مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

دور البحث عن صحّة الخلافة في حسن عاقبة المرء

تفاصيل المنشور

الاشكال

ماذا يترتب على المسلم إذا لم يعتن بالبحث عمّن هو خليفة الرسول الحقيقي هل هو سيدنا عليّ كرم الله وجهه أو سيدنا ابو بكر رضي الله عنه .. فيكتفي هذا المسلم بعبادته واستقامته؟

المستشكل

عبد اللطيف أبو مريم

تفاصيل المنشور

الاشكال

ماذا يترتب على المسلم إذا لم يعتن بالبحث عمّن هو خليفة الرسول الحقيقي هل هو سيدنا عليّ كرم الله وجهه أو سيدنا ابو بكر رضي الله عنه .. فيكتفي هذا المسلم بعبادته واستقامته؟

الأخ عبد اللطيف المحترم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
مسألة البحث في الخلافة أنّها لفلان أو فلان من الناس هي في الواقع لا تتعلّق بأشخاصهم ، حتّى تكون مسألة تاريخية محدودة بأشخاصها وحوادثها الزمنية فقط .. بل الموضوع أبعد من ذلك فهو يتعلّق بمنظومة عقائدية وفقهية متكاملة تمثّلهما مدرستان مختلفتان في المعطيات والنتائج ، فالذي يرى أنّ الخلافة بالنصّ ( كالشيعة الإمامية أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام ) لا يساغ له أخذ أحكام الدين عن غير الأئمة الاثني عشر من أهل البيت ( عليهم السلام ) ، والذي يرى أنّ الخلافة شورى ( كأتباع مدرسة الخلفاء التي تقول بصحّة خلافة أبي بكر ) فهو يأخذ دينه عن كلّ صحابي لأنّه يراهم عدول كلّهم وأمناء في نقل الدين عن النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلّم ) .
قد تقول : وماذا يترتّب على هذا الموضوع فليأخذ أتباع كلّ مدرسة دينهم من الطريق الذي يراه صحيحاً عنده ؟
الجواب : من الواضح جدّاً أنّ الطريق إذا كان مخطئاً وغير سليم فالنتائج تكون مخطئة وغير سليمة .
فعلى سبيل المثال حين قالت مدرسة الخلفاء ( التي تذهب إلى صحّة خلافة أبي بكر ومشروعيتها بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ) بعدالة الصحابة كلّهم فهي قد وقعت في إشكال شرعي وعلمي كبير لم تستطع التخلّص منه وإلى يومنا هذا ؛ لأنّه من المعلوم بالضرورة من الدين أنّه لا يصح أخذ الدين عن المنافق ؛ لأنّ من صفات النفاق العملي هي الكذب ، وأمّا النفاق العقدي فهو أشدّ من الأوّل لأنّه يبطن الكفر ويظهر الإسلام ، لكننا للأسف وجدنا مدرسة الخلفاء قد قالت بعدالة الصحابة كلّهم على الرغم من الأدلة الكثيرة على وجود منافقين مجهولين بين الصحابة لا يعلمهم إلّا الله ، وفي بعض الأدلة وجود منافقين مجهولين لا يعلمهم إلّا الله ورسوله وبعض الصحابة المؤتمنين على سرّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كالصحابي الجليل حذيفة بين اليمان ( رضوان الله عليه ) .
ففي قوله تعالى في سورة التوبة ، الآية 101: { ومن أهل المدينة مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم} نجد تصريحاً واضحاً بوجود منافقين مجهولين في المدينة لا يعلم بهم حتّى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وهذا معناه عدم جواز تعديل الصحابة بأيّ دليل عام (سواء كان آية أم رواية) بنحو العموم الاستغراقي (الذي يعني عدالتهم فرداً فرداً) لمحلّ العلم الإجمالي المذكور ، وهذا مطلب أصولي يعرفه أقلّ طالب درس كتاباً واحداً في علم الأصول.
وجاء أيضا عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قوله : (فِي أَصْحَابِي اثْنَا عَشَرَ مُنَافِقًا، فِيهِمْ ثَمَانِيَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ…)( رواه مسلم وغيره).. وهذا أيضاً علم إجمالي ثان بوجود منافقين بين الصحابة لا يعلم بهم أحد سوى رسول الله وحذيفة بين اليمان حافظ سرّه كما جاء في بعض الروايات ، وهو أيضاً يمنع من القول بعدالة الصحابة كلّهم بنحو العموم الاستغراقي ( الذي يعني عدالتهم فردا فردا ) ، سواء كانت هذه العمومات آيات أم روايات .
بل وجدنا من علماء أهل السنّة من يشهد على الصحابة بالنفاق من خلال تصريحه بأنّ الكثير من الصحابة والتابعين كانوا يبغضون عليّاً عليه السلام ويسبّونه ويقاتلونه ( راجع منهاج السنّة النبوية لابن تيمية 7: 138) ، وقد ثبت في صحيح مسلم عن عليّ ( عليه السلام ) أنّه قال : ( والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنّه لعهد النبيّ الأمي (‏ ‏صلى الله عليه وآله وسلّم ) ‏ ‏إلي ‏ ‏أن لا يحبّني إلّا مؤمن ولا يبغضني إلّا منافق )( صحيح مسلم 1: 86)…
فهذه الأدلة والأقوال المفيدة للعلم الإجمالي – كالآية المتقدّمة والحديث الشريف الصحيح – والمفيدة للعلم التفصيلي – كالتصريح الصادر عن ابن تيمية – تمنع من القول بعدالة الصحابة كلّهم ، وبالتالي لا يمكن أخذ الدين عن كلّ صحابي لمجرد أنّه صحابي من دون إثبات خارجي لعدالته.
وحتّى تعريف الصحابي عند مدرسة الخلفاء فيه إشكال علمي ؛ لأنّه من التعريف بالأخفى وقد اتفق أهل المعقول من عدم صحّة التعريف بالأخفى ، فانظر إلى تعريف ابن حجر العسقلاني للصحابي – الذي هو أهم التعاريف عندهم – ، يقول : (( الصحابي … من لقي النبيّ (صلى الله عليه وسلم) مؤمنا به ،ومات على الإسلام فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت ، ومن روى عنه أو لم يروِ ، ومن لم يره لعارض العمى )). انتهى ( الإصابة في تمييز الصحابة 1: 158) ، فقيد ( مؤمنا به ) هو من التعريف بالأخفى ؛ لأنّ الإيمان هو صفة قلبية مخفية لا يعلم بها إلّا الله سبحانه ، فكيف نعرف أنّ فلاناً من الناس مؤمن أو غير مؤمن ونحن لسنا مطلعين على قلبه ، يقول تعالى : { قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ }سورة الحجرات : 14 ؟!
أمّا قيد ( ومات على الإسلام ) فهو يدخل فيه المنافق المجهول أيضاً ، لأنّ المنافق يُظهر الإسلام فإذا مات وكان مجهولا لا يعرفه أحد بأنه منافق فهو يموت على ظاهره وهو الإسلام .
وبالتالي حتّى تعريف الصحابي عند أهل السنّة لم يستطع أن يأتي لنا بضابطة واضحة نستطيع من خلالها أن نفرز الصحابة العدول عن المنافقين المجهولين .
فهذه المسألة المهمة هي واحدة من عشرات المسائل المختلف فيها بين المدرستين : مدرسة أهل البيت عليهم السلام ( التي تقول الخلافة بالنصّ) ، وبين مدرسة الخلفاء ( التي ترى صحّة خلافة أبي بكر وتقول الخلافة شورى ) ، وهي تؤثر جزماً على حسن عاقبة الإنسان حين يسلك الطريق الخطأ من الطريق الصحيح بين الطريقين ، فضلا عن عدم تمامية أدلة مدرسة الخلفاء في إثبات خلافة أبي بكر ، فهي لم تثبت بنصّ قرآني ولا نبوي ، ولا إجماع لمحل معارضة الكثير من الصحابة كما هو الثابت من التواريخ ، خلاف مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) التي جاءت النصوص النبويّة الصحيحة متظافرة في إثبات مدّعاها ، كهذا النصّ النبوي الصحيح والصريح بخلافتهم : ( إني تارك فيكم خليفتين : كتاب الله ، حبل ممدود ما بين الأرض والسماء،وعترتي أهل بيتي ، وأنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض ( صحيح الجامع الصغير للألباني 1: 482، مسند أحمد بن حنبل ، برقم : 21654، تصحيح شعيب الأرنؤوط) ، وعليّ ( عليه السلام ) هو سيد العترة في زمانه بلا منازع .

ودمتم سالمين