تفاصيل المنشور
- المستشكل - عبد الله الراشد
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 48 مشاهدة
تفاصيل المنشور
الرافضي لو استخدم عقله يستحي أن يثير هذه الشبهة بأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم طلب كتفًا ودواة ليكتب كتابًا وأنّ عمر منَعه، عمر لم يمنع الرسول من كتابة الوصيّة، بل قال ((حسبُنا كتاب الله)) بعدها الرسول ماذا فعل؟ قال للصحابة: اخرجوا من عندي، خلاص عمر أجابكم، تمسّكوا بكتاب الله، فلن تضلّوا بعده أبدًا .. تمسّك يا رافضيّ بكتاب الله، ستجد النور، واترك الشبهات السخيفة، الرسول صلى الله عليه وسلم وافق عمر، ولو كان خالفه لكتب الوصية.
المستشكل
عبد الله الراشد
الرافضي لو استخدم عقله يستحي أن يثير هذه الشبهة بأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم طلب كتفًا ودواة ليكتب كتابًا وأنّ عمر منَعه، عمر لم يمنع الرسول من كتابة الوصيّة، بل قال ((حسبُنا كتاب الله)) بعدها الرسول ماذا فعل؟ قال للصحابة: اخرجوا من عندي، خلاص عمر أجابكم، تمسّكوا بكتاب الله، فلن تضلّوا بعده أبدًا .. تمسّك يا رافضيّ بكتاب الله، ستجد النور، واترك الشبهات السخيفة، الرسول صلى الله عليه وسلم وافق عمر، ولو كان خالفه لكتب الوصية.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..
نأسف كثيرًا لمن يقرأ النصوص، ويحاول أنْ يحرفها عن حقيقتها بشتى الوسائل انقيادًا لأهوائه وتبريرًا لأفعال رموزه الذين أُشرب حبَّهم، فشمسُ الحقيقة لا يمكن تغطيتها بغربال الدعاوى والتحريف، فما زال التأريخ يتصدّع من تلك الفاجعة التي حرَمت الأمّة من خير رسول الله ’، حين وقف بعض الصحابة، يقودهم عمر الخطاب بوجه رسول الله ’ ليمنعوه من كتابة كتابه الذي أنبأهم عنه بأنّه لو كتبه لهم لن يضلّوا بعده أبدًا .. لكنْ بماذا واجهه عمر وبعضُ الصحابة؟!
قالوا له: إنك تهجر يا رسول الله .. أي تهذي، وتخرِّف، ولا تعرف ماذا تريد أنْ تقول، ومنعوا من تقديم الكتف والدواة للنبيّ ’ ليكتب هذا الكتاب. وهو مما اعترف به ابن تيمية صراحةً، حين قال في ” منهاج السنّة النبوية ” الجزء السادس الصفحة 315: > فلما كان يوم الخميس همّ أن يكتب كتابًا ، فقال عمر : ” ما له؟ أ هجَر؟” فشكّ عمر هل هذا القول من هجْر الحُمَّى ، أو هو ممّا يقول على عادته؟ فخاف عمر أن يكون من هجْر الحُمَّى … ثمّ قال بعضهم : هاتوا كتابًا. وقال بعضهم : لا تأتوا بكتاب . فرأى النبي (ص) أنّ الكتاب في هذا الوقت لم يبقَ فيه فائدة؛ لأنّهم يشكون: هل أملاه مع تغيّره بالمرض أو مع سلامته من ذلك؟ فلا يرفع النزاع ، فتركه <. انتهى.
وباعتراف ابن تيمية أنَّ قائل تلك الفاجعة ( هجَر رسول الله ) هو عمر بن الخطاب، ونحن نعرف الأشخاص الذين تصدّوا لمنع رسول الله ’ من كتابة كتابه الذي أراد ، كما في هذا النص الذي جاء في البخاري : > اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه يوم الخميس، فقال: ائتوني بكتابٍ اكتبْ لكم كتابًا، لن تضلّوا بعده أبدًا، فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبيّ تنازع، فقالوا: هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: دعوني، فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه < .(صحيح البخاري 4: 31 باب هل يستشفع إلى أهل الذمة ومعاملتهم).
ولا نريد أن نعلّق هنا كثيرًا حول منافاة كلمة (هجر ) للعصمة الثابتة للنبيّ ’ بإجماع المسلمين ، فقد قال أهل اللغة في تفسير الكلمة المتقدّمة: إنّ معنى قوله هجر: هذى.. قال الجوهري في كتاب الصحاح في اللغة في باب الراء، فصل الهاء، الهجر: الهذَيان، وقال: أ لم ترَ إلى المريض إذا هجر قال غير الحقّ.( الصحاح 2: 851).
وهذا المعنى – أي: الهذيان وقول غير الحقّ – منفيّ عن رسول الله’ بدليل قوله تعالى في سورة النجم: { مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى … إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى}. ( سورة النجم، الآيات 2 ـ 5).
وأيضاً جاء في الحديث الصحيح ـــ فيما رواه أهل السنّة أنفسهم ـــ أنّ عبد الله بن عمرو بن العاص كان يكتب كلّ ما يسمعه من رسول الله’ فنهتْه قريش عن ذلك، وقالوا له: إنّك تكتب كلّ شيء تسمعه من رسول الله’، ورسول الله بشَرٌ يتكلّم في الرضا والغضب، فذَكر ذلك لرسول الله’ فقال له: ( اكتب فو الّذي بعثني بالحقّ ما يخرج منه إلّا الحقّ ) وأشار إلى لسانه.( مسند أحمد 2: 162، سنن أبي داود 2: 176، سنن الدارمي 1: 125، المستدرك على الصحيحين 1: 186 صححه الحاكم، ووافقه الذهبي، تفسير ابن كثير 4: 264، فتح الباري 1: 185).
وكلامه ’ هنا عامّ ومطلق، وهو لا يبقي لأهل التأويل أيّ شيءٍ يمكنهم الاستناد إليه في تمرير العثرة المتقدّمة!
بل ورد عنه ’ أنّه حتّى في حالات الممازحة والمداعبة لا يقول إلّا حقًّا، فقد قال له بعض أصحابه يومًا، وكان يداعبهم: فإنّك تداعبنا يا رسول الله؟ قال’: (إنّي لا أقول إلّا حقًّا) ( سنن الترمذي 3: 241 وحسّنه، مجمع الزوائد 9: 17 قال: رواه الطبراني في الأوسط، وإسناده حسن، الأدب المفرد: 66)، وهذا الحديث كسابقه في الدلالة على أنّ النبيّ المعصوم (عليه الصلاة والسلام) لا يعتريه ما يعتري بقية الناس من حالة الاضطراب في الكلام، أو يكون ضحية لمزاجه أو هواه في حالات معيَّنة كحالة الغضب والممازحة أو حالات الوجع والمرض، مع أنّ حالات الغضب والممازحة هي أشدّ من غيرها في تحقيق الاضطراب عند المتكلّم منه في حالة المرض، ومع هذا فقد أخبر النبيّ’ أنّه حتّى في هذه الحالات لا يقول إلّا حقًّا.
قال المباركفوري في شرحه للحديث: >(لا أقول إلّا حقًّا ) أي: عدلًا وصدقًا؛ لعصمتي من الزلل في القول والفعل، ولا كلّ أحد منكم قادر على هذا الحصر لعدم العصمة فيكم<.( تحفة الأحوذي في شرح الترمذي 6: 108).
وجاء في ” عمدة القاري ” للعيني : > وقال عياض: معنى “هجَر” أفحش، ويقال: هجر الرجل، إذا هذى، وأهجر إذا أفحش. قلت: نسبة مثل هذا إلى النبيّ لا يجوز؛ لأن وقوع مثل هذا الفعل عنه مستحيل؛ لأنه معصوم في كل حالة، في صحته ومرضه؛ لقوله تعالى { وما ينطق عن الهوى } ولقوله ( إني لا أقول في الغضب والرضا إلّا حقًّا ) وقد تكلّموا في هذا الموضع كثيرًا، وأكثره لا يجدي، والذي ينبغي أن يقال: إنّ الذين قالوا ما شأنه أهجر أو هجر بالهمزة وبدونها هم الذين كانوا قريبي العهد بالإسلام، ولم يكونوا عالمين بأنَّ هذا القول لا يليق أن يقال في حقّه<. ( عمدة القاري 18 : 62) .. إلّا أنّه مع تصريح ابن تيمية وغيره – كابن الأثير في النهاية وابن الجوزي في تذكرة الخواص وغيرهم – بأنَّ قائل كلمة ( هجر ) هو عمر بن الخطاب ينتفي هذا الاحتمال بأنّ قائليها هم حديثو عهد بالإسلام .
والآن لندع هذا كلّه، ونذهب إلى علماء أهل السنّة أنفسهم، ونرى أقوالهم في تصرّف عمر هذا ومنعه لرسول الله ’ من كتابة كتابه الذي أراد، هل كان صوابًا منه أو خطأً ؟!
قال ابن حزم في كتابه ” الإحكام ” : > عن ابن عباس ، فذكر الحديث، وفيه : أنَّ قومًا قالوا عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم ، ما شأنه ؟ هجر؟ .
قال أبو محمّد : هذه زلّة العالم التي حذر منها الناس قديمًا ، وقد كان في سابق علم الله تعالى أن يكون بيننا الاختلاف ، وتضلّ طائفة، وتهتدي بهدى الله أخرى . فلذلك نطق عمر ومن وافقه بما نطقوا به ، ممّا كان سببًا إلى حرمان الخير بالكتاب الذي لو كتبه لم يضلّ بعده ، ولم يزل أمر هذا الحديث مهمًّا لنا وشجى في نفوسنا ، وغصة نألم لها <. ( الإحكام في أصول الأحكام 7: 985)
وقال في الجزء الثامن من الكتاب نفسه : > ولقد وهل عمر وكلّ من ساعده على ذلك ، وكان ذلك القول منهم خطأ عظيمًا …وإن كانوا قد عوقبوا على ذلك بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بالخروج عنه ، وإنكاره عليهم التنازع بحضرته <.( الإحكام 8: ).
وجاء عن ابن حجر في ” فتح الباري ” في سياق كلامه عن رزية يوم الخميس : > قوله في الرواية الثانية : ” فاختصموا، فمنهم من يقول: قربوا يكتبْ لكم ” ما يشعر بأن بعضهم كان مصممًا على الامتثال والرد على من امتنع منهم ، ولما وقع منهم الاختلاف ارتفعت البركة كما جرت العادة بذلك عند وقوع التنازع والتشاجر < . انتهى ( فتح الباري 8 : 101).
فهذا الموقف من عمر بن الخطاب ومن كان معه في منع رسول الله ’ من كتابة كتابه الذي أراد هو السبب في منع البركة عن هذه الأمّة ، فقد أراد النبيّ ’ أن ينصّ على الخليفة من بعده ليقطع دابر النزاع في موضوع الخلافة بشهادة كثيرٍ من علماء أهل السُّنّة الذين تعرضوا لشرح هذه الواقعة :
ففي شرح البخاري للكرماني :
>أحدهما : أنّه أراد أن يكتب اسم الخليفة بعده لئلا يختلف الناس ، وثانيهما أن لا يتنازعوا، فيؤدي ذلك الى الضلال <.
وعن القسطلاني في “إرشاد الساري” :
> – كتابًا – فيه النص على الأئمة بعدي <
وفي شرح مسلم للنووي :
> اختلف العلماء في الكتاب الذي همَّ النبيّ (ص) لكتابته، فقيل: أراد أن ينص على الخلافة في إنسان معين لئلا يقع نزاعٌ وفتن<.انتهى.
وقال الخفاجي في “شرح الشفا للقاضي عياض”:
> فإن قلت: فقد تقررت عصمته في أقواله، فما معنى الحديث في وصيته؟ قال سفيان: أراد أن يبيّن أمر (الخلافة) بعده حتّى لا يختلفوا فيها<. انتهى.
وعن الشيخ الدهلوي في “شرح المشكاة” :
> قيل: أراد النبيّ (ص) أن يكتب تعيين واحد من الصحابة للخلافة؛ لئلا يقع بعده نزاع منهم، وكان بكاء ابن عباس لفوات معتقده من هذا الخير<.انتهى.
وقال ابن حزم في ” الإحكام في أصول الأحكام ” : > فلو كتب ذلك الكتاب لانقطع الاختلاف في الإمامة ، ولما ضلّ أحدٌ فيها ، لكن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا . وقد أبى ربّك إلّا ما ترى .
وهذه زلّة عالم ، نعني قول عمر رضي الله عنه يومئذ ، قد حُذِّرنا من مثلها < . انتهى.
فهذه أقوال علماء أهل السنّة في هذه الرزية الفاجعة – كما يسمِّيها راويها ابن عباس في البخاري وغيره – ، وهذا هو واقعها ، وليس كما يريد البعض أن يحرّف الحقائق عن مواضعها، ويدّعون أنّ رسول الله ’وافق عمر في هذه الرزية، وقال: نكتفي بكتاب الله .. فهذا محضُ تخرّصٍ وادعاء فارغ، تكذّبه نصوص هذه الرزية نفسها، ويكذّبه علماء أهل السُّنّة أنفسهم فيما تقدّم من كلماتهم، فقد طرد رسول الله ’ هؤلاء المخالفين له من غرفته، وقال لهم بصريح العبارة: قوموا عني، ولا ينبغي عندي التنازع .( كما في البخاري ا: 37)، فالمخالفون في هذه الفاجعة مطرودون من حضرة النبيّ الأعظم (ص) .. فأين الموافقة يا ترى ؟!!
كما أنَّ دعوى الاكتفاء بالكتاب الكريم ومقولة ( حسبنا كتاب الله ) هي من مقولة الخوارج وأهل الزندقة .
قال الذهبي في ” تذكرة الحفاظ ” في تعليقٍ له على أحد الأحاديث : > فهذا المرسل يدلك أنَّ مراد الصديق التثبُّت في الأخبار والتحري لا سدّ باب الرواية ، أ لا تراه لما نزل به أمر الجدة، ولم يجده في الكتاب كيف سأل عنه في السُّنة، فلما أخبره الثقة ما اكتفى حتّى استظهر بثقة آخر، ولم يقل: حسبنا كتاب الله كما تقوله الخوارج <.( تذكرة الحفاظ 1: 3).
وفي شرح السنّة للبربهاري : > وإذا سمعت الرجل تأتيه بالأثر، فلا يريده ، ويريد القرآن ، فلا شكّ أنّه رجل قد احتوى على الزندقة ، فقم من عنده ودعه <.( شرح السنّة : 122).
وجاء عن ابن قيم الجوزية في كتابه ” الروح ” : >أنّ الله تعالى أنزل على رسوله وحْيَين، فأوجب على عباده الإيمان بهما والعمل بما فيهما ، وهما : الكتاب والحكمة ، قال تعالى: {وأنزل عليك الكتاب والحكمة } ، وقال تعالى : { هو الذي بعث في الأميين رسولًا منهم – إلى قوله – ويعلمهم الكتاب والحكمة }، وقال تعالى : { واذكرن ما يتلى في بيوتكن } الآية ، والحكمة هي السنّة باتفاق السلف ، وما أخبر به الرسول عن الله فهو في وجوب تصديقه والإيمان به كما أخبر به الربّ على لسان رسوله ، فهذا أصل متفق عليه بين أهل الإسلام، لا ينكره إلّا من ليس منهم ، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: ” إني أوتيت القرآن ومثله معه ” < . ( الروح : 105).
قد يقول البعض: إنّ كتابة هذا الكتاب لو كانت واجبة لكان كتبه رسول الله ’ ؟
الجواب : لقد تكفّل ابن تيمية في الردّ على هذا الإشكال بأنّه بعد رمي النبيّ ’ بالهجر والهذيان انتفت فائدة كتابته؛ لأنّ الشك سيسري إلى مضمون الكتاب نفسه بأنّ النبيّ ’ كتبه في حالة الوعي أم في حالة الهذيان؟ فلا تبقى فائدة من كتابته ، بل سيكون محلًّا لنزاعات أخرى في الأمّة بين مؤيدٍ ورافض له ، ومن هنا امتنع عن كتابته .
قال ابن تيمية في ” منهاج السنّة النبوية ” الجزء السادس الصفحة 315 : > فلما كان يوم الخميس همّ أن يكتب كتابًا ، فقال عمر : ” ما له؟ أ هجَر ؟” فشكّ عمر هل هذا القول من هجْر الحُمَّى ، أو هو ممّا يقول على عادته ، فخاف عمر أن يكون من هجْر الحُمى … ثمّ قال بعضهم: هاتوا كتابًا . وقال بعضهم : لا تأتوا بكتاب . فرأى النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّ الكتاب في هذا الوقت لم يبقَ فيه فائدة؛ لأنّهم يشكّون : هل أملاه مع تغيّره بالمرض أو مع سلامته من ذلك؟ فلا يرفع النزاع ، فتركه <. انتهى.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.