تفاصيل المنشور
- السائل - عبد الكريم اليمني
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 1520 مشاهدة
تفاصيل المنشور
توجد روايةٌ عجيبة وغريبة، نطلب رأيَكم وتعليقكم عليها، فهناك من يعتقد بمضمونها، والرواية واردةٌ في كتاب صحيفة الأبرار لمحمد تقي بن محمد بن الحسين بن زيد العابدين، قال: ((عن عيون المعجزات على ما يظهر من بعض المواضع، عن أبي علي محمد بن همام، عن جعفر بن محمد بن مالك الفزاري، عن محمد بن صدقة، عن محمد بن سنان، عن المفضَّل بن عمر، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي خالد الكابلي، قال: قال الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليهم السلام) لما سألناه عن هذه الآية ﴿ولقد جعلنا في السماء بروجًا وزيناها للناظرين﴾ قال: إنّ قنبرًا مولى عليٍّ (عليه السلام) أتى منزله يسأل عنه، وخرجتْ إليه جاريةٌ يقال لها فضة، قال قنبر: فقلتُ لها: أين علي بن أبي طالب؟ وكانتْ جاريته، فقالتْ: في البروج، قال قنبر- وأنا لا أعرف لأمير المؤمنين ع بروجًا-: فقلت: وما يصنع في البروج؟ قالت: هو في البروج الأعلى يقسم الأرزاق، ويعيِّن الآجال، ويخلق الخلق، ويميت ويحيي، ويعز ويذل، قال قنبر: فقلت: والله لأخبرنّ مولاي أمير المؤمنين بما سمعتُ من هذه الكافرة، فبينا نحن كذلك إذ طلع أمير المؤمنين ع، وأنا متعجبٌ من مقالتها، فقال لي: يا قنبر، ما هذا الكلام الذي جرى بينك وبين فضة؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، إن فضة ذكرت كذا وكذا، وقد بقيت متعجبًا من قولها، فقال ع: يا قنبر، وأنكرت ذلك؟ قلت: يا مولاي، أشد الإنكار، قال: يا قنبر ادنُ مني، فدنوتُ منه، فتكلم بشيءٍ لم أفهمه، ثم مسح يده على عيني، فإذا السماوات وما فيهنّ بين يدي أمير المؤمنين ع كأنها فلكة أو جوزة؛ يلعب بها كيف ما شاء، وقال: والله إني قد رأيت خلقًا كثيرًا، يقبلون ويدبرون، ما علمت أن الله خلق ذلك الخلق كلهم، فقال لي: يا قنبر، قلت: نعم يا أمير المؤمنين، قال: هذه لأولنا، وهو يجري لآخرنا، ونحن خلقناهم، وخلقنا ما فيهما وما بينهما وما تحتهما، ثم مسح يده العليا على عيني، فغاب عني جميع ما كنت أراه حتى لم أرَ منه شيئًا، وعدتُ على ما كنت عليه من رأي البصر)).. [صحيفة الأبرار، محمد تقي الملقب بحجة الإسلام ج 2 ص 115-116]
السائل
عبد الكريم اليمني
توجد روايةٌ عجيبة وغريبة، نطلب رأيَكم وتعليقكم عليها، فهناك من يعتقد بمضمونها، والرواية واردةٌ في كتاب صحيفة الأبرار لمحمد تقي بن محمد بن الحسين بن زيد العابدين، قال: ((عن عيون المعجزات على ما يظهر من بعض المواضع، عن أبي علي محمد بن همام، عن جعفر بن محمد بن مالك الفزاري، عن محمد بن صدقة، عن محمد بن سنان، عن المفضَّل بن عمر، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي خالد الكابلي، قال: قال الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليهم السلام) لما سألناه عن هذه الآية ﴿ولقد جعلنا في السماء بروجًا وزيناها للناظرين﴾ قال: إنّ قنبرًا مولى عليٍّ (عليه السلام) أتى منزله يسأل عنه، وخرجتْ إليه جاريةٌ يقال لها فضة، قال قنبر: فقلتُ لها: أين علي بن أبي طالب؟ وكانتْ جاريته، فقالتْ: في البروج، قال قنبر- وأنا لا أعرف لأمير المؤمنين ع بروجًا-: فقلت: وما يصنع في البروج؟ قالت: هو في البروج الأعلى يقسم الأرزاق، ويعيِّن الآجال، ويخلق الخلق، ويميت ويحيي، ويعز ويذل، قال قنبر: فقلت: والله لأخبرنّ مولاي أمير المؤمنين بما سمعتُ من هذه الكافرة، فبينا نحن كذلك إذ طلع أمير المؤمنين ع، وأنا متعجبٌ من مقالتها، فقال لي: يا قنبر، ما هذا الكلام الذي جرى بينك وبين فضة؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، إن فضة ذكرت كذا وكذا، وقد بقيت متعجبًا من قولها، فقال ع: يا قنبر، وأنكرت ذلك؟ قلت: يا مولاي، أشد الإنكار، قال: يا قنبر ادنُ مني، فدنوتُ منه، فتكلم بشيءٍ لم أفهمه، ثم مسح يده على عيني، فإذا السماوات وما فيهنّ بين يدي أمير المؤمنين ع كأنها فلكة أو جوزة؛ يلعب بها كيف ما شاء، وقال: والله إني قد رأيت خلقًا كثيرًا، يقبلون ويدبرون، ما علمت أن الله خلق ذلك الخلق كلهم، فقال لي: يا قنبر، قلت: نعم يا أمير المؤمنين، قال: هذه لأولنا، وهو يجري لآخرنا، ونحن خلقناهم، وخلقنا ما فيهما وما بينهما وما تحتهما، ثم مسح يده العليا على عيني، فغاب عني جميع ما كنت أراه حتى لم أرَ منه شيئًا، وعدتُ على ما كنت عليه من رأي البصر)).. [صحيفة الأبرار، محمد تقي الملقب بحجة الإسلام ج 2 ص 115-116]
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..
إن الغلاة قد عمدوا في مدة من الزمن إلى وضع الروايات ضمن الأسانيد المعتبرة، وبثّها في المجتمعات الشيعية.. فلا يجوز التسامح في حقّ هذه الرواية وإن صحّت سندًا؛ لأن محتواها يُذعنُ بالغلوِّ، كما هو واضح.
فكتاب “صحيفة الأبرار في مناقب الأطهار” ليس من مصادر الشيعة الاثني عشرية، ولا مؤلفه منهم؛ إذ إن مؤلف الكتاب هو محمد تقي بن محمد بن الحسين بن زيد العابدين (تـ 1312هـ)، وهو من رجال الشيخية الغلاة، ينقل في كتابه المذكور عن والده تلميذ الأحسائي، وعن جملة من تلامذة كاظم الرشتي. وله مؤلفات عديدة. [يُنظر: معجم مؤرخي الشيعة – الإمامية، الزيدية، الإسماعيلية -، صائب عبد الحميد، ج١، ، ص٤٢].
والرواية التي ذكرها المامقاني، وعزاها لكتاب “عيون المعجزات”، لم ترد في غيره من المصادر الشيعية، هذا من جانب.
ومن جانبٍ آخر، فعلى فرض صحة سندها – ولا نسلِّم – إلا أنها ليست بحجةٍ، فصحة سند الرواية غير حجيتها، وعلاوة على ذلك فإن المسائل الاعتقادية أصولًا وفروعًا – كما هو معلوم – لا تثبت بخبر الآحاد، فيكون ما نقله المامقاني في كتابه صحيفة الأبرار هو مجردَ خبر آحاد، لا يعوَّل عليه في مسائل الاعتقاد، هذا غير سندِ الرواية المشتمل على بعض الرواة المتهمين بالكذب وآخرين بالغلوّ، كـ “جعفر بن محمد بن مالك الفزاري”، و”محمد بن صدقة”، و”محمد بن سنان”، و”المفضَّل بن عمر”.
فالأول: وهو “جعفر بن محمد بن مالك الفزاري”، اتهموه بالكذب على أئمة أهل البيت (عليهم السلام). [يُنظر: معجم رجال الحديث، للخوئي، ج٥، ص٨٧].
والثاني: وهو “محمد بن صدقة”، اتهموه بالغلوِّ. [يُنظر: المصدر السابق، ج١٧، ص١٩٩]، وهذا كافٍ في رد الرواية.
والثالث: وهو “محمد بن سنان”، اختلفوا في وثاقته وضعفه. [يُنظر: المصدر السابق، ج١٧، ص١٦١].
والرابع: وهو “المفضّل بن عمر”، اختلفوا – أيضًا – في وثاقته. [يُنظر: المصدر السابق، ج١٩، ص٣١٨].
وكيفما كان، فلا يصحّ التساهل في نقد الحديث، والاكتفاء بصحّة سنده، ناهيك عمّا إذا كان سنده ضعيفًا أيضًا، هذا في غير المسائل الاعتقادية؛ إذ فيها يشترط تواتر النص أو استفاضته إلى حد يورث العلم، فيحصل به الاطمئنان ورسوخ الفكرة في القلب والنفس. [يُنظر: أضواء على عقائد الشيعة الإمامية للسبحاني، ص596]؛ لأن العقيدة من سنخ العلم والكشف اليقيني للواقع، في حين أن خبر الواحد لا يشتمل على كاشفيةٍ ذاتية أو إنتاجٍ يقيني.
وقد أشار العلّامة الطباطبائي إلى أنّ الإنسان بفطرته السليمة يتبع في اعتقاده ما يراه حقًّا، ويجده واقعاً في الخارج، ويتبع في عمله ما يرى نفسه مصيبًا في تشخيصه، وذلك في ما تيسَّر له أن يحصل العلم به، وأما الذي يشكّ في وجوده فلا يستطيع أن يدّعي تحقّقه. وبذلك يكون التعبّد بالدليل الظني في مجال العقائد مخالفًا للفطرة البشرية. [يُنظر: الميزان في تفسير القرآن، ج13، ص92].
ومما يجدر الالتفات إليه هو أنّ مضمون الرواية مما له مساس خطير بعقيدة التوحيد؛ فلا يجوز أن يُعزى مثل ذلك إلى مولى الموحدين وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ولا إلى أحد من أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.