مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

من مصادر الشيعة “لعن الله اليهود اتخذوا قبور انبيائهم” وبيانات العلماء الأعلام

تفاصيل المنشور

الاشكال

يكثر هذه الأيام الصرخية أتباع الصرخي من الإشكال علينا بروايات يدعون أنها صحيحة السند فيقولون: إن زيارة القبور والبناء عليها مما ورد النهي عنه في روايات صحيحة السند، كالرواية التي نقلها المجلسي صاحب البحار عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: قلت له الصلاة بين القبور قال: صل في خلالها ولا تتخذ شيئا منها قبلة فان رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن ذلك وقال: ولا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجدا فان الله تعالى لعن الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)).

المستشكل

الحاج أبو مصطفى البغدادي

تفاصيل المنشور

الاشكال

يكثر هذه الأيام الصرخية أتباع الصرخي من الإشكال علينا بروايات يدعون أنها صحيحة السند فيقولون: إن زيارة القبور والبناء عليها مما ورد النهي عنه في روايات صحيحة السند، كالرواية التي نقلها المجلسي صاحب البحار عن زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: قلت له الصلاة بين القبور قال: صل في خلالها ولا تتخذ شيئا منها قبلة فان رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن ذلك وقال: ولا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجدا فان الله تعالى لعن الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)).

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله المطهرين..

لا يخفى ما في زيارة قبور الأئمة (عليهم السلام) من الفضل الكبير والثواب العظيم والأجر الجسيم، الأمر الذي تشهد به الروايات وإجماع الطائفة، والروايات في هذا الباب لا تحصى، منها: ((من زار علياً بعد وفاته فله الجنة)) [وسائل الشيعة، ج10، ص296، ح210].

ومنها: ((من زار الحسين عليه السلام محصت ذنوبه كما يمحص الثوب في الماء ويكتب له بكل خطوة حجة وكلما رفع قدمه عمرة)) [وسائل الشيعة، ج10، ص318]، وغيرها من الروايات الواردة في هذا الشأن وهي من الكثرة بمكان لا يسع هذا المختصر لنقلها. [انظر: رسائل المرتضى، ج1، ص291].

إلا أن بعض شذاذ الآفاق كـ(الصرخية) وغيرهم من أنصار النواصب الذين قد يصدق عليهم قوله تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان:44]، فهؤلاء صار سيماهم توظيف النصوص في غير مجالها، وإخراجها في غير براقعها، لتكثير الجمع، والبحث عن الأنصار، وتغرير الناس بما يحملون من جهل صرف.. إذ هم يحملون نفس الفكر الوهابي السلفي وينتهجون نهج النواصب، فمن ذلك قولهم في المقام: إن زيارة القبور والبناء عليها مما ورد النهي عنه في روايات صحيحة السند، كصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له الصلاة بين القبور قال: ((صل في خلالها ولا تتخذ شيئا منها قبلة فان رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن ذلك وقال: ولا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجدا فان الله تعالى لعن الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) [بحار الأنوار، ج80، ص315].

فنقول تبياناً لجهلهم:

الرواية صحيحة السند ولا ريب، إلا أن المراد من النهي عن اتخاذ القبور قبلة ومساجد هو النهي عن جعلها بنفسها قبلة يُتوجه إليها في الصلاة، ومسجدا يُسجد عليها، وليس النهي هنا هو مجرد أن تكون القبور في موضع تجاه القبلة أو إقامة المساجد والأبنية عليها، وإنما كان النهي اجتناباً وتنزيهاً للعبادة كما يفهم من مناسبة الحكم والموضوع.

قال العلامة المجلسي في مرآة العقول: ((قال الصدوق: «قال النبي صلى الله عليه وآله لا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجدا فإن الله تعالى لعن اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، قلت: هذه الأخبار رواها الصدوق والشيخان ولم يستثنوا قبرا، ولا ريب أن الإمامية مطبقة على مخالفة قضيتين من هذه، إحداهما: البناء، والأخرى: الصلاة في المشاهد المقدسة، فيمكن القدح في هذه الأخبار، لأنها آحاد وبعضها ضعيف الإسناد، وقد عارضها أخبار أشهر منها، وقال ابن الجنيد: ولا بأس بالبناء عليه وضرب الفسطاط يصونه ومن يزوره، أو تخصيص هذه العمومات بإجماعهم في عهود كانت الأئمة ظاهرة فيها وبعدهم من غير نكير والأخبار الدالة على تعظيم قبورهم وعمارتها وأفضلية الصلاة عندها وهي كثيرة انتهى، و لا يخفى حسن ما أفاده حشره الله مع أئمة الهدى)) [مرآة العقول، ج14، ص196].

ومعنى اتخاذ القبر قبلة هو أن يتوجه إليه في الصلاة، قال الفيض الكاشاني في الوافي: ((بيان: ربما يقال المراد باتخاذ القبر قبلة أن يتوجه إليه أينما كان وباتخاذه مسجدا أن يضع جبهته عليه)) [الوافي، ج٧، ص٤٥٣].

ومعنى اتخاذ القبر مسجدا هو وضع الجبهة عليه، قال الخوانساري في تعليقاته على شرح اللمعة الدمشقية: ((واما اتخاذه مسجدا فالظاهر أن المراد به ان يضع الجبهة عليه)) [التعليقات على شرح اللمعة الدمشقية، ص٢٢٠].

فالرواية تحمل على المنع من جعل قبره (صلى الله عليه وآله وسلم) كالكعبة في التوجه في الصلاة، قال الميرزا القمي في غنائم الأيام: ((فنحملها على المنع من جعلها كالكعبة يصلَّى إليها من كلّ جانب)) [غنائم الأيام في مسائل الحلال والحرام، ج٢، ص٢٢١].

وقال السيد محسن الحكيم في مستمسك العروة: ((“لا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجدا ” لكن الظاهر منها قصد كونه قبلة كالكعبة الشريفة، لا مجرد جعل المصلي له أمامه)) [مستمسك العروة، ج٥، ص٤٦٧].

ويؤكد جميع ما ذكرنا ما ورد في الزيارات من تأكيد توحيد اللّه تعالى فيها بالتكبير والحمد للّه على التوفيق والشكر على النعمة والعلاقة بالنبي والأئمة لأنهم أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وجاهدوا في اللّه حق جهاده، ونحو ذلك وغيره مما يفهم منه المضامين التوحيدية بكل وضوح.

فالرواية بعيدة كل البعد عن إفادة حرمة زيارة قبور الأئمة (عليهم السلام) والبناء عليها كما اتضح من بيانات العلماء الأعلام رضوان الله تعالى عليهم، مضافا إلى أنها معارضة بصحاح أخرى كما أفاده العلامة المجلسي (ره).

والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.