مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

عليٌّ وبنوه الأحد عشر.. ذرية بعضها من بعض

تفاصيل المنشور

الاشكال

هل كانت الدولة التي انشاها الرسول ملكية وراثية حتى يملك بعده عليّ ثم الحسن ثم الحسين الى اخره؟

المستشكل

صابر محمد

تفاصيل المنشور

الاشكال

هل كانت الدولة التي انشاها الرسول ملكية وراثية حتى يملك بعده عليّ ثم الحسن ثم الحسين الى اخره؟

الأخ صابر، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
الإمامة مقام إلهي ووراثة روحية بعيدة كل البعد عن التوريث النَسَبي، فلا تنتقل بالوراثة النسبية كما تنتقل الرئاسة بين الملوك وأبنائهم، وقد طرح القرآن الكريم نظريّة وراثة نوريّة اصطفائيّة ليست نَسَبيّة، حيث يقول اللّه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [آل عمران، آية: 33-34].
قال الزمخشري في تفسير الآية: «{آلَ إِبْراهِيمَ} إسماعيل وإسحاق وأولادهما، و{آلَ عِمْرانَ} موسى وهرون ابنا عمران ابن يصهر، وقيل عيسى ومريم بنت عمران بن ماثان، وبين العمرانين ألف وثمانمائة سنة. و{ذُرِّيَّةً} بدل من آل إبراهيم وآل عمران {بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ} يعنى أنّ الآلين ذرّية واحدة متسلسلة بعضها متشعب من بعض: موسى وهرون من عمران، وعمران من يصهر، ويصهر من فاهث، وفاهث من لاوي، ولاوي من يعقوب، ويعقوب من إسحاق. وكذلك عيسى ابن مريم بنت عمران بن ماثان بن سليمان بن داود بن ايشا بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق. وقد دخل في آل إبراهيم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم» [الكشاف، ج1، ص354-355].
وهناك آيات تؤكد ما أشارت إليه الآية الكريمة، منها قوله عزّ وجلّ: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [يوسف، آية:6]، وقال عزّ وجل: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} [الحديد، آية:26].
وقوله سبحانه: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ * وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأنعام، آية: 84-87].
فالخلافة الإلهية جُعلت في ذرية الأنبياء (عليهم السلام) على نحو الوراثة الروحية الاصطفائية، فإذا ماتوا، قام مقامهم بعض أولادهم أو بعض أقربائهم، كما قام شيث مقام آدم، وسام مقام نوح، واسماعيل واسحاق مقام ابراهيم، ويوسف مقام يعقوب، ويوشع بن نون مقام موسى ابن عمه، وسليمان مقام داود، ويحيى مقام عيسى ابن خالته.. ولم ينقل لنا التاريخ ولو عن واحد من الأنبياء أنه استخلف واحدا من صحابته.
وقد تسأل: هل الخلافة الإلهية تشمل جميع ذرية الأنبياء؟
الجواب: قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد، آية:26]، هذه الآية تؤكد على أن وراثة النبوة والكتاب في المهتدين من ذرية الأنبياء دون الفاسقين، قال الطبري في تفسيره: ((يقول تعالى ذكره: ولقد أرسلنا أيها الناس نوحاً إلى خلقنا، وإبراهيم خليله إليهم رسولاً {وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ}، وكذلك كانت النبوّة في ذرّيتهما، وعليهم أنزلت الكتب: التوراة، والإنجيل، والزبور، والفرقان، وسائر الكتب المعروفة {فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ} يقول: فمن ذرّيتهما مهتد إلى الحقّ مستبصر، {وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ} يعني: من ذرّيتهما {فَاسِقُونَ} يعني ضُلال، خارجون عن طاعة الله إلى معصيته)) [تفسير الطبري، ج23، ص202].
ومما تقدّم يتضح أن الخلافة الإلهية في ذرية الأنبياء (عليهم السلام) ليست ملكية وراثية نسبية، وانما هي وراثة روحية اصطفائية، وكيفما كان، فالخلافة الإلهية جعلت في ذرية الأنبياء ولا تخرج عنهم إلى غيرهم.
هذا، والمعلوم بالضرورة أنه لا نبي بعد النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، لقوله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب، آية:40]، الأمر الذي لا يمنع أن تكون الخلافة الإلهية في ذريته بعنوان أئمة خلفاء لا مرسلين وأنبياء، فقد جاء عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) ما يؤكد هذا المعنى في الحديث الصحيح الثابت بالتواتر القطعي، قوله في شأن الإمام عليّ (عليه السلام): ((يا عليّ أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبيّ بعدي)) [صحيح البخاري، ج5، ص89، ح202؛ صحيح مسلم، ج4، 1870 و1871، ح30-32]، مما يعني أن له ما للرسول إلا أنه ليس نبياً، لختم النبوة برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
والسؤال هنا: هل اختار الله “عز وجل” علياً (عليه السلام) لمنصب الخلافة العظمى بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
الجواب: نعم، لقد اختار الله “عز وجل” أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) لهذا المنصب العظيم والخطير. والدليل على ذلك تنصيب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) له في يوم غدير خم، في حديث متواتر شهد بتواتره الجميع، حيث جاء فيه: ((من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه)).
وقد شهد الكثير من علماء أهل السنة بدلالة هذا الحديث المتواتر على التنصيب، منهم الإمام الغزالي الذي قال في كتابه “سر العالمين” الموجود ضمن رسائل الإمام الغزالي [ص:483]، ما نصه: ((لكن أسفرت الحجة وجهها، وأجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته في يوم غدير خم باتفاق الجميع وهو يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه. فقال عمر: بخ بخ يا أبا الحسن، لقد أصبحت مولاي وولي كل مؤمن ومؤمنة. فهذا تسليم ورضى وتحكيم، ثم بعد هذا غلب الهوى لحب الرياسة، وحمل عمود الخلافة، وعقود البنود، وخفقان الهوى في قعقعة الرايات، واشتباك ازدحام الخيول، وفتح الأمصار؛ سقاهم كأس الهوى، فعادوا إلى الخلاف الأول، فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً)). انتهى.
ودمتم سالمين