مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

لماذا لم يستخدم الإمام الحسين (ع) ولايته التكوينية وينتصر على أعدائه وبالتالي ينعم المسلمون بحكمه العادل؟!

تفاصيل المنشور

الاشكال

لماذا لم يَستِخدمْ أئمَّةُ أهلِ البيتِ (عليهم السلام) الوِلايةَ التَّكوِينيةَ في رَدعِ أعْدائِهم، فلو كانَ قد اسْتعمَلَها الإمامُ الحُسيْنُ (عليه السلام) مثلاً في وَقعةِ كَربَلاءِ، لما اسْتطَاعتْ جُيوشُ بنِي أُميةَ مِن قَتلِه، وربَّما تَحقَّقَ له النَّصرُ على جَيشِ عُمرَ بنِ سَعدٍ، وبالتَّالِي يَحكُمُ الكُوفةَ والعِراقَ كلَّه، ويَنعُمُ المسْلِمونَ بحُكمِه العِادلِ الرَّشيدِ؟!

المستشكل

عبد الله الزرقاني

تفاصيل المنشور

الاشكال

لماذا لم يَستِخدمْ أئمَّةُ أهلِ البيتِ (عليهم السلام) الوِلايةَ التَّكوِينيةَ في رَدعِ أعْدائِهم، فلو كانَ قد اسْتعمَلَها الإمامُ الحُسيْنُ (عليه السلام) مثلاً في وَقعةِ كَربَلاءِ، لما اسْتطَاعتْ جُيوشُ بنِي أُميةَ مِن قَتلِه، وربَّما تَحقَّقَ له النَّصرُ على جَيشِ عُمرَ بنِ سَعدٍ، وبالتَّالِي يَحكُمُ الكُوفةَ والعِراقَ كلَّه، ويَنعُمُ المسْلِمونَ بحُكمِه العِادلِ الرَّشيدِ؟!

الأخ عبد الرزاق المحترم, السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قبل الإجابة على هذا السؤال لابدَّ أن نعرّف للمتابعين المقصود من الولاية التكوينية ، وهل هي ثابتة شرعا ، ثمَّ نجيب على السؤال أعلاه :

أوّلا : ما المقصود من الولاية التكوينية ؟

الجواب : تعني الولاية التكوينية أنّ الله سبحانه وتعالى يمنح النبي أو الولي القدرة على التصرف في الظاهرة الكونية خلاف نظام العلّية المتعارف ، وذلك كما في إعطاء القدرة لنبي الله داود عليه السلام في تليين الحديد بيده المجردتين وعمل دروع سابغات يعتاش منها.

ثانياً : هل هي ثابتة شرعاً ؟

الجواب : دلّت على ثبوتها آيات كثيرة في القرآن الكريم ، منها ما تقدّمت الإشارة إليه في حقّ نبي الله داود عليه السلام : { ولقد آتينا داود منا فضلا ياجبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد * أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير }[ النحل:38-39].

قال ابن كثير في “البداية والنهاية”: (( وأمّا إلانة الحديد بغير نار كما يلين العجين في يده، فكان يصنع هذه الدروع الداوودية، وهي الزرديات السابغات وأمره الله تعالى بنفسه بعملها، « وقدر في السرد » أي ألا يدق المسمار فيعلق ولا يعظله فيقصم، كما جاء في البخاري )) [ البداية والنهاية 6: 318]

ومنها ما ورد في حقّ نبي الله عيسى عليه السلام : {أني قد جئتكم بآية من ربّكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فتكون طيرا بإذن الله وأبرىء الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله}[ آل عمران : 49].

وهكذا آيات غيرها كثيرة في حقّ نبي الله سليمان ( عليه السلام ) وفي حقّ من كان عنده علم من الكتاب وأحضر عرش بلقيس من اليمن إلى بيت المقدس بطرفة عين وغيرها .

وهذه الولاية التكوينية لا تختص بالأنبياء بل تكون لغيرهم ، كما في منحها لمن كان عنده علم من الكتاب ( وهو آصف بن برخيا ) ولم يكن نبيّاً ، وقد أثبت هذه القدرة في التصرّف بالظاهرة الكونية خلاف نظام العلّية المتعارف أهل السنّة لبعض رموزهم.

فقد ذكروا في كتبهم إطاعة العناصر الأربعة ( الماء والهواء والتراب والنار ) لعمر بن الخطاب ، قال السخاوي في “التحفة اللطيفة” في ترجمة عمر بن الخطاب : (( وترجمته تحتمل مجلدا ضخما وممن أفردها الذهبي في نعم السمر في سيرة عمر وقد أطاعته العناصر الأربع فإنه كتب لنيل مصر وقد بلغه أنّ عادته أن لا يوفي إلا ببنت تلقى فيه فقطع الله من كتابه هذه العادة المذمومة ، والهواء حيث بلغ صوته إلى سارية والتراب حين زلزلت الأرض فضربها بالدرّة فسكنت والنار حيث قال لشخص أدرك بيتك فقد احترق )). انتهى [ التحفة اللطيفة 2: 337]

نقول : فإذا ادّعى الشيعة الإمامية ثبوت مثل هذه الولاية التكوينية لأئمتهم ( عليهم السلام ) فلا يحقّ لأحد الاعتراض على ذلك ؛ لأنّ حكم الأمثال فيما يجوز ولا يجوز واحد من هذه الناحية .

ثالثاً : لماذا لم يستعمل الإمام الحسين ( عليه السلام ) ولايته التكوينية ويعطّل هذه الأسلحة التي وجّهت إليه ويبطل عملها ، خلاف نظام العلّية المتعارف ؟!

الجواب : من الثابت شرعاً أنَّ التكليف قائم على الاختيار لا الجبر ؛ لأنّه لو آمن الناس مجبورين لبطل الثواب والعقاب ؛ إذ لا يوجد ما يستحقّ الإنسان عليه من الثواب والعقاب مادامت الأفعال قد صدرت منه بغير اختيار ولا إرادة .

وعليه ، لو استعمل الإمام الحسين ( عليه السلام ) ولايته التكوينية في إبطال مفعول الأسلحة التي كانت توجّه إليه ، بحيث أصبحت السهام المتقاطرة عليه وروداً أو كأعواد ثقاب بالية ، وأصبح السيف الذي يحزّ النحر الشريف عاطلاً عن العمل لا يفعل فعله فيه ، لآمن الناس حينئذٍ مجبورين بالحسين ( عليه السلام ) ، وإذا فرضنا أنّهم لم يؤمنوا مجبورين به وازداوا تجبّراً وطغياناً فهذا معناه أن يسلب الإمام ( عليه السلام ) منهم إرادتهم في قتله وذبحه حتّى يتحقّق الغرض من السيطرة عليهم ، وهذا كلّه مناف لحكمة التكليف ومناف لمقتضى العدل الإلهي في إستحقاق الناس للثواب والعقاب على المختار من أفعالهم .

وقد تسأل : فما هي الفائدة إذن من وجود ولاية تكوينية عند الأئمة ( عليهم السلام ) إذا لم يستخدموها في ردع الأعداء عنهم ؟

الجواب : لقد استعملت الولاية التكوينية من قبل أئمتنا ( عليهم السلام ) في مجالات لا علاقة لها بالجبر في التكليف ، كما في ردّ الشمس لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) عند عودته من حرب الخوارج ومروره بأرض معينة امتنع عن الصلاة فيها حتّى غابت الشمس وفاتته صلاة العصر فدعى الله عزّ وجل أن يعيد له الشمس في موضعها من صلاة العصر فعادت الشمس كما كانت وأدّى الأمير ( عليه السلام ) صلاته ثمّ رجعت وغابت [ انظر : بصائر الدرجات للصفار : 237] ، والحادثة ذاتها – من ردّ الشمس – تذكرها للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) جملة من مصادر أهل السنّة ، كما في : فتح الباري لابن حجر ج 6 ص 168 ، والخصائص الكبرى للسيوطي ج 2 ص 183، والتذكرة للقرطبي ص 14.

ودمتم سالمين