تفاصيل المنشور
- المعترض - عبد الكريم
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 14 مشاهدة
تفاصيل المنشور
أنتم تفترضون أنّ عامة الناس لا يمكنهم الوصول لفهم النصّ، وهذا احتقارٌ لقدرات أتْباع مدرسة أهل البيت، مع أنّ أهل البيت (عليهم السلام) خاطبوا الناس مباشرة.
المعترض
عبد الكريم
أنتم تفترضون أنّ عامة الناس لا يمكنهم الوصول لفهم النصّ، وهذا احتقارٌ لقدرات أتْباع مدرسة أهل البيت، مع أنّ أهل البيت (عليهم السلام) خاطبوا الناس مباشرة.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.
لا يخفى أنّ هذا الإشكال ناشئٌ من الخلط بين إدراك مدلول اللفظ العرفيّ في حدّ ذاته، وبين القدرة على استكشاف الحكم الشرعيّ الواقعيّ أو الظاهريّ من مجموع الأدلّة المتعارضة ظاهرًا، المشتملة على العمومات والمطلقات، والمخصّصات والمقيّدات، والناسخ والمنسوخ، والمحمول على القاعدة والمحمول على الاستثناء، وغير ذلك مما تقرَّر في محلِّه من مباحث الأصول.
إذ الخطابُ الصادر عن المعصوم (عليه السلام) وإنْ كان في ظاهره موجَّهًا للناس كافّة بحسب عرفهم، إلّا أنّ وظيفة استنباط الحكم الشرعيّ ليستْ وظيفة مشتركة بين الناس بمجرّد تلقِّيهم ظاهر الخطاب، بل هي وظيفةٌ تختصُّ بمن حصل له مرتبة الاجتهاد والملكة الاستنباطيّة.
وبيان ذلك: أنّ الأحكام الشرعيّة ليست مستفادة مباشرة من ظاهر اللفظ، بل هي وليدةُ جمعِ الأدلة، ورفع التعارض، وترجيح إحدى الحجَّتَين على الأخرى عند التزاحم، وحمل المطلق على المقيَّد، والعموم على المخصَّص، ومعرفة موارد النسخ، والتأويل، والنقل، وما شابه ذلك، مما لا يُتصوَّر تيسُّره لكل مكلَّف، بل لا يتيسَّر إلا لمن بلغ مرتبةً من العلم والملكة تؤهِّله لهذا الجمع والترجيح والاستظهار.
ومن هنا كان رجوعُ الجاهل إلى العالم ضرورة عقلائيّة، ممضاة من قبل الشرع؛ ولهذا ورد في التوقيع الشريف: ((وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجَّتي عليكم، وأنا حجة الله)) [وسائل الشيعة، ج18، ص101]، والمراد بـ”رواة الحديث” ليس خصوص الناقلين للنصوص بلا زيادةٍ، بل هم الجامعون بين النقل والفقه والفهم، الأمر الذي يؤكِّده قوله (عليه السلام): (فإنهم حجَّتي عليكم، وأنا حجّة الله).
وقد صرّح الأئمة (عليهم السلام) بتقديم بعض أصحابهم على بعضٍ في مقام الفتوى والبيان، كما قدّموا زرارة، ومحمد بن مسلم، وأبا بصير، وغيرهم من أصحاب الإجماع، ولم يقدّموا كلَّ آحاد الشيعة، ولا حتى كلّ أصحابهم.
وعليه، فالفرق بين أنْ يكون الخطاب موجَّهًا للعامة، وبين كون استنباط الحكم وظيفةً عامة، هو الفرق بين كون الناس جميعًا سامعين للخطاب، وبين كونهم جميعًا أهلًا للاستنباط.
بل لو أُعطي هذا الحقّ لكل أحدٍ، لزم اختلاط الحابل بالنابل، وضياع معالم الشريعة، وتعدّد الطرق الموصلة إلى الأحكام الشرعيّة بتعدُّد العقول والأفهام، مع أنّ الشارع الأقدس قد جعل الحجّة واحدة في كلِّ واقعة لكل مكلف، لا أنه لكل مكلفٍ حجةٌ بحسب رأيه وفهمه.
فالتحقيق: أنّ هذا الإشكال إنما نشأ من عدم التمييز بين مدلول اللفظ، وحكم الشارع المستكشَف من مجموع النصوص على ضوء القواعد المقرَّرة، وبين مقام السماع ومقام الاستنباط.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.