مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

عليٌّ (ع) قال: «سلوني» وغيره قال: «قوِّموني»

تفاصيل المنشور

السؤال

((سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني عن طرق السماء فإني أعرف بها من طرق الأرض)) هذا الحديث المذكور عن عليّ كذب ظاهر لا تجوز نسبة مثله إلى عليّ؛ فإن عليًّا أعلم بالله وبدين الله، ولو سلمنا بصحته، فانه لم يقل ذلك للصحابة الذين هم أقرانه في العلم، وإنما قاله في آخر عهده، لما انتقل إلى العراق، فدخل في الدين من لم يتفقه فيه، فاحتاج الناس إلى علمه، فكان يحثهم على السؤال والتفقه.

السائل

أحمد عبد اللطيف

تفاصيل المنشور

السؤال

((سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني عن طرق السماء فإني أعرف بها من طرق الأرض)) هذا الحديث المذكور عن عليّ كذب ظاهر لا تجوز نسبة مثله إلى عليّ؛ فإن عليًّا أعلم بالله وبدين الله، ولو سلمنا بصحته، فانه لم يقل ذلك للصحابة الذين هم أقرانه في العلم، وإنما قاله في آخر عهده، لما انتقل إلى العراق، فدخل في الدين من لم يتفقه فيه، فاحتاج الناس إلى علمه، فكان يحثهم على السؤال والتفقه.

بسمه تعالى
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله المطهرين..
إنّ من الثابت قول عليّ (عليه السلام): (سلوني قبل أن تفقدوني) وهو أشهر من أن يحصيه متتبع، حتى عد من خصوصياته (عليه السلام) في أيامه، وقد نقله الكثير من الرواة والمحدثين، وقد اعتبر الحاكم النيسابوري الحديث صحيح وعالي بنقل أبو الطفيل عامر بن واثلة، حيث قال: ((أخبرني أبو جعفر محمد بن علي الشيباني بالكوفة ، ثنا أحمد بن حازم الغفاري ، ثنا أبو نعيم ، ثنا بسام الصيرفي ، ثنا أبو الطفيل عامر بن واثلة قال : سمعت عليا رضي الله عنه ، قام فقال سلوني قبل أن تفقدوني ، ولن تسألوا بعدي مثلي ، فقام ابن الكواء فقال : « من الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار ؟ قال : منافقوا قريش قال : فمن الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ؟ قال : منهم أهل حروراء » « هذا حديث صحيح عال » « وبسام بن عبد الرحمن الصيرفي من ثقات الكوفيين ممن يجمع حديثهم ولم يخرجاه » [المستدرك على الصحيحين، ج2، 383، ح3342].
وأخرج ابن عبد البر في (جامع بيان العلم وفضله): ((حدثني أحمد بن فتح، نا حمزة بن محمد، نا إسحاق بن إبراهيم، نا محمد بن عبد الأعلى، ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن وهب بن عبد الله، عن أبي الطفيل قال: “شَهِدت علياً رضي الله عنه وهو يخطب ويقول: سلوني، فوالله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إِلاَّ حدثتكم به، وسلوني عن كتاب الله فوالله ما منه آية إلاَّ وأنا أعلم بليلٍ نزلت أم بنهار أم بسهل أم بجبلٍ…”))، قال محقق الكتاب أبو الأشبال الزهيري: إسنادُهُ صحيحٌ. ورجاله ثقات. [جامع بيان العلم وفضله، ج1، ص383، ح726].
وأخرج الخطيب البغدادي في (الفقيه والمتفقه): ((أناه أبو الحسين: أحمد بن عمر بن روح، وأبو عليّ: الحسن بن فهد النهروانيان بها، قالا: أنا أبو الحسين: محمد بن إبراهيم بن سلمة الكهيلي – بالكوفة –، أنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي، نا إسحاق بن إبراهيم المروزي، نا عبد الرزاق، نا معمر، عن وهب بن عبد الله بن أبي دُبيٍّ، عن أبي الطفيل، قال: شهدتُ علياً، وهو يَخْطُبُ، وهو يقولُ: “سَلُونِي، واللهِ لا تَسْأَلُوني عن شيءٍ يكونُ إلى يومِ القِيَامَةِ إلا حَدَّثْتُكُمْ بِهِ”))، قال محقق الكتاب عادل بن يوسف العزازي: إسناده صحيح. [الفقيه والمتفقه، ص710، ح1081].
وقد اتفق العلماء والمحدثون على أنه، انفرد عليّ (عليه السلام) من بين الخلق بهذا الإعلان، وما قاله أحد سواه:
فابن كثير، يقول في تفسيره: ((وثبت أيضا من غير وجه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه صعد منبر الكوفة فقال: لا تسألوني عن آية في كتاب الله تعالى ولا عن سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنبأتكم بذلك)) [تفسير ابن كثير، ج7، ص413].
وابن تيمية، في سؤال وجه له، نصه: ((وهل هذا صحيح عن علي أنه قال‏:‏ اسألوني عن طرق السماء، فإني أعرف بها من طرق الأرض‏؟
فأجاب: ((وأما قوله‏:‏ ‏(‏اسألوني عن طرق السماء‏)‏ فإنه قاله، ولم يرد بذلك طريقًا للهدى، وإنما يريد بمثل هذا الكلام الأعمال الصالحة التي يتقرب بها، واللّه أعلم‏)) [مجموع الفتاوى، ج4، ص495].
وابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة)، في شرح كلام الإمام عليّ (عليه السلام): أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني فلأنا بطرق السماء أعلم مني بطرق الأرض، قال: ((أجمع الناس كلهم على أنه لم يقل أحد من الصحابة ولا أحد من العلماء: سلوني. غير علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ذكر ذلك ابن عبد البر في الاستيعاب والمراد بقوله: فلأنا بطرق السماء أعلم مني بطرق الأرض ما اختص به من العلم بمستقبل الأمور ولا سيما في الملاحم والدول)) [شرح نهج البلاغة، ج13، ص196].
وأما قولك: (ولو سلمنا بصحته، فانه لم يقل ذلك للصحابة الذين هم أقرانه في العلم، وإنما قاله في آخر عهده، لما انتقل إلى العراق).
فيجاب عنه:
هذا قول باطل لا أساس له من الصحة جملة وتفصيلا، لأن غالب علم الإمام علي (عليه السلام)، كان بالمدينة لا بالعراق، فإن رجوع أبو بكر وعمر وعثمان وغيرهم من الصحابة إليه في المعضلات والمشكلات كان بالمدينة، وأمّا في العراق فلم يتفرّغ للتعليم والارشاد، لاشتغاله (عليه السلام) فيه غالباً بما يتعلّق بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين.
وعلم عليّ (عليه السلام) واضح مشهور بين الصحابة آنذاك، دلت عليه جملة من الأحاديث النبوية، منها حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((أنا مدينة العلم وعلي بابها))، وهو حديث مشهور صحيح إن لم نقل متواتر، وقد أخرجه الطبراني في المعجم الكبير كما في ص107 من الجامع الصغير للحافظ السيوطي، وحكاه الذهبي في تذكرة الحفاظ [ج4، ص28]، وقال فيه صحيح، وأخرجه الحاكم في مناقب عليّ (عليه السلام) [المستدرك على الصحيحين، ج3، ص126]، أحدهما عن ابن عباس من طريقين صحيحين والآخر عن جابر بن عبدالله الأنصاري وقد أقام على صحة طرقه أدلة قاطعة، وأفرد أحمد بن محمد المغربي نزيل القاهرة لتصحيح هذا الحديث كتاباً حافلاً سماه (فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي) وقد طبع سنة 1354 هـ بالطبعة الاسلامية ـ الأزهر ـ مصر.
وهذا الحديث يدلنا بوضوح على وفور علم الإمام عليّ (عليه السلام)، واستحضاره أجوبة الوقائع واطلاعه على شتات العلوم والمعارف وفيه إشارة الى قوله تعالى: (وأتوا البيوت من أبوابها) وفيه دلالة على أنه (عليه السلام) الامام لهذه الأمة بعد نبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنه الباب لتلك العلوم وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) «فمن أراد العلم فليأت الباب» كناية عن الحافظ للشيء الذي لا يشذّ عنه شيء ولا يخرج منه ولا يدخل إلاّ به. [راجع: رد على السقيفة، ص233].
ويقول المناوي في (فيض القدير) واصفاً علم الإمام عليّ (عليه السلام): ((قد علم الاولون والآخرون أن فهم كتاب الله منحصر إلى علم عليّ، ومن جهل ذلك فقد ضل عن الباب الذي من ورائه يرفع الله عن الحجاب، حتى يتحقق اليقين الذي لا يتغير بكشف الغطاء)) [فيض القدير، ج3، ص46].
والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.