السائل = مجهول
السؤال = لماذا خصّ النبي (صلى الله عليه وآله) الإمام عليًّا (عليه السلام) دون بعض الصحابة الذين يَعتقد الشيعة بعدالتهم بحديث : لا يُحِبه إلا مؤمن، ولا يَبغُضُه إلا منافق .. فمَن المُراد بالمنافق في هذا الحديث؟ وما دلائله؟ وهل يُمكنُنا إحالة هذا الحديث وتطبيقه على الصحابة الذين نعتقد بعدولهم حيث أن مبغضهم يكون مصداقًا لهذا الحديث.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..
إن الإيمان والنفاق من الأمور القلبية، فلا بدّ من علامةٍ بارزة يمكن بها تحديد إيمان الشخص أو نفاقه، ولا سبيل إلى معرفة ذلك إلا من آيات الكتاب وأحاديث السنة.
فأما الكتاب فقد ذُكر فيه عدّة صفات للمؤمنين في سورة (المؤمنون) كثبات القدم في العقيدة والإيمان حال حياة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعد وفاته، وكذلك عن المنافقين، فقد ذُكرت آياتٌ عديدة في القرآن الكريم بعضَ صفاتهم، وأبرزها تكذيب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ومخالفة أوامره وكشف أسراره.
وأما السُّنة فقد أشارت الأحاديث إلى أبرز علامةٍ لتحديد كون الشخص مؤمنًا أو منافقًا، وهي قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الصحيح الذي لا ريب فيه، لعليٍّ (عليه السلام): ((يا علي لا يحبك إلّا مؤمن، ولا يبغضك إلّا منافق)) [سنن الترمذي، ج5، ص643، تـ. شاكر، قال الألباني: صحيح].
قال الذهبي في “السير”: ((وقد جمعتُ طرق حديث الطير في جزء، وطرق حديث: “من كنت مولاه فعلي مولاه” وهو أصح، وأصح منهما ما أخرجه مسلم عن علي، قال: إنه لعهْد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إليَّ: “أنه لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق”)) [سير أعلام النبلاء، ج17، ص169]، وصححه الألباني في “الجامع الصغير وزيادته”. [الجامع الصغير وزيادته، ص4187].
وهذا الحديث مما قد صح، واشتُهر، واستفاض عن عددٍ من الصحابة، إنْ لم نقل تواتر، قال القرطبي في تفسيره: ((ما روي عن جماعةٍ من الصحابة أنهم قالوا: ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ببغضهم لعليٍّ عليه السلام)) [تفسير القرطبي، ج1، ص267].
ففي “الرياض النضرة” عن أم سلمة أنها قالت: ((كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: ”لا يحب عليًّا منافق، ولا يبغضه مؤمن” أخرجه الترمذي، وقال: حسن غريب»)).
وفيه عنها: ((أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال لعليٍّ: ”لا يبغضك مؤمن، ولا يحبك منافق” أخرجه أحمد في المسند)).
وفيه عن عمار بن ياسر، أنه قال: ((سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: ”يا علي، طوبى لمن أحبك، وصدق فيك، وويلٌ لمن أبغضك، وكذب فيك” أخرجه ابن عرفة»)).
وفيه عن ابن مسعود، أنه قال: ((ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ببغضهم علي بن أبي طالب)) [الرياض النضرة في مناقب العشرة، ج3، ص189-191].
وفي ”المستدرك على الصحيحين” عن أبي ذر، أنه قال: ((ما كنا نعرف المنافقين إلا بتكذيبهم الله ورسوله، والتخلف عن الصلوات، والبغض لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه)) [المستدرك على الصحيحين، للحاكم، ج3، ص139]، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرِّجاه.
وفي فضائل الصحابة عن جابر بن عبد الله، أنه قال لما سأله أبو الزبير: ((كيف كان عليّ فيكم؟ قال: ”ذلك من خير البشر، ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغضهم إياه”)) [فضائل الصحابة، لأحمد بن حنبل، ج2، ص671].
وعنه في ”مختصر تاريخ دمشق” أنه قال: ((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا علي، لو أن أمتي أبغضوك لأكبَّهم الله على مناخرهم في النار”)) [مختصر تاريخ دمشق، ج17، ص374].
وجاء عنه أيضًا في الشريعة للآجري، أنه قال: ((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”ثلاثٌ مَن كُنَّ فيه فليس مني، ولا أنا منه، بُغض علي بن أبي طالب، ونصبٌ لأهل بيتي”)) [الشريعة، للآجري، ج4، ص2064].
فيظهر من ذلك بوضوحٍ أن هناك دليلًا قاطعًا على اختصاص عليٍّ (عليه السلام) بهذه الصفة وتفرُّده بها، حيث أصبح حبه شارة الإيمان وعلامته، وبغضه شارة النفاق والكفر، ولم يحظَ بهذه الخصيصة مَن سواه مِن الصحابة مطلقاً، ولا يشاركه فيها غيره.
وقد علل الزرقاني وصف مبغض عليٍّ (عليه السلام) بالنفاق؛ بأنه كان تام الاتباع لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، حيث قال في شرحه على ”المواهب اللدنية”: ((إن عليًّا تام الاتباع له صلى الله عليه وسلم حتى وصفه بصفة محبة الله؛ ولذا كانت محبته علامة الإيمان وبغضه علامة النفاق)) [شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية، ج 3، ص 256].
وأكد الإمام أحمد بن حنبل أن مبغض عليٍّ (عليه السلام) في النار، وأن محبَّه في الجنة، فهو (عليه السلام) قسيم النار، قال ابن أبي يعلى في ”طبقات الحنابلة”: ((قيل لأحمد بن حنبل: يا أبا عبد الله، ما تقول في هذا الحديث الذي يروى، أن عليًّا قال ”أنا قسيم النار”؟ فقال: وما تنكرون من ذا؟ أ ليس روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعليّ ”لا يُحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق”؟! قلنا: بلى. قال: فأين المؤمن؟ قلنا: في الجنة. قال: وأين المنافق؟ قلنا: في النار. قال: فعليّ قسيم النار)) [طبقات الحنابلة، لابن أبي يعلى، ج1، ص320].
وقد شاء الله سبحانه أن يجعل أمير المؤمنين (عليه السلام) الفاروق بين الحقّ والباطل شرعًا وتكوينًا دون سواه من الصحابة ولو بلغوا ما بلغوا من مراتب العدالة.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.