تفاصيل المنشور
- السائل - أمل محمود
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 708 مشاهدة
تفاصيل المنشور
السلام عليكم وعظم الله اجوركم .. كيف تخلّص الإمام السجاد عليه السلام من أسره وعاد الى كربلاء ودفن الأجساد الطاهرة ، وكيف عاد من حيث أتى ،ألم يلتفت السجانون الى عدم وجوده ؟!
السائل
أمل محمود
السلام عليكم وعظم الله اجوركم .. كيف تخلّص الإمام السجاد عليه السلام من أسره وعاد الى كربلاء ودفن الأجساد الطاهرة ، وكيف عاد من حيث أتى ،ألم يلتفت السجانون الى عدم وجوده ؟!
الأخت أمل المحترمة ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ذكرنا في أكثر من مناسبة أنَّ الله عزّ وجل منح أهل البيت ( عليهم السلام ) من الولاية التكوينية – وهو التصرف في الظاهرة الكونية خلاف نظام العليّة المعتاد – ممّا لا يتنافي والاختيار في التكليف للناس ، وهذه الولاية قد ثبتت في القرآن الكريم للأنبياء ولغير الأنبياء كما في قصّة الذي كان عنده علم من الكتاب ( وهو آصف بن برخيا عند أكثر المفسرين كما يذكر القرطبي في تفسيره 13: 204) الذي أحضر عرش بلقيس من اليمن إلى بيت المقدس قبل أن يرتد طرف نبي الله سليمان عليه السلام ( سورة النمل ، الآية 40) ، وهو لم يكن نبيّاً ( كما هو ثابت في : موسوعة الوافي للكاشاني 3: 621، والبداية والنهاية لابن كثير 2: 28وغيرهما ).
والولاية المذكورة قد أثبتها أهل السنّة لرموزهم أيضاً ، فقد ذكروا في كتبهم إطاعة العناصر الأربعة ( الماء والهواء والتراب والنار ) لعمر بن الخطاب ، قال السخاوي في “التحفة اللطيفة” في ترجمة عمر بن الخطاب : (( وترجمته تحتمل مجلدا ضخما وممن أفردها الذهبي في نعم السمر في سيرة عمر وقد أطاعته العناصر الأربع فإنه كتب لنيل مصر وقد بلغه أنّ عادته أن لا يوفي إلا ببنت تلقى فيه فقطع الله من كتابه هذه العادة المذمومة ، والهواء حيث بلغ صوته إلى سارية والتراب حين زلزلت الأرض فضربها بالدرّة فسكنت والنار حيث قال لشخص أدرك بيتك فقد احترق )). انتهى ( التحفة اللطيفة 2: 337)
وعليه ، فإذا ادّعى الشيعة الإمامية ثبوت مثل هذه الولاية التكوينية لأئمتهم ( عليهم السلام ) فلا يحقّ لأحد الاعتراض على ذلك ؛ لأنّ حكم الأمثال فيما يجوز ولا يجوز واحد من هذه الناحية .
وبلحاظ ما تقدّم نقول لقد ثبت في مروياتنا أنَّ الإمام المعصوم لا يلي أمره عند وفاته من تغسيل أو دفن ونحو ذلك إلا إمام معصوم ( يراجع في ذلك ما ورد في : الكافي 1: 384، وعيون أخبار الرضا للصدوق 2: 276، وبحار الأنوار 27: 288)
وفي خصوص دفن الإمام السجاد ( عليه السلام ) لأبيه الإمام الحسين ( عليه السلام ) فقد وردت جملة من الروايات تفيد أنّه ( عليه السلام ) قد حضر بقدرة إعجازية لدفن أبيه في كربلاء مع أنّه كان محبوساً في الكوفة ، منها هذه الرواية التي يحتجّ فيها الإمام الرضا ( عليه السلام ) على الواقفية – الذين لم يقولوا بإمامته – ، فقال لهم أنا حضرت لتولي أمر والدي موسى بن جعفر ( عليه السلام ) الذي كان محبوساً في سجن هارون الرشيد في بغداد وإن كنت أنا في المدينة كما تولى علي بن الحسين ( عليه السلام ) دفن أبيه الحسين ( عليه السلام ) في كربلاء مع أنّه كان محبوساً في الكوفة ، وتمام الرواية :
روى الكشي بسنده عن عليَّ بن أبي حمزة البطائني أنّه قال للإمام الرضا (ع) إنَّا روينا عن آبائك أنَّ الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله . فقال له أبو الحسن الرضا (ع) : فأخبرني عن الحسين بن علي (ع) كان إماماً أو كان غير إمام؟ قال: كان إماماً، قال (ع): فمن وليَ أمره؟ قال: عليُّ بن الحسين (ع). قال كان محبوساً بالكوفة في يد عبيد الله بن زياد. قال: خرج وهم لا يعلمون حتى وَليَ أمر أبيه ثمَّ انصرف. فقال أبو الحسن (ع): إنَّ هذا أمكن عليَّ بن الحسين (ع) أنْ يأتي إلى كربلاء فيلي أمر أبيه فهو يُمكِّن صاحب هذا الأمر أنْ يأتي بغداد فيلي أمر أبيه ثمَّ ينصرف وليس في حبسٍ ولا أسر ( رجال الكشي 2: 764) ، وتوجد روايات أخرى غيرها .
والدليل الملموس المحسوس لحضور الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) لدفن أبيه الحسين ( عليه السلام ) هو أنّنا نجد المراقد الموجودة في كربلاء الآن موزّعة بشكل لا يمكن أن نتصوّر أنّ من قام بدفنها على هذه الهيئة – الموجودة الآن – أناس عاديين غير الإمام المعصوم ؛ لأنّ الجثث كانت كثيرة في ساحة المعركة ومبعثرة في مساحات واسعة منها وكانت مقطّعة الرؤوس ومشوّهة الأجساد من كثرة الطعن بالرماح والسيوف ، فلا أحد يعرف من هو جسد الإمام الحسين ( عليه السلام ) فضلاً عن جسد علي الأكبر المدفون بقبر مستقل عند رجلي أبيه الحسين ( عليه السلام ) فضلاً عن جسد العباس ( عليه السلام ) المدفون بقبر مسقل فضلاً عن أجساد بني هاشم فضلاً عن أجساد الأنصار وهوياتهم .. فالناس العاديين – خاصّة ممن لا يعرف أهل البيت عليهم السلام ولم يلتق بهم ويميّز أشكالهم كبني أسد الذين يُدّعى أنّهم ممن حضر يوم 13 من المحرم ودفنوا الجثث الزواكي لوحدهم – لا يمكنهم التمييز الدقيق بين هذه الجثث وبالتالي التعويل على قولهم والعمل به منذ ذلك الزمان وإلى يومنا هذا ؛ خاصّة وأنّه قد وردت زيارات صحيحة السند عن المعصومين ( عليهم السلام ) تتحدث عن زيارة قبر فلان وفلان من شهداء كربلاء وتميزهم عن غيرهم ، فلو لم يكن التمييز ثابتاً وصحيحاً لهذه القبور لم يكن لهذه الزيارات من مورد في الخارج يكون العمل عليه .
وإلا فقد يطرح هذا السؤال نفسه في المقام ويقال : ما المسوغ أن يُفرد قبر لجسد الحسين ( عليه السلام ) وقبر لجسد علي الأكبر ( عليه السلام ) وقبر لجسد العباس ( عليه السلام ) وقبر لحبيب بن مظاهر الأسدي ( رضوان الله عليه ) بينما يدفن البقية في شقّ واحد طويل ؟!
فهذه الأسئلة وغيرها تكشف عن حقيقة واضحة بأنّ الذي حضر لدفن شهداء كربلاء وإمامهم الحسين ( عليه السلام ) مع بني أسد هو الإمام السجاد ( عليه السلام ) بقدرة إعجازية بما منّ الله عليه من ولاية تكوينية وحسب عقيدتنا الثابتة بأنّ المعصوم لا يلي أمره عند موته إلا المعصوم ، وهو الذي وزّع أماكن الدفن بالشكل الذي نراه عندنا اليوم .
ولا عجب أن يحضر الإمام السجاد ( عليه السلام ) دفن أبيه مع بني أسد في كربلاء مع أنّه كان مسجوناً عند ابن زياد في الكوفة ، فقد نقلت مصادر أهل السنّة حادثة أخرى عن الإمام السجاد ( عليه السلام ) وكيف أنّه قد افتقده سجانوه الموكلّين بحمله من المدينة إلى الشام بأمر من عبد الملك بن مروان ولم يجدوا سوى الحديد في موضعه وحضوره عند عبد الملك في الشام بشهادة عبد الملك نفسه .
فقد رووا عن ابن شهاب الزهري قال : شهدت علي بن الحسين يوم حمله عبد الملك بن مروان من المدينة إلى الشام ، فأثقله حديدا ووكل به حفاظا في عدة وجمع ، فاستأذنتهم في التسليم عليه والتوديع له ، فأذنوا لي ، فدخلت عليه ، وهو في قبة والأقياد في رجليه ، والغل في يديه ، فبكيت وقلت : وددت أني في مكانك وأنت سالم ، فقال لي : يا زهري ، أوتظن هذا مما ترى علي وفي عنقي مما يكربني ؟ أما لو شئت ما كان ، وأنه إن بلغ بك وبأمثالك غمر ليذكر عذاب الله ، ثمَّ أخرج يده من الغل ورجليه من القيد ، ثمَّ قال : يا زهري لا جزت معهم ذا منزلتين من المدينة ، قال : فما لبثنا إلا أربع ليال ، حتّى قدم الموكّلون به يطلبونه من المدينة ، فما وجدوه ، فكنت فيمن سألهم عنه ، فقال لي بعضهم : إنّا نراه متبوعا ، إنّه لنازل ونحن حوله ، لا ننام نرصده ، إذ أصبحنا فما وجدنا بين محمله إلا حديدة .
قال الزهري : فقدمت بعد ذلك على عبد الملك بن مروان ، فسألني عن علي بن الحسين ، فأخبرته ، فقال لي : إنّه جاءني في يوم فقده الأعوان ، فدخل عليَّ ، فقال : ما أنا وأنت ، فقلت : أقم عندي ، فقال : لا أحب ، ثمَّ خرج ، فوالله لقد امتلأ ثوبي منه خيفة ( تاريخ دمشق لابن عساكر الدمشقي41: 372 ، حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني 3: 135 ، مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي: 412 ، الصواعق المحرقة لابن حجر الهيتمي : 200).
ودمتم سالمين