مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

لماذا قال اخوة يوسف لأبيهم أكله الذئب ولم يقولوا افترسه؟

تفاصيل المنشور

السؤال

هناك من يدعي أن القرآن الكريم لا يميز بين مفردات اللغة العربية فيستعمل بعضها في غير ما يناسبها ويأتي على خلاف ما نطق به العرب واستعمالاتهم، فاستعماله كلمة (أكله الذئب) في قصة يوسف غير صحيحة لان الوصف الذي يناسب السباع من أسود ونمور وذئاب وفهود وضباع هو أنها مفترسة، والعرب تقول (افترسه الذئب) لا أكله.

السائل

جابر أبو محمد

تفاصيل المنشور

السؤال

هناك من يدعي أن القرآن الكريم لا يميز بين مفردات اللغة العربية فيستعمل بعضها في غير ما يناسبها ويأتي على خلاف ما نطق به العرب واستعمالاتهم، فاستعماله كلمة (أكله الذئب) في قصة يوسف غير صحيحة لان الوصف الذي يناسب السباع من أسود ونمور وذئاب وفهود وضباع هو أنها مفترسة، والعرب تقول (افترسه الذئب) لا أكله.

بسمه تعالى
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله المطهرين..
إنّ استعمال (أكله) في قوله تعالى: {قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} [يوسف:17]، هو استعمال عام، فالأكل لا يختص به نوع من الحيوان دون نوع، ولكن معنى الافتراس في السباع هو القتل فحسب، جاء في «لسان العرب»: ((فرس الشيء فرساً: دقه وكسره، وافترس الدابة أخذها فدق عنقها، والأصل في الفرس (بسكون الراء) دق العنق، ثم كثر حتى جعل كل قتل فرْساً وافترسه صاده، ومثل ذلك ورد في «القاموس المحيط» من المعاجم.
فالافتراس إذن القتل بقصد الأكل، ولكنه ليس الأكل التام الذي لا يبقي من الفريسة أيّ أثر، وأصله دق العنق، وهذا المعنى لا يصلح في موضع الآية، لأن أخوة يوسف ادعوا على الذئب أنه أكله أكلاً، وأتى على جميع أجزائه وأعضائه، فلم يترك مفصلاً ولا عظماً. وذلك أنهم خافوا مطالبة أبيهم إياهم بأثر باقٍ من يوسف، يشهد بصحة ما ذكروه، فادعوا فيه الأكل ليزيلوا عن أنفسهم المطالبة. فعبارة: افترسه الذئب لا تعطي هذا المعنى الدقيق، وإنما تؤديه الآية الكريمة، على الرغم من أن لفظ الأكل شائع الاستعمال في الذئب وغيره من السباع.
يقول الخطّابي: ((فإن الافتراس معناه في فعل السّبع القتل فحسب، وأصل الفرس دقّ العنق، والقوم إنّما ادّعوا على الذئب أنّه أكله أكلا، وأتى على جميع أجزائه وأعضائه، فلم يترك مفصلا ولا عظما، ذلك لأنهم خافوا مطالبة أبيهم إيّاهم بأثر باق منه يشهد بصحّة ما ذكروه)) [ثلاث رسائل في الإعجاز، ص37].
فالفعل «أكله» يدل على إخفاء آثار الجريمة، فإن المدلول قد تغير فكيف لا يتغير الدال.
ويؤيّد ما ذهب إليه الخطّابيّ أنّ «أكل» ورد قبل أن يدّعوا ما ادّعوا، فعلى لسان أبيهم يعقوب عليه السلام جاء في السورة: {وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ، وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ}. إنّه الأكل وليس الافتراس. [انظر: جماليات المفردة القرآنية، احمد ياسوف، ص ٢٨٨].
أما الأكل فهو مضغ الطعام وبلعه، يقال: أكلته النار أفنته.
ومما تقدم اتضح سبب استعمال القرآن الكريم كلمة (أكله) بدلا من (افترسه)، ومنه تعرف كيف أن القرآن الكريم مُعْجِز في ألفاظه وأسلوبه، ومُعجِز في بيانه ونظْمه.
والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.