تفاصيل المنشور
- السائل - حيدر الخفاجي
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 45 مشاهدة
تفاصيل المنشور
لطفًا إذا أمكن. بيِّنوا لنا ما الفارق بين سورة التوبة آية 119 (اتقوا الله وكونوا مع الصادقين). وهي تعني الكون مع فئةٍ معصومة، وحسب روايات أهل البيت هم الأئمة الاثنا عشر *وبين الآيات في سورة الحشر آية 8 وسورة الحجرات آية 15، وجاءت بلفظة الصادقين. ما هو المائز للتفريق بين الفئتين. وبعبارةٍ أخرى: الله أطلق على كلا الفئتين “صادقين”. ولكم منّي كل الحبّ والاحترام والتقدير.
السائل
حيدر الخفاجي
لطفًا إذا أمكن. بيِّنوا لنا ما الفارق بين سورة التوبة آية 119 (اتقوا الله وكونوا مع الصادقين). وهي تعني الكون مع فئةٍ معصومة، وحسب روايات أهل البيت هم الأئمة الاثنا عشر *وبين الآيات في سورة الحشر آية 8 وسورة الحجرات آية 15، وجاءت بلفظة الصادقين. ما هو المائز للتفريق بين الفئتين. وبعبارةٍ أخرى: الله أطلق على كلا الفئتين “صادقين”. ولكم منّي كل الحبّ والاحترام والتقدير.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.
الفرق بين مفهوم الصدق في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119]، وبين ما ورد في سورتَي الحشر والحجرات، يتجاوز اختلافَ السِّياق والمصداق إلى اختلافٍ جوهريٍّ في طبيعة الصِّدق الذي تتناوله كلُّ آية.
فالصدق في آية سورة التَّوبة يشير إلى الصدق الكامل الذي يتمثَّل في عصمة أهل البيت (عليهم السلام)، إذ إنهم يمثِّلون الحقَّ في القول والعمل والمعتقَد، وقد ورد في تفاسير كبار علماء أهل السُّنة والشيعة ما يشير إلى أنَّ الصادقين في هذه الآية هم الأئمة الاثنا عشر (عليهم السلام)، الذين أوجب الله على عباده أنْ يكونوا معهم؛ لأنهم يمثِّلون الصدق التّام في الدِّين والدنيا، ويكون الالتزام بهم التزامًا بمنهج الحقِّ الذي لا لبْس فيه.
قال الفخر الرازي في تفسيره: ((إنّه تعالى أمَر المؤمنين بالكون مع الصّادقين. ومتى وجب الكونُ مع الصّادقين فلا بدّ من وجود الصادقين في كُلّ وقتٍ … فإنْ قيل: لِمَ لا يجوز أنْ يقال: إنّ المراد بقوله: {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} أيْ كونوا على طريقة الصّادقين؟ كما أنّ الرجل إذا قال لولده: كنْ مع الصالحين، لا يفيد إلّا ذلك.
سلَّمنا ذلك، لكنْ نقول: إنّ هذا الأمر كان موجودًا في زمان الرسول فقط، فكان هذا أمرًا بالكون مع الرسول، فلا يدلّ على وجود صادقٍ في سائر الأزمنة.
والجواب عن الأول: أنّ قوله: {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} أمرٌ بموافقة الصّادقين، ونهيٌ عن مفارقتهم، وذلك مشروط بوجود الصّادقين. وما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب. فدلّت هذه الآية على وجود الصّادقين.
وقوله: إنّه محمولٌ على أنْ يكونوا على طريقة الصّادقين، فنقول: إنّه عدولٌ عن الظاهر من غير دليل.
قوله: هذا الأمر مختصٌّ بزمان رسول الله عليه الصلاة والسلام. قلنا: هذا باطلٌ لوجوهٍ: الأول: أنّه ثبَت بالتواتر الظاهر من دين محمدٍ (عليه الصلاة والسلام) أنّ التكاليف المذكورة في القرآن متوجِّهة إلى المكلَّفين إلى قيام القيامة، فكان الأمرُ في هذا التكليف كذلك.
الثاني: أنّ الصيغة تتناول الأوقات كلَّها بدليلِ صحة الاستثناء.
الثالث: لمّا لم يكن الوقت المعيَّن مذكورًا في لفظ الآية، لم يكنْ حمل الآية على البعض أَولى من حمله على الباقي، فإما أنْ لا يُحمَل على شيءٍ من الأوقات، فيُفضي إلى التعطيل، وهو باطلٌ، أو على الكلّ، وهو المطلوب.
الرابع: وهو أنّ قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ} أمْرٌ لهم بالتَّقوى، وهذا الأمر إنّما يتناول مَن يصحّ منه أنْ لا يكون متَّقيًا، وإنما يكون كذلك لو كان جائز الخطأ، فكانت الآية دالّة على أنّ من كان جائزَ الخطأ وجب كونُه مقتديًا بمن كان واجب العصمة، وهم الذين حكَم اللهُ بكونهم صادقين. فهذا يدلّ على أنّه واجبٌ على جائز الخطأ؛ لأنه مع المعصوم عن الخطأ، حتى يكون المعصوم عن الخطأ مانعًا لجائز الخطأ عن الخطأ. وهذا المعنى قائمٌ في جميع الأزمان، فوجب حصوله في كُلّ الأزمان)) [تفسير الرازي، ج16، ص166-167].
أما الصدق الذي ورد في قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر:8]، وقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات:15]، فهو يعبِّر عن الصّدق النسبيّ الذي يظهر من التزام المؤمنين الصادق بأعمالهم وتضحياتهم وإخلاصِهم في نُصرة الدِّين، فالصدق هنا يعكس الإخلاص والعمل في نطاقٍ محدودٍ، لكنه لا يصل إلى كمال الصدق الذي يتمثَّل في العصمة.
وعليه، فإنّ الصدق في آية سورة التوبة يتعلَّق بمقام العصمة الذي يختصُّ بأئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، بينما يشير الصدق في سورتَي الحشر والحجرات إلى صفةٍ يتحلّى بها المؤمنون نتيجة إخلاصهم وعملهم الصالح، لكنها لا تصل إلى مقام الكمال المطلق.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.
مركز الدليل العقائدي.