تفاصيل المنشور
- المستشكل - جاد الحق أبو عمر
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 8 مشاهدة
تفاصيل المنشور
غاية الله من إرسال الأنبياء عليهم السلام هو هداية النّاس وتعليمهم، وغَيبة مهدي الشيعة مناقضةٌ للغاية من تنصيبه إمامًا للناس!!
المستشكل
جاد الحق أبو عمر
غاية الله من إرسال الأنبياء عليهم السلام هو هداية النّاس وتعليمهم، وغَيبة مهدي الشيعة مناقضةٌ للغاية من تنصيبه إمامًا للناس!!
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..
إنَّ غَيبة الإمام المهدي (عليه السلام) ليست بِدعًا من غَيبات أنبياء الله وأوليائه، فها هو نبيّ الله موسى (عليه السلام) يغيبُ عن قومه أربعين ليلة ثمّ يعود إليهم، قال سبحانه وتعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ۚ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} [الأعراف:142].
وها هو نبيّ الله يونس (عليه السلام) يغيبُ عن قومه ثمّ يعود إليهم.. قال سبحانه وتعالى: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87].
فهؤلاء كانوا في مقام النّبوة، وغابوا عن قومهم، فأيّ ضير أن يغيبَ الإمام المهديّ (عليه السلام) عن قومه أَيضاً، وهو في مقام الإمامة؟!
وقد تعترض، وتقول: إنّ غياب المهدي مخالفٌ لِلّطف، فالنّاس بحاجةٍ إليه، وأنتم تقولون بأنّ الإمامةَ لطف؟!
الجواب: وكذلك النّبوّة هي لطفٌ أيضًا، ومع ذلك حصلتْ هذه الغَيبات من هؤلاء الأنبياء عن قومهم، بل حصلَتْ عند غياب بعضهم ـ كموسى (عليه السلام) ـ أمورٌ خطيرةٌ جدًّا، وهي عبادة النّاس العجل، قال سبحانه وتعالى: {وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ} [البقرة:51]. وهنا نسأل: هل كان الله سبحانه وتعالى يعلم ـ حين استدعى نبيّه موسى (عليه السلام) للمناجاة وغيّبهُ عن قومه ـ أنّهم سيعبدون العجلَ من بعده أَو لا؟!
إن قلتم: لا يعلم فقد كفرتم، وإن قلتم: هو يعلم فهذا معناهُ أنه لا توجد منافاةٌ بين اللطف وغَيبة النبيّ أَو الإمام عن قومه!
فإنْ قلتم: إنّ موسى (عليه السلام) قد خلَّفَ على قومه أخاهُ هارون، ولم يتركهم هملًا!
قلنا: كذلك إمامنا المهديّ (عليه السلام) قد خلّفَ سفراءهُ الخاصّين به في فترةِ غيبتهِ الصّغرى، ثمّ خلّفَ سفراءهُ العامّين، وهم الفقهاء العدول في فترة غَيبته الكبرى، ولم يترك أمرَ الأمّة هملًا من بعده.. فاللطف من هذه النّاحية لم ينقطع تمامًا.
قال الشيخ الحرّ العاملي في كتابه “هداية الأمّة”: ((أمّا سفراء المهديّ عليه السلام فقد قال الشيخ في كتاب الغيبة: أمّا السفراء الممدوحون في زمان الغيبة فأوّلهم من نصبه أبو الحسن عليّ بن محمّد العسكريّ، وأبو محمّد الحسن بن عليّ ابنه عليهم السلام، وهو الشيخ الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعيد العمريّ، وكان أسديًّا، ويقال له: السمّان؛ لأنّه كان يتّجر في السمن تغطية على الأمر، ثمّ روى الشيخ عن الثقات عن عليّ بن محمّد عليهما السلام أنّه قيل له: قولَ من نقبل، وأمرَ من نمتثل؟ فقال: هذا أبو عمرو الثقة الأمين، ما قاله لكم، فعنّي يقوله، وما أدّاه إليكم، فعنّي يؤدّيه، وعن الحسن بن عليّ عليهما السلام أنّه قيل له مثل ذلك، فقال: هذا أبو عمرو الثقة الأمين، ثقة الماضي وثقتي في المحيى والممات، فما قاله لكم، فعنّي يقوله، وما رواه لكم فعنّي يؤدّيه، وعن أبي محمّد عليه السلام، قال لجماعة: اشهدوا أنّ عثمان بن سعيد العمريّ وكيلي، وأنّ ابنه محمّدًا وكيل ابني مهديّكم، وعنه عليه السلام أنّه قال للشيعة، وعثمان بن سعيد حاضر، وقد أراهم ابنه عليهما السلام: هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم، ألا وإنّكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتّى يتمّ له عمر، فاقبلوا من عثمان ما يقوله، وانتهوا إلى أمره، فاقبلوا أمره، فهو خليفة إمامكم، والأمر إليه، فلمّا مضى الحسن عليه السلام كانت توقيعات صاحب الأمر عليه السلام تخرج على يدي عثمان بن سعيد وابنه محمّد بن عثمان إلى شيعته بالخطَّ الذي كانت تخرج في حياة الحسن عليه السلام، فلم تزل الشيعة مقيمة على عدالتهما إلى أن توفّي عثمان بن سعيد، وتولَّى ابنه أبو جعفر محمّد، والشيعة مجتمعة على عدالته وثقته لما تقدّم له من النصّ عليه، فقام أبو جعفر مقام أبيه بنصّ أبي محمّد عليه السلام عليه، ونصّ أبيه عليه بأمر القائم عليه السلام، وعن الثقات عن الحسن بن عليّ عليهما السلام أنّه قال: العمريّ وابنه ثقتان، فما أدّيا لك، فعنّي يؤدّيان، وما قالا لك، فعنّي يقولان، فاسمع لهما، وأطع، فإنّهما الثقتان المأمونان، وعن الثقات، قال: لمّا مات أبو عمرو أتتنا الكتب بالخطَّ الذي كنّا نكاتب به بإقامة أبي جعفر رضي الله عنه مقامه وغير ذلك من الأخبار، وبالجملة كان لا يُختلف في عدالته، والتوقيعات تخرج على يده إلى الشيعة في المهمّات، لا تعرف الشيعة غيره، ولا ترجع إلى سواه، وقد نقلت عنه دلائل كثيرة ومعجزات للإمام، ظهرت على يده وأمور أخبرهم بها عنه، زادتهم بصيرة، وهي مشهورة)) [هداية الأمّة، ج8، ص559].
فإن قلتم: إنّ غيبة المهدي قد طالَ أمدُها، خلافَ غَيبات أنبياء الله الوارد ذكرُهم، فقد كانت مدّتها قصيرة؟!
قلنا: طولُ غَيبته (عليه السلام) مشكلتها ليستْ عند الإمام المهدي، بل مشكلتها عند الأمّة نفسها، فمتى ما كانت الأمّةُ مؤهّلةً لأن يحكمَها إمامٌ من أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) سيخرجُ هذا الإمام إليها، ويجعلُ دنياها في أبهى صورها.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.