تفاصيل المنشور
- المستشكل - الشيخ فتحي رسلان
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 43 مشاهدة
تفاصيل المنشور
لماذا دائماً نجد مراجع الشيعة وكبار علمائهم من إيران وليس من العراق؟! ألا يدلكم هذا على ان أصل التشيع فارسي، وهو دخيل على الإسلام!!
المستشكل
الشيخ فتحي رسلان
لماذا دائماً نجد مراجع الشيعة وكبار علمائهم من إيران وليس من العراق؟! ألا يدلكم هذا على ان أصل التشيع فارسي، وهو دخيل على الإسلام!!
بسمه تعالى
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله.
هذه شبهة داحضة من وجوه، ونجيب عنها بالآتي:
أوّلاً: إنّ التشيع ولد من رحم الجزيرة العربية ونشأ وترعرع في مهد العرب وانتشر في جهات الدنيا الأربع، والفرس انما يشكلون جزءا من الشيعة كغيرهم من الهنود والترك والصينيين والافغان والأكراد وغيرهم، يقول ابن خلدون: ((اعلم أن مبدأ هذه الدولة – يعني دولة الشيعة – أن أهل البيت لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يرون أنهم أحق بالأمر، وأن الخلافة لرجالهم دون من سواهم)) (العبر: 3/107-171).
وقال محمد أمين في كتابه (فجر الإسلام ص298): ((والذي أرى – كما يدلنا التاريخ – أن التشيع لعلي بدأ قبل دخول الفرس في الإسلام)).
وجاء عن دائرة المعارف الإسلامية: ((إنّ أقدم الأئمة الكبار من الشيعة كانوا عرباً خلصاً)) (دائرة المعارف 14/66).
وإنّ أئمة الشيعة الاثني عشر ابتداءً من الإِمام عليٍّ (عليه السلام) حتى الإِمام الثاني عشر محمد بن الحسن (عليه السلام) هم سادة العرب ومن صميمهم، وبيت هاشم كما هو المعروف أشرف البيوتات العربية بلا منازع، يأتي بعد ذلك الرواد الأوائل من حملة علوم أهل البيت وبيوتات وأسر الشيعة الذين حملوا التشيع وبشروا به، فإنّهم من صميم العرب وذلك ابتداءً من أقطاب مدرسة الإِمام الصادق (عليه السلام)، مثل أبان بن تغلب بن رباح الكندي، وبيت آل أعين، وبيت آل حيان التغلبي، وآل عطية، وبني دراج وغيرهم. (راجع: طبقات ابن سعد ج6 تراجم من سكن الكوفة من التابعين).
ثم الطبقة التي تلي هؤلاء كالشيخ المفيد محمد بن النعمان، والشريف المرتضى علم الهدى عليّ بن أبي الحسين، والعلامة الحلي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهر، وعبد العزيز بن نحرير البراج وجمال الدين أحمد بن موسى بن طاووس واُسرة آل طاووس، ومحمد بن أحمد بن إدريس العجلي، ونجم الدين جعفر بن الحسن الهذلي المعروف بالمحقق وجمال الدين المقداد بن عبد الله السيوري، والشهيد الأول محمد بن مكي والشهيد الثاني زين الدين العاملي وغيرهم فإنّ كل هؤلاء من صميم العرب.
أما أصحاب الكتب الأربعة وهم كل من محمد بن يعقوب الكليني صاحب الكافي، ومحمد بن عليّ بن الحسين المعروف بابن بابويه القمي، صاحب من لا يحضره الفقيه، ومحمد بن الحسن بن علي الشيخ الطوسي صاحب التهذيب والإِستبصار، فإنّ هؤلاء لا يوجد نص على عدم عروبتهم ومن وجد دليلاً على أعجميتهم فليفدنا. (راجع: هوية التشيع ص89-90).
ثانياً: إنّ شعار الإسلام قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13]، والشيعة الامامية انما يتمسكون بكتاب الله جل وعلا وبسنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد روى أحمد بن حنبل في مسنده أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ((لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ إِلَّا بِالتَّقْوَى))، وعلّق الشيخ ناصر الدين الالباني – أحد كبار أئمة الوهابية – بعد أن ذكر الحديث الذي رواه أحمد بن حنبل، قائلاً: ((وإنْ كنتُ ألبانياً فإني مسلمٌ وللهِ الحمد)) [سلسلة الأحاديث الضعيفة، ج1، ص303].
ثالثاً: إنّ النبي (صلى اللّه عليه وآله وسلم) هو أول مَن أطلق هذا الاسم (الشيعة) وهو أول مؤسس لهذا الخط الرسالي، ويشهد لذلك التراث السني نفسه وسوف نستعرض قسم منه فيما يلي:
1 – قال (السيوطي) في (الدر المنثور) في تفسير قوله تعالى: (أُولئكَ هُم خَيرُ البريَّةِ): ((أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال: كنّا عند النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم، فأقبل علي، فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم: والذي نفسي بيده إنَّ هذا وشيعته لهم الفائزونَ يوم القيامة، قال: وأخرج ابن مردويه عن علي قال: قال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: ألم تسمع قول اللّه {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئكَ هُم خَيرُ البَريَّة}.أنتَ وشيعتُكَ، وموعدي وموعدكم الحوض، إذا جاءت الامم للحساب تدعون غرّاً محجلين)).[الدر المنثور، ج8: 589 ].
2 – ونقل (ابن الاثير) في (النهاية) ما نصه: «وفي حديث علي عليه السلام: ستقدم على اللّه أنتَ وشيعتُكَ راضين مرضيين، ويقوم عليك عدوّك غضاباً مقمحين، ثم جمع يده الى عنقه، يريهم كيف الاقماح». ثم فسَّر (ابن الاثير) الاقماح في الحديث برفع الرأس وغض البصر، يُقال أقمحه الغل إذا تركَ رأسه مرفوعاً من ضيقه)). [النهاية في غريب الحديث والأثر، ج4: 106].
4 – وقال (ابن حجر): الآية الحادية عشر قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلوا الصّالِحاتِ أُولئكَ هُم خَيرُ البَرِيَّة). «أخرج الحافظ جمال الدين الزرندي عن ابن عباس، انَّ هذه الآية لمّا نزلت قال صلى اللّه عليه وآله وسلم لعلي: «هو أنتَ وشيعتُكَ تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين، ويأتي عدوك غضاباً مقمحين)). وعن ام سلمة قالت: ((كانت ليلتي، وكان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عندي، فأتته فاطمة، فتبعها علي – رضي اللّه عنهما – فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم: يا علي أنتَ وأصحابك في الجنة، أنت وشيعتُكَ في الجنّة)). [الصواعق المحرقة، ج2: 468].
وقال صلى اللّه عليه وآله وسلم: ((يا علي أول أربعة يدخلون الجنة أنا وانت والحسن والحسين وذريتنا خلف ظهورنا، وأزواجنا خلف ذريتنا، وشيعتنا عن أيماننا وشمائلنا)). [نفس المصدر، ج2: 466].
5 – وروى (الزمخشري) في (ربيع الأبرار) انَّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: ((يا علي إذا كان يوم القيامة أخذتُ بحجزة اللّه تعالى، وأخذت أنت بحجزتي، وأخذ ولدك بحجزتك، وأخذ شيعة ولدك بحجزهم، فترى أين يأمر بنا)). [ربيع الأبرار ونصوص الأخيار، ج2: 159].
6 – أخرج (ابن عساكر) عن جابر بن عبد اللّه قال: «كنّا عند النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فأقبل علي، فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم: والذي نفسي بيده إنَّ هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة، ونزلت: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِكَ هُم خَيرُ الَبرَّيةِ)، فكان أصحاب النبي إذا أقبل علي قالوا: جاءَ خيرُ البرّية)). [تاريخ دمشق، ج42: 371].
رابعاً: اثبات صحة العكس، فالتسنن شمل بلاد فارس من القرن الأول وحتى العاشر، ولم يتشيعوا الا بعد قيام الدولة الصفوية، ويقول ابن خلدون في تاريخه: ((الفصل الثالث والأربعون في أن حملة العلم في الإسلام أكثرهم العجم من الغريب الواقع أنّ حملة العلم في الملّة الإسلاميّة أكثرهم العجم لا من العلوم الشّرعيّة ولا من العلوم العقليّة إلّا في القليل النّادر. وإن كان منهم العربيّ في نسبته فهو أعجميّ في لغته ومرباه ومشيخته مع أنّ الملّة عربيّة وصاحب شريعتها عربيّ)) [تاريخ ابن خلدون ج1 ص747]. وقال في ص 748 من نفس الجزء: ((وكذا حملة الحديث الّذين حفظوه عن أهل الإسلام أكثرهم عجم أو مستعجمون باللّغة والمربى لاتّساع الفنّ بالعراق. وكان علماء أصول الفقه كلّهم عجما كما يعرف وكذا حملة علم الكلام وكذا أكثر المفسّرين. ولم يقم بحفظ العلم وتدوينه إلّا الأعاجم))، وقال في ص749 من نفس الجزء: ((وأمّا العلوم العقليّة أيضا فلم تظهر في الملّة إلّا بعد أن تميّز حملة العلم ومؤلّفوه. واستقرّ العلم كلّه صناعة فاختصّت بالعجم وتركتها العرب)).
وقد روى الحاكم في معرفة علوم الحديث [ص 198]، وابن عساكر في تاريخ دمشق [ج40 ص 393 وج 56 ص 305]، وابن الصلاح في المقدّمة [ص 244]، والمزّي في تهذيب الكمال [ج 13 ص 51 ـ 52]، والذهبي فى سير أعلام النبلاء [ج 5 ص 85]، والدميري في حياة الحيوان [ج 2 ص 89]، بالإسناد عن الزهري ـ واللفظ للأوّل ـ قال: ((قدمت على عبد الملك بن مروان، فقال لي: من أين قدمت يا زهري؟ قلت: من مكّة. قال: فمن خلّفت يسود أهلها؟ قال: قلت: عطاء بن أبي رباح. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت: من الموالي. قال: وبم سادهم؟ قال: قلت: بالديانة والرواية. ثمّ سأله عن أهل اليمن. فقال: طاووس بن كيسان. وأهل مصر. فقال: يزيد بن أبي حبيب. وأهل الشام. فقال: مكحول. وأهل الجزيرة. فقال: ميمون بن مهران. وأهل خراسان. فقال: الضحّاك بن مزاحم. وأهل البصرة. فقال: الحسن بن أبي الحسن البصري ـ وكلّهم من الموالي ـ إلى أن قال: ويلك فمن يسود أهل الكوفة؟ قال: قلت: إبراهيم النخعي. قال: فمن العرب أم من الموالي؟ قال: قلت: من العرب. قال: ويلك يا زهري فرّجت عنّي، والله ليسودنّ الموالي على العرب حتّى يخطب لها على المنابر والعرب تحتها)).
والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.