تفاصيل المنشور
- المستشكل - عبد الله المكي
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 13 مشاهدة
تفاصيل المنشور
حديثٌ مكذوبٌ على الله وعلى رسوله وعلى عليٍّ رضي الله عنه، (عليٌّ قسيم الجنّة والنار) و (عليٌّ هو الصراط المستقيم) أ ليس الأَولى أن يكون رسول الله هو الصراط المستقيم، وهو قسيم النار والجنة؟!
المستشكل
عبد الله المكي
حديثٌ مكذوبٌ على الله وعلى رسوله وعلى عليٍّ رضي الله عنه، (عليٌّ قسيم الجنّة والنار) و (عليٌّ هو الصراط المستقيم) أ ليس الأَولى أن يكون رسول الله هو الصراط المستقيم، وهو قسيم النار والجنة؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..
عليٌّ (عليه السلام) هو قسيم النار والجنّة بنصٍّ صحيحٍ صريح، فقد روى مسلمٌ في صحيحه بسنده عن الأعمش عن عدي بن ثابت عن زرٍّ، قال: ((قال عليٌّ: والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة إنّه لعهدُ النبي الأميّ صلى الله عليه وسلم إليّ أن لا يحبَّني إلّا مؤمن، ولا يبغضني إلّا منافق)). [صحيح مسلم، ج1، ص61].
وها هو إمام أهل الحديث عند أهل السنّة والجماعة أحمد بن حنبل يشرح لنا هذا الحديث، جاء في ” طبقات الحنابلة ” لأبي يعلى: ((سمعت محمّد بن منصور يقول: كنّا عند أحمد بن حنبل، فقال له رجل: يا أبا عبد الله، ما تقول في هذا الحديث الذي يروى أنّ عليًّا قال: “أنا قسيم النار”؟! فقال: وما تنكرون من ذا؟! أ ليس روينا أنّ النبيّ (صلى الله عليه وسلم) قال لعليٍّ: لا يحبك إلّا مؤمنٌ، ولا يبغضك إلّا منافق؟. قلنا: بلى. قال: فأين المؤمن؟. قلنا: في الجنّة. قال: فأين المنافق؟. قلنا: في النار. قال: فعليٌّ قسيم الجنة والنار)) [طبقات الحنابلة، ج1، ص320].
وقد روى حديثَ “عليّ قسيم الجنّة والنار” جملةٌ من أعلام أهل السنّة، نشير إلى بعضهم هنا:
قال ابن حجر المكي في “الصواعق المحرقة”: ((أخرج الدارقطني: أنّ عليًّا قال للستّة الذين جعل عمر الأمر شورى بينهم كلامًا طويلًا من جملته: أنشدكم بالله، هل فيكم أحدٌ قال له رسول الله: “يا علي، أنت قسيم النّار والجنّة يوم القيامة” غيري؟ قالوا: اللهمّ لا. ومعناه ما رواه غيره عن عليّ الرضا، أنّه قال له: أنت قسيم الجنّة والنّار، فيوم القيامة تقول للنار: هذا لي، وهذا لك)) [الصواعق المحرقة، ج2، ص369].
وجاء عن القاضي عياض في فصل إخباره (صلى الله عليه وآله وسلم) عن المغيّبات من كتابه “الشفا”: ((وأخبر بملك بني أمية، … وقتل عليّ، وأنّ أشقاها الذي يخضب هذه من هذه، أي لحيته من رأسه، وأنّه قسيم النّار؛ يدخل أولياؤه الجنّة وأعداؤه النار)) [الشفا بتعريف حقوق المصطفى، ج1، ص338].
وقال الخفاجي في شرحه “نسيم الرياض”: ((ظاهر كلامه أنَّ هذا ممّا أخبر به النبيّ صلى الله عليه وسلم، إلّا أنّهم قالوا: لم يروِه أحدٌ من المحدِّثين إلّا ابن الأثير، قال في النهاية: إلّا أنَّ عليًّا رضي الله عنه قال: أنا قسيم النار، يعني أراد أنَّ الناس فريقان: فريقٌ معي، فهم على هدى، وفريقٌ عليّ، فهم على ضلال، فنصفٌ معي في الجنة، ونصفٌ عليّ في النار. انتهى. قلت: ابن الأثير ثقة، وما ذكره عليٌّ لا يقال من قبل الرأي، فهو في حكم المرفوع؛ إذ لا مجال فيه للاجتهاد، ومعناه: أنا ومن معي قسيمٌ لأهل النار، أي مقابلٌ لهم؛ لأنّه من أهل الجنّة، وقيل: القسيم: القاسم كالجليس والسمير، وقيل. أراد بهم الخوارج ومن قاتله كما في النهاية)) [نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض، ج4، ص167].
وها هو ابن أبي الحديد المعتزلي يشهد باستفاضة الحديث في شرحه على نهج البلاغة، فيقول: ((فقد جاء في حقّه الخبر الشائع المستفيض: أنّه قسيم النار والجنة، وذكر أبو عبيد الهروي في الجمع بين الغريبين: أنَّ قومًا من أئمة العربية فسّروه، فقالوا: لأنه لما كان محبّه من أهل الجنة، ومبغضه من أهل النار. كان بهذا الاعتبار قسيم النار والجنّة. قال أبو عبيد: وقال غير هؤلاء: بل هو قسيمها بنفسه في الحقيقة، يُدخِل قومًا إلى الجنة وقومًا إلى النار، وهذا الذي ذكره أبو عبيد أخيرًا هو ما يطابق الأخبار الواردة فيه، يقول للنار: هذا لي، فدعيه، وهذا لك، فخذيه)) [شرح نهج البلاغة، ج2، ص448].
وممّا يشهد لصحّة حديث ((عليٌّ قسيم النار والجنّة)) أنّ المخالفين وضعوا حديثًا كاذبًا مفاده: أنّ أبا بكر هو قسيم الجنّة والنار، يقف على باب الجنّة، فيُدخل فيها من يشاء، ويمنع من يشاء، فلولا صدق وقوة حديث ((عليٌّ قسيم النار والجنّة)) لما عمد مخالفو الشيعة إلى وضع حديثٍ مثل هذا.
قال ابن حبان: ((أحمد بن الحسن بن القاسم، شيخ كوفي: يضع الحديث على الثقات… روى عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (ص): إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من تحت العرش: ألا هاتوا أصحاب محمد (ص)، فيؤتى بأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعليّ بن أبي طالب (رض)، قال: فيقال لأبي بكر: قف على باب الجنّة، فأدخل من شئت برحمة الله … [ثم قال ابن حبان]: الحديث موضوعٌ، لا أصل له)) [المجروحين، ج1، ص145].
فعليٌّ (عليه السلام) قسيم النار والجنّة بما ثبتت روايته من كتب أهل السنّة، وكذلك هو الصراط المستقيم، وهذا يعني أنّ الإيمان هو عملية متكاملة، لا يكتفى بها بالإيمان بالتوحيد فقط، ولا بالنبوة فقط، بل هناك أمور أوجبتها الشريعة، وجعلتها – إضافة لما تقدّم – مدار الفوز والخسران في الآخرة، ويشهد لذلك الخبر المتواتر الذي جاء فيه: ((ستفترق أمتي إلى ثلاثٍ وسبعين فرقة، كلّها في النار، والناجية منها واحدة)). وهذا الحديث أخرجه الترمذي في سننه، ج5، ص25و26، وأبو داود في سننه، ج4، ص197و198، وابن ماجة في سننه، ج2، ص1321و1322، والدارمي في سننه، ج2، ص241، وأحمد في مسنده، ج2، ص32، وج3، ص120و145، والحاكم في المستدرك على الصحيحين، ج1، ص6و128، وابن أبي عاصم في كتاب السنة، ج1، ص7، و25،32،33، والسيوطي في الجامع الصغير، ج1، ص184، والدر المنثور، ج2، ص289، والبيهقي في السنن الكبرى، ج10، ص208، والبغوي في شرح السنة، ج1، ص213، والخطيب التبريزي في مشكاة المصابيح، ج1، ص61، وابن حجر العسقلاني في المطالب العالية، ج3، ص86، 87، والهيثمي في مجمع الزوائد، ج7، ص258و260، والبوصيري في مصباح الزجاجة، ج3، ص239، والسخاوي في المقاصد الحسنة، ص158، والشاطبي في الاعتصام، ج2، ص189، والسفاريني في لوامع الأنوار البهية، ج1، ص93، وابن تيمية في كتاب المسائل كما في سلسلة الأحاديث الصحيحة، ج1، ص359، والألباني في سلسلته الصحيحة، ج1، ص356و358، وصحيح الجامع الصغير، ج1، ص245و516، وصحيح سنن أبي داود، ج3، ص869، وصحيح سنن ابن ماجة، ج2، ص364.
بل صرح السيوطي بتواتر هذا الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كما في فيض القدير، ج2، ص27، وكذلك الكتاني في “نظم المتناثر من الحديث المتواتر” من الحديث المتواتر: ص47. وفيه نجد أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (تفترق أمتي) حيث نسب جميع المفترقين إليه (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن المعلوم أنّ الشخص لا يكون من أمّة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) حتّى يكون مؤمنًا بالتوحيد والنبوة والمعاد، ومؤمنًا بوجوب العبادات والقرآن الكريم، ومع ذاك قال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الفرق المنتسبة إليه: (كلّها في النار، والناجية منها واحدة)، الأمر الذي يكشف أنّ النجاة من النار لا تدور مدار الإيمان بالتوحيد وحده، ولا الإيمان بالنبوة، ولا الإيمان بالمعاد، ولا الإيمان بوجوب العبادات، ولا الإيمان بالقرآن الكريم، بل هناك أمور أخرى – مضافًا إلى المذكورة – تكون بأجمعها محلًّا للنجاة في الآخرة.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.