناماته في تفسير القرآن تعضيدا لأحاديث الرؤية في المنام الواردة في تلك الصحاح المزعومة، فها هو الالوسي صاحب تفسير روح المعاني يقول: (( فأنا ولله تعالى الحمد قد رأيت ربي مناما ثلاث مرات ، وكانت المرة الثالثة في السنة 1246 بعد الهجرة ، رأيته جل شأنه وله من النور ما له ، متوجها جهة المشرق فكلمني بكلمات أنسيتها حتى استيقظت)) [روح المعاني، ج9، ص52].
والأغرب من ذلك كله ما رواه البخاري في صحيحه من أنَ الله تبارك وتعالى يأتي هذه الأمة يوم القيامة على هيئة غير هيئته التي يعرفونه بها، فينكرون ذلك عليه!! حتى يأتيهم بالصورة التي يعرفونه بها فيتبعونه!! وغير ذلك. [راجع: صحيح البخاري 8: 62]، وهذا يقتضي رؤية الله في الدنيا قبل الآخرة من قبل جميع الناس ليعرفوه بعد تنكره بغير هيئته، ولم نسمع أن عاقلا رأى الله في الدنيا عدا بعض الذين يعانون من اضطرابات نفسية، وعلى فرضه – ولا نسلم – فماذا يفعل من لم يره في الدنيا، كيف سيعرف الله أنه كان متنكرا أو غير متنكر؟!
وردا على هذه العقيدة نقول: ثبت على مبانيكم أن الأصل في باب العقائد هو حصول الاتفاق. [راجع: موقع اسلام ويب، رقم الفتوى: 132935]، الا أننا وجدنا الاختلاف في عقيدة الرؤية بين علمائكم قائم على قدم وساق، وبيان ذلك:
فقد ذهب جمهور أهل السنة إلى إثبات رؤية الله تعالى للمؤمنين في الجنة، واحتجوا بقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}، وبقوله تعالى عن الكافرين: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}، وبحديث: ((إنكم سترون ربكم كما ترون هذا البدر))، وفي رواية: ((كما ترون الشمس في رابعة النهار ليس دونها سحاب))، وهو في صحيحي البخاري ومسلم.
وخالفهم في ذلك جماعة من أهل السنة والجماعة وغيرهم كعائشة ومجاهد وأبي صالح السمان وعكرمة وغيرهم، وكذا المعتزلة والاَباضية والزيدية، واحتجوا بقول الله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ}، وأوَّلوا الآيات التي احتج بها جمهور أهل السنة بأن المراد بالآية هو: وجوه ناضرة مسرورة؛ لأنها تنظر ثواب ربها وعطاءه وجنته وإنعامه، كما أنه هناك بالمقابل وجوه يومئذ باسرة عابسة تظن أن يفعل بها فاقرة أي مصابة بداهية كبيرة، وهذا الكلام هو بيان ما يكون في أرض المحشر، وحال المؤمنين والكافرين يومئذ، والرؤيا إنما تكون في الجنة، قالوا: فالمقام هنا مقام مقابلة بين وجوه تنتظر الثواب ووجوه تنتظر العقاب، ورؤية الله تعالى غير مرادة هنا وخصوصاً أن الكلام يتعلق بالموقف قبل الدخول للجنة والنار، وأنتم ـ يا جمهور أهل السنة والجماعة ـ تقولون بأن الرؤية إنما تتم في الجنة لا في أرض المحشر، وهذا الكلام يتعلق في أرض المحشر.
ورد هؤلاء على من قال من أهل السنة بأن لفظ (ناظرة) لا تأتي عربية بمعنى منتظرة، فقالوا: إن ذلك ليس صحيحاً، بل قد ورد القرآن الكريم بإثبات أن معنى ناظرة منتظرة! من ذلك قوله تعالى عن بلقيس: {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ}. [النمل:35]، أي منتظرة بم يرجع المرسلون، وهو واضح ظاهر.
كذلك قالوا بأن المراد بقوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}، أي عن ثواب ربهم وإكرامه وإنعامه، والحجاب أيضاً هو عن كلامه لا عن رؤيته، لاَن الله تعالى يقول وهو أصدق القائلين: {وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ}. [البقرة: 174].
فتبين من هذا كله أن هذه الآيات لا يصح الاِستدلال بها في مسألة إثبات الرؤية. [راجع: شرح العقيدة الطحاوية، للسقاف، ص 583]
والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.