تفاصيل المنشور
- المستشكل - قاسم الملا
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 34 مشاهدة
تفاصيل المنشور
قال الله في كتابه الكريم في سورة آل عمران، آية 54: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ الله وَالله خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} الآية تتحدث عن مكر الكافرين، ومصطلح “المكر” يرتبط بالسلبية والغدر، وهو صفة مذمومةٌ، فكيف تصف الآية أن الله ماكر، بل وإنه خير الماكرين، أرجو البيان مع التقدير.
المستشكل
قاسم الملا
قال الله في كتابه الكريم في سورة آل عمران، آية 54: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ الله وَالله خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} الآية تتحدث عن مكر الكافرين، ومصطلح “المكر” يرتبط بالسلبية والغدر، وهو صفة مذمومةٌ، فكيف تصف الآية أن الله ماكر، بل وإنه خير الماكرين، أرجو البيان مع التقدير.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..
كانت العرب تسمي الجزاء على الفعل باسم الفعل، فسُمِّي جزاء المكر مكرًا، كما سمِّي جزاء السيئة سيئةً، وجزاء الاعتداء اعتداء، وإنْ لم يكن الثاني اعتداءً، ولا سيئة، فعلى ذلك تسمية جزاء المكر مكرًا، وإن لم يكن الثاني مكرًا.
والمكر في اللغة يعني كلَّ حيلة ووسيلة لصرف الشخص عن الهدف الذي يمضي إليه، سواء كان حقًّا أو باطلًا، وقد أخذ في مفهوم هذه اللغة نوعٌ من التدرج والنفوذ التدريجي.
وعن مجمع البحرين: ((قوله تعالى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ الله}، المكر من الخلق خبثٌ وخداع، ومن الله مجازاةٌ، ويجوز أن يكون استدراجه العبد من حيث لا يعلم… قوله: {قُلِ الله أَسْرَعُ مَكْرًا}، أي أقدر على مكركم وعقوبتكم قوله: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ الله}، أي عذاب الله. قوله: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا}، يريد الخدع والحيلة. قوله: {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ}، أي باغتيابهن، وإنما سمي مكرًا لأنهنَّ أخفيْنَه كما يُخفي الماكر مكرَه. والمكر الخديعة، يُقال: مكر يمكر مكرًا، من باب قتل: خدع، فهو ماكر. وفي الدعاء: اللهم امكر لي، ولا تمكر بي، أراد بمكر الله إيقاع بلائه بأعدائه دون أوليائه)). [مجمع البحرين، للطريحي، ج٣، ص٤٨٤].
وعلى هذا فالمراد من المكر الإلهي هو أنّ الله تعالى يصرفهم بخططه القوية التي لا تُقهر عن حياة الرفاه واللذة دون اختيارهم، ويقطعها عليهم. وهذه إشارةٌ إلى العقوبات الإلهية الفجائية والمهلكة. [ينظر: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج٥، ص١٣١].
قال العلامة المجلسي في البحار: (({أَفَأَمِنُوا مَكْرَ الله}، أي عقوبته وعذابه، وقوله تعالى: {قُلِ الله أَسْرَعُ مَكْرًا}، أي أقدر على مكركم وعقوبتكم إن شاء)) [بحار الأنوار، ج٨٧، ص٢٣٧].
وفيه عن الإمام الرضا (عليه السلام) في حديثٍ طويل، جاء فيه: ((قال، وسألته عن قول الله عز وجل: {سَخِرَ الله مِنْهُمْ}، وعن قوله: {يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ}، وعن قوله تعالى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ الله}، وعن قوله عزّ وجل: {يُخَادِعُونَ الله وَهُوَ خَادِعُهُمْ}، فقال عليه السلام: ان الله عزّ وجل لا يسخر، ولا يستهزئ، ولا يمكر، ولا يخادع، ولكنه عزّ وجل يجازيهم جزاء السخرية، وجزاء استهزاء، وجزاء المكر والخديعة، تعالى عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا)) [بحار الأنوار، ج3، ص319].
وقال الميرزا التبريزي في تعليقه على صراط النجاة للسيد الخوئي (قده): ((معنى مكر الله سبحانه وخدعته هو جزاؤه الإنسان الماكر والخادع على مكره وخديعته ، كما ورد في الخبر أن الله عزّ وجلّ لا يسخر، ولا يستهزئ، ولا يمكر، ولا يخادع ، ولكنّه عزّ وجلّ يجازيهم جزاء السخرية وجزاء الاستهزاء وجزاء المكر والخديعة ؛ فمعنى: لا تمكر بي، ولا تخدعني هو : لا تجزني بمكري، ولا بخديعتي)). [صراط النجاة، للسيد الخوئي، ج٩، ص٧٠].
وفي تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي: ((قوله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ الله فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ الله إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}، مكر به مكرًا، أي مسّه بالضرر، أو بما ينتهي إلى الضرر، وهو لا يشعر، وهو إنما يصح منه تعالى، إذا كان على نحو المجازاة، كأنْ يأتي الإنسان بالمعصية، فيؤاخذه الله بالعذاب من حيث لا يشعر، أو يفعل به ما يسوقه إلى العذاب، وهو لا يشعر، وأما المكر الابتدائي من غير تحقق معصية سابقة، فمما يمتنع عليه تعالى)) [تفسير الميزان، ج ٨، ص٢٠٢].
وقال القرطبي، وهو من مفسري علماء أهل السُّنة: ((قوله تعالى: (أفأمنوا مكر الله) أي عذابه وجزاءه على مكرهم. وقيل: مكره استدراجه بالنعمة والصحة)) [الجامع لأحكام القرآن، ج7، ص254].
وباختصار فإن مفهوم المكر في القرآن، فيما يتعلق بالخلق يعني الخبث والخداع، أما من الله فيكون مجازاة وعقوبة للماكر والخادع على مكره وخديعته.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.