مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

عناية النبي بعليٍّ كان بأمرٍ من الله ووحيه

تفاصيل المنشور

الاشكال

علي بن أبي طالب هو رجلٌ من المسلمين، ولولا قرابته للنبي محمد، لما كان له مكانةٌ مرموقة.

المستشكل

مروان حمد

تفاصيل المنشور

الاشكال

علي بن أبي طالب هو رجلٌ من المسلمين، ولولا قرابته للنبي محمد، لما كان له مكانةٌ مرموقة.

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..
هذه شبهةٌ تستند إلى مغالطةٍ واضحة، حيث يُقدِّم المستشكل قرابة عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على أنها سببٌ وحيد للمكانة المرموقة التي حظي بها. على رغم أن التاريخ الإسلامي يشهد بأنّ هناك أسبابًا أخرى كثيرة لمكانته المرموقة في الإسلام.
ونوع المغالطة في هذه الشبهة يمكن أن يُصنَّف تحت مغالطة “السبب الواحد”. في هذا النوع من المغالطة، يُقدَّمُ سببٌ واحد فقط تفسيرًا لحالة معينة، بينما يتجاهل أو يستثني العوامل والأسباب الأخرى المحتملة التي قد تؤثر في النتيجة. ففي هذه الحالة، يتم يُشدَّد على قرابة علي بن أبي طالب (عليه السلام) لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على أنها السبب الوحيد لمكانته المرموقة، دون الإشارة إلى العوامل الأخرى التي أسهمت في مكانته.
إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يُولي عنايةً كبيرة لأمر علي (عليه السلام)، وكان ‏يرفع من شأنه، ويُعزِّز مكانته، ويذكر اسمه في كل موطن تسنّى له، من بداية بعثته ‏وصولًا إلى نهاية عمره (صلى الله عليه وآله وسلم). وكانت هذه العناية ليست بناءً على رغبة ‏النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه، ولا كان نتيجة تحيُّزه لابن عمه، كما ادعى المنافقون ‏الذين كانوا يحملون في قلوبهم البغض والحقد تجاه الوصيِّ (عليه السلام) والنبي (صلى الله ‏عليه وآله وسلم)، عندما نزلت آية المودة، كما في تفسير “روح المعاني” للآلوسي، إذ يقول في سياق تفسيره لهذه الآية: ((فقال المنافقون: إن هذا ‏لشيء ‌افتراه ‌في ‌مجلسه، أراد بذل عزِّ قرابته من بعده، ‏فنزلت {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى الله كَذِبًا})) ‏‏[روح المعاني، ج13، ص38].
ولكنّ الحقيقة هي ‏أنّ هذه العناية والتنويه كانا بأمرٍ من الله ووحيه، كما يؤكد القرآن هذه الحقيقة في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَالله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67]، فكان النبي ‏‏(صلى الله عليه وآله وسلم) ينقل، ويبلِّغ ما أمره به الله تعالى، ومن الشواهد الواضحة والدلائل الساطعة على هذا المعنى حديثُ سدِّ الأبواب إلا باب علي (عليه السلام)، لما أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بسدِّ الأبواب التي في المسجد، واستثنى باب علي (عليه السلام) فتكلم الناس في ذلك، ومنهم حمزة بن عبد المطلب حيث جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال له: “أخرجت عمك، وأسكنت ابن عمك”، فأجاب الناس، وأجابه: والله ما أنا سددتُ شيئًا، ولا فتحتُه، وما أخرجتُك، ولا اسكنته، ولكن الله أمر بذلك، وأسكنه.
قال ابن حجر في الفتح: «حديث سعد بن أبي وقاص، قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏بسدِّ ‏الأبواب الشارعة في المسجد ‌وترْكِ ‌باب ‌عليٍّ. أخرجه أحمد والنسائي، وإسناده قوي. وفي ‏رواية ‏للطبراني في الأوسط، رجالُها ثقات من الزيادة، فقالوا: يا رسول الله، سددتَ أبوابنا، فقال: ما ‏أنا سددتها، ‏ولكنّ الله سدّها. وعن زيد بن أرقم، قال: كان لنفرٍ من الصحابة أبوابٌ شارعة في ‏المسجد، فقال رسول ‏الله صلى الله عليه وسلم: سُدوا هذه الأبواب إلا باب علي، فتكلم ناسٌ في ذلك، ‏فقال رسول الله صلى ‏الله عليه وسلم: إني ـ والله ـ ما سددت شيئًا، ولا فتحته، ولكنْ أُمرتُ بشيءٍ، ‏فاتبعتُه. أخرجه أحمد والنسائي ‏والحاكم، ورجاله ثقات »[فتح الباري لابن حجر 7/ 14:]‏
ونقل السمهودي في “وفاء الوفا” عن عبد الله بن مسلم الهلالي عن أبيه عن أخيه، قال: ((لما ‏أَمر ‏بسدّ أبوابهم التي في المسجد خرج حمزة بن عبد المطلب، يجرّ قطيفة له حمراء، وعيناه ‏تذرفان، ‏يبكي، يقول : يا رسول الله، أخرجتَ عمّك، واسكنتَ ابن عمّك ! فقال : ما أنا أخرجتُك، ولا ‏أسكنتُه، ‏ولكنّ الله أسكنه)) [وفاء الوفا، ج2، ص65].‏
وقال السمهودي في الوفا: ((وروى أحمد بإسنادٍ حسنٍ عن سعد بن مالك، قال: أمر رسول الله ‏صلى ‏الله عليه وسلم بسدِّ الأبواب الشارعة في المسجد وترْكِ باب علي رضي الله عنه، ورواه ‏أبو يعلى ‏والبزار والطبراني في الأوسط، وزاد: قالوا: يا رسول الله، سددتَ أبوابنا كلها إلا باب ‏علي، قال: ما ‏أنا سددتُ أبوابكم، ولكنّ الله سدها)). [وفاء الوفا، ج2، ص68]، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: ((اسناد أحمد حسن)) [مجمع الزوائد، ج9، ص114].
فقرابة عليٍّ (عليه السلام) من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بما هي قرابة لا تُعدّ علةً تامة ‏لمكانته ‏المرموقة في الإسلام، فابن عبّاس له من قرابة النبيّ ‏(صلى الله عليه وآله ‏وسلم)‏ مثل ما لعليٍّ (عليه السلام)، فكلاهما ابن عمّه (صلى الله عليه وآله ‏وسلم)، ويساويهما في هذه القرابة كلّ أولاد أبي طالب وأولاد العبّاس وأولاد أبي لهب!! فلو كانت القرابة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وحدَها هي السبب الأساس في احتلال مكانةٍ مرموقة في الإسلام، لكنّا رأينا العباس بن عبد المطلب، وهو عم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، يحظى بالمكانة نفسها المرموقة التي حظي بها عليّ بن أبي طالب (عليه السلام). وكذلك، عبيد الله بن عباس، ابن عمه، ولحظي بها غيرهما من قرابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل ثبتَ بما لا يقبل الشكّ أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أخرج آل عقيل وآل جعفر وآل عباس وغيرهم من عنوان آل البيت، إلا عليًّا وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، وذلك لمّا حدّد المراد من أهل بيته عند نزول قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب:33]، حيث جلّل عليًّا وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) بكساءٍ له (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقال: ((اللهم هؤلاء أهلُ بيتي))، فدلّ على أنه ليس هناك أحدٌ غيرهم يشمله وصفُ أهل البيت النبوي.
فقد روى أحمد في مسنده وغيره بأسانيدَ ثلاثةٍ، شهِد الشيخ شعيب الأرناؤوط بصحتها. [ينظر: مسند أحمد، ج44، ص119]، أنه عند نزول هذه الآية المباركة جلّل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عليًّا وفاطمة والحسن والحسين بكساءٍ له، وقال: “اللهم هؤلاء أهل بيتي”. وقال ابن تيمية في منهاج السُّنة: ((وأما حديث الكساء فهو صحيحٌ، رواه أحمد والترمذي من حديثِ أم سلمة، ورواه مسلم في صحيحه من حديث عائشة. قالت: «خرج النبي – صلى الله عليه وسلم – ذات غداةٍ، وعليه مرطٌ مرحَّلٌ من شعرٍ أسود، فجاء الحسن بن علي، فأدخله، ثم جاء الحسين، فأدخله معه، ثم جاءت فاطمةُ، فأدخلها، ثم جاء علي، فأدخله، ثم قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}»)) ‏[منهاج السنة، ج 5، ص 13]‏.
وقال الشوكاني في “إرشاد الفحول”: ((قد ورد بالدليل الصحيح أنها نزلتْ في عليٍّ وفاطمة والحسنين)) [إرشاد الفحول، ج1، ص222].
هذا، وعندما نقرأ في بعض الروايات السنّية نجد أن ابن عمر يعدِّد خصال علي (عليه السلام)، ويتمنى أن تكون له واحدة منها، على رغم علمه بقرابة علي (عليه السلام) من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث كان يقول: ((ولقد أوتي ابن أبى طالب ثلاث خصال، لأنْ تكون لي واحدةٌ منهن أحب إلي من حُمر النعم، زوّجه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ابنته، وولدت له، وسد الأبواب إلا بابه في المسجد، وأعطاه الراية يوم خيبر)) وقال محقق المسند: إسناده صحيح. [مسند أحمد، ج4، ص403، تـ. أحمد شاكر].
ونقرأ في رواية أخرى أن سعد بن أبي وقاص – أيضًا – على رغم علمه بقرابة علي (عليه السلام) من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)‏ ـــ فإنه كان يذكر أنه سمع من رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاث خصال في علي (عليه السلام)، وتمنى أن تكون له واحدة منها، حيث كان يقول: ((سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: “في عليٍّ ثلاث خصال”، [يقول سعد] لأنْ يكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليَّ من حمر النعم، سمعته يقول: «إنّه منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي…)) [صحيح مسلم، ج4، ص1871، ح2404].
وفي رواية ثالثة نقرأ أن ابن عبّاس الذي له من قرابة النبيّ مثل ما لعليٍ عليه السلام؛ فكلاهما ابن عمّه صلى الله عليه وآله وسلم، كان يذكر لعليٍّ عشر خصالٍ، ليست لأحدٍ من الناس. [مسند أحمد، ج1، ص331، المستدرك على الصحيحين، ج3، ص132ـ133].
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.