مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

حديثٌ لم يقدر ابن تيمية على ردِّه

تفاصيل المنشور

الاشكال

يتمسّك الشيعة الرافضة بقول رسول الله عليه الصلاة والسلام: ((عليٌّ مني، وأنا منه، وهو وليّ كل مؤمن بعدي))، وقد ردّه شيخ الإسلام ابن تيمية، وبيَّن ضعفه، فصرح في (منهاج السنة) أن: ((قوله “وهو ولي كل مؤمن بعدي”، كذبٌ على رسول الله، بل هو في حياته ومماته وليّ كل مؤمن، وكل مؤمن وليه في المحيا والممات، فالولاية التي هي ضد العداوة لا تختص بزمان)) [الجزء السابع، ص391و392].

المستشكل

زياد بكر

تفاصيل المنشور

الاشكال

يتمسّك الشيعة الرافضة بقول رسول الله عليه الصلاة والسلام: ((عليٌّ مني، وأنا منه، وهو وليّ كل مؤمن بعدي))، وقد ردّه شيخ الإسلام ابن تيمية، وبيَّن ضعفه، فصرح في (منهاج السنة) أن: ((قوله “وهو ولي كل مؤمن بعدي”، كذبٌ على رسول الله، بل هو في حياته ومماته وليّ كل مؤمن، وكل مؤمن وليه في المحيا والممات، فالولاية التي هي ضد العداوة لا تختص بزمان)) [الجزء السابع، ص391و392].

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..

يوجد عندنا هاهنا مطلبان:

الأول: إثبات صحة هذا الحديث الشريف.

الثاني: إثبات دلالته على الخلافة المباشرة لعليٍّ عليه السلام بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

أما المطلب الأول: فقد أخرج هذا الحديث الترمذي في سننه، وقال عنه: ((حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان)) [سنن الترمذي، ج2، ص297، رقم:3712]، وعقب عليه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، بقوله: ((وهو ثقة من رجال مسلم، وكذلك سائر رجاله، ولذلك قال الحاكم: صريح على شرط مسلم)). [سلسلة الأحاديث الصحيحة، ج5، ص261]

وأخرج هذا الحديث أيضًا ابن حبان في صحيحه، قال شعيب الأرنؤوط – المحقق للصحيح -: ((إسناده قوي)) [صحيح ابن حبان، ج15، ص374].

وأيضًا أخرجه أبو يعلى في مسنده، قال الشيخ حسين أسد – المحقق للمسند-: ((رجاله رجال الصحيح)) [مسند أبي يعلى الموصلي، ج1، ص293].. وممن أخرج الحديث المذكور ابن أبي عاصم في “كتاب السُّنة” خرّجه بإسناد صحيح. [كتاب السنة، ص550]، وكذلك صرّح بصحته ابن جرير على ما نقله عنه المتقي الهندي في كنز العمال. [كنز العمال، ج11، ص608].

ولهذا الحديث شواهد صحيحة وحسنة، منها ما رواه أحمد في مسنده عن طريق ابن عباس بسند صحيح من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعليٍّ (عليه السلام): ((أنت ولي كل مؤمن بعدي ومؤمنة)) [مسند أحمد بن حنبل، ج1، ص331]، وهذا الحديث صححه الحاكم في مستدركه، ووافقه عليه الذهبي. [المستدرك على الصحيحين، ج3، ص144].

ومنها ما رواه أحمد في مسنده عن طريق أجلح الكندي من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لبريدة: ((لا تقعْ في عليٍّ؛ فإنه مني، وأنا منه، وهو وليّكم بعدي – يكررها مرتين -)) [مسند أحمد بن حنبل، ج5، ص356]، قال المناوي الشافعي في الفيض: ((قال جدّنا للأم الزين العراقي: الأجلح الكندي، وثّقه الجمهور، وباقي رجاله رجال الصحيح)) [فيض القدير، ج4، ص471].

وعن الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة، قال: ((إسناده حسن، رجاله ثقات، رجال الشيخين غير الأجلح، وهو أبو عبد الله، مختلف فيه، وفي التقريب: صدوق شيعي… فإنْ قال قائل: راوي هذا الشاهد شيعي، وكذلك في سند المشهود له شيعي آخر، وهو جعفر بن سليمان، أ فلا يعد هذا طعنًا في الحديث، وعلة فيه؟ فأقول: كلا؛ لأن العبرة في رواية الحديث إنما هو الصدق والحفظ، وأما المذهب فهو بينه وبين ربه، فهو حسيبه، ولذلك نجد صاحبي الصحيحين وغيرهما قد أخرجوا لكثير من الثقات المخالفين، كالخوارج والشيعة وغيرهم)) [سلسلة الأحاديث الصحيحة، ج5، ص262].

فتحصّل مما تقدم: أن الحديث المتقدم لا مطعن ولا مغمز فيه من حيث السند والمتن، وقد استغرب الشيخ الألباني من الشيخ ابن تيمية تجرؤه على تكذيب الحديث المذكور، وصرح قائلًا: ((ومن العجب حقًّا أن يتجرأ شيخ الإسلام ابن تيمية على إنكار هذا الحديث وتكذيبه في منهاج السنة كما فعل بالحديث المتقدم هناك)) [سلسلة الأحاديث الصحيحة، ج5، ص261]، ومراده بالحديث المتقدم حديث الغدير.

أما المطلب الثاني: فالدلالة واضحة في أنّ المراد من (وهو ولي كل مؤمن) في الحديث المذكور هي الإمرة والخلافة؛ لأن المعاني المتصوَّرة للولاية في الحديث المذكور ثلاثة ليس غير، هي: المحبة والنصرة والإمرة، وقد صرح ابن تيمية بعدم إمكان تصور معنيين من المعاني المتقدمة، وهما: المحبة والنصرة، لعدم اختصاصهما بزمان معين، فيتعين المعنى الثالث، وهو إرادة الإمرة والخلافة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبهذا يثبت المطلوب.

وهذا المباركفوري لم يقوَ على دفع دلالة الحديث المذكور على مدَّعى الشيعة بالخلافة المباشرة لعليٍّ (عليه السلام) بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فاضطر إلى التصريح قائلًا عند شرحه لسنن الترمذي: ((وظاهر أن قوله: بعدي، في هذا الحديث مما يقوَى به معتقد الشيعة)) [تحفة الأحوذي، للمباركفوري، ج١٠، ص١٤٦].

نعم، غالط ابن تيمية في ردّ دلالة الحديث المذكور مغالطة مضحكة، كشف فيها عن جهله وتخبطه بالمرة، حيث صرح قائلًا – بعد كلامه المتقدم في تكذيب الحديث -: ((وأما الولاية التي هي الإمارة فيقال فيها والي كل مؤمن بعدي، كما يقال في صلاة الجنازة: إذا اجتمع الولي والوالي قُدِّم الوالي في قول الأكثر، وقيل: يُقدَّم الولي. فقول القائل: عليٌّ وليّ كل مؤمن بعدي، كلام يمتنع نسبته إلى رسول الله (عليه الصلاة والسلام)، فإنه إن أراد الموالاة لم يحتج أن يقول “بعدي”، وإن أراد الإمارة كان ينبغي أن يقول: “والي كل مؤمن”)). انتهى ما أفاده ابن تيمية.

ووجه المغالطة: أن لفظ وليّ هو من الألفاظ المشتركة في اللغة، ومن معانيه المحبة والنصرة والمعتق والجار والحليف وابن العم والإمرة ونحو ذلك من المعاني.. وتعيين المراد من هذه المعاني في حديثٍ ما إنما يكون بمعونة القرائن (اللفظية أو الحالية)، وفي المقام قد دلت القرينة اللفظية على المراد، وهي قوله عليه (الصلاة والسلام): (بعدي)، التي صرفت المعاني الأخرى المتصوَّرة في المقام، وهما معنيان، وليس أكثر: المحبة والنصرة، لعدم تصور أن يكون المراد ابن العم أو الحليف أو الجار ونحو ذلك.

وأما ما ساقه ابن تيمية من شاهد فهو يضحك الثكلى، فقد دلّت القرينة على أن المراد بالولي فيه هو الولي الشرعي كالأب والجد دون السلطان، وقد أشرنا إلى كيفية تعيين المراد من اللفظ المشترك، فما باله يعترض على النبي الأكرم (عليه أفضل الصلاة والسلام) لاستعماله لفظًا مشتركًا مشفوعًا بالقرينة الدالة على المراد؟ وكأنه يعلِّمه كيفية توصيل المراد مع أنه خير من نطق بالضاد.. ولكنه التعصُّب وحب غلبة الخصوم بأي وسيلة كان ذلك حتى بِردِّ الحديث الصحيح الثابت والمغالطة فيه.. وإلا فمثل هذه المطالب العلمية في كيفية استفادة المعنى من اللفظ المشترك يعرفها ‌أصغر ‌طلاب العلوم الإسلامية.

والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.