مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

دلالةُ اعتراض الزهراء على حديث “لا نورِّث، ما تركنا صدقة”

تفاصيل المنشور

الاشكال

فيما يتعلّق بمسألة وراثة الأنبياء وحديث “لا نورِّث، ما تركنا” الذي يروى عن أبي بكر، ليس هو الخبر الوحيد، بل هو مُنقولٌ أيضًا في أحاديث أخرى عن عائشة وأبي هريرة وغيرهم، فالشيعة يَكذبون عبر زعمهم أنّ هذا الحديث هو الوحيد الذي ورد عن أبي بكر بهذا الشأن!

المستشكل

محمد أبو عبد الله

تفاصيل المنشور

الاشكال

فيما يتعلّق بمسألة وراثة الأنبياء وحديث “لا نورِّث، ما تركنا” الذي يروى عن أبي بكر، ليس هو الخبر الوحيد، بل هو مُنقولٌ أيضًا في أحاديث أخرى عن عائشة وأبي هريرة وغيرهم، فالشيعة يَكذبون عبر زعمهم أنّ هذا الحديث هو الوحيد الذي ورد عن أبي بكر بهذا الشأن!

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..

حديث “لا نورِّث، ما تركنا صدقة” محلّ إشكال وعدم مقبولية؛ لأننا إذا أخذنا بعين الاعتبار الحديث الصحيح المرويّ عن عائشة، وهو قولها: ((ما رأيتُ أحدًا قطُّ أصدقَ من فاطمةَ غيرَ أبيها)) [مسند أبي يعلى، ج8، ص153؛ مجمع الزوائد، ج9، ص201]، وكذلك آية التطهير التي نصّت على إذهاب الرجس عن أهل البيت، وحديث الكساء المشهور عند سائر المحدِّثين الذي نصّ على أنّ فاطمة (عليها السلام) من الخمسة الذين جلّلهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بكسائه، وقال ((اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأَذهِب عنهم الرجس، وطهِّرهم تطهيرًا)) [صحيح مسلم، ج7، ص130]، فسيتضح لنا أنّ اعتراض فاطمة الزهراء (عليها السلام) على حديث أبي بكر الذي يقول “لا نورِّثُ، ما تركنا صدقةً” ينفي أنْ يكون هذا الحديث من قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

فلو أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: “لا نورِّث، ما تركنا صدقة” لسمعتْه فاطمة (عليها السلام) منه، ولما اعترضت عليه لكونها صاحبة الشأن ووريثته، وكذلك زوجاته (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يسمعْن بهذا الحديث، فقد روى البخاري في صحيحه عن عروة بن الزبير، عن عائشة، أن أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعثْن عثمان إلى أبي بكر يسألنَه ميراثهن. [انطر صحيح البخاري، ج5، ص115، كتاب المغازي باب حديث بني النضر].

يقول الفخر الرازي: ((إنّ المحتاج إلى معرفة هذه المسألة ما كان إلّا فاطمة وعلي والعباس، وهؤلاء كانوا من أكابر الزهّاد والعلماء وأهل الدين، وأمّا أبو بكر فإنّه ما كان محتاجًا إلى معرفة هذه المسألة؛ لأنّه ما كان ممّن يخطر بباله أنّه يورَّث من الرسول، فكيف يليق بالرسول أن يبلّغ هذه المسألة إلى من لا حاجة له إليها، ولا يبلّغها إلى من له إلى معرفتها أشدّ الحاجة؟)) [التفسير الكبير، ج9، ص210].

 أ فهل يعقل من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو سيد الحكماء أن يبلغ أحكامًا إلى غير ذوي الشأن، ويترك ذوي الشأن يعيشون الجهل بالموضوع، ثمّ يقعون بمحاذير مخالفة الشريعة؟!!

إن قالوا: إنّ فاطمة (عليها السلام) لم تسمع بهذا الحديث الذي رواه لها أبو بكر، ومن هنا ادّعت ما ليس لها حقّ فيه!

قلنا لهم: روى مسلم في صحيحه: ((من ادّعى ما ليس له فليس منا، وليتبوأ مقعده من النار)) [صحيح مسلم 1: 57]، فبحسب هذا الحديث الصحيح في مسلم يجب أن تكون فاطمة (عليها السلام) من أهل النار؛ لأنّها ادّعت ما ليس لها من الإرث!!

ولو فرضنا أن فاطمة (عليها السلام) لم تسمع الحديث من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكنها مع سماعها له من أبي بكر غضبت عليه، وهجرته حتى ماتت (كما ينقل ذلك البخاري في صحيحه)، فهل يا ترى أن الله أثابها على مخالفتها هذه للحديث الصحيح، وأعطاها درجة سيدة أهل الجنة اعتباطًا مع أنها حسب حديث مسلم حقّها أن تكون من أهل النار؟!!  

فهذا الحديث تحوم حوله استفهامات عديدة تجعلنا لا نجزم بصدوره عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإن ادّعي وجود أسانيد أخرى له، فالشبهات آخذة فيه من كلّ جانب.

ثمّ حتى لو سلّمنا بصدور هذا الحديث عن (النبي صلى الله عليه وآله وسلم)، وغضضنا النظر عمّا تقدّم، نقول:

ليس المراد من الحديث هو ما فهمه أبو بكر بأنّ ما تركه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يكون صدقة، وليس إرثًا، بل يكون المراد منه – كما ينقل السرخسي في المبسوط  عن بعض مشائخه –: ((أن معنى الحديث هو أنّ  ما تركنا  صدقة، لا يورث عنا، وليس المراد أن أموال الأنبياء (عليهم الصلاة والسلام) لا تورث، وقد قال الله تعالى: (وورث سليمان داود)، وقال تعالى: (فهب لي من لدنك وليًّا يرثني، ويرث من آل يعقوب)،  فحاشا أن يتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف المنزل)) [المبسوط، ج1، ص29].

ومثل هذا الاشتباه في الفهم ليس بجديد عند الصحابة، يشهد لذلك خلاف عمر وعائشة في البكاء على الميت، وهو أشهر من نارٍ على علم، فعمر يدّعي أنه سمع النهي في البكاء على الميت من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعائشة تتهمه، وتقول له: إنك اشتبهت في فهمك، فليس معنى حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما تقول!!

والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.