تفاصيل المنشور
- المستشكل - أحمد النعيمي
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 29 مشاهدة
تفاصيل المنشور
يقول أتباع المدعو الصرخي: ورد في رواية صحيحة السند ومعتبرة النهي عن الطواف بالقبر، فعن الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لا تشرب وأنت قائم، ولا تطف بقبر، ولا تبل في ماء نقيع، فإنه من فعل ذلك فأصابه شيء فلا يلومن إلاّ نفسه» (وسائل الشيعة ج1، ص341، 342)، وخبر ابن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام أنه قال: ((لا تشرب وأنت قائم، ولا تبل في ماء نقيع، ولا تطف بقبر)) والدليل على عدم جواز الطواف حول قبور الأئمة أن الشيخ الحر العاملي ذكر هذه الروايات تحت باب عدم جواز الطواف بالقبور!! فكيف يمارس اتباع أهل البيت الطواف حول قبور الأئمة مع وضوح النهي الصادر عن الأئمة، أرجو الرد على هذا الكلام وشكرا.
المستشكل
أحمد النعيمي
يقول أتباع المدعو الصرخي: ورد في رواية صحيحة السند ومعتبرة النهي عن الطواف بالقبر، فعن الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «لا تشرب وأنت قائم، ولا تطف بقبر، ولا تبل في ماء نقيع، فإنه من فعل ذلك فأصابه شيء فلا يلومن إلاّ نفسه» (وسائل الشيعة ج1، ص341، 342)، وخبر ابن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام أنه قال: ((لا تشرب وأنت قائم، ولا تبل في ماء نقيع، ولا تطف بقبر)) والدليل على عدم جواز الطواف حول قبور الأئمة أن الشيخ الحر العاملي ذكر هذه الروايات تحت باب عدم جواز الطواف بالقبور!! فكيف يمارس اتباع أهل البيت الطواف حول قبور الأئمة مع وضوح النهي الصادر عن الأئمة، أرجو الرد على هذا الكلام وشكرا.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله المطهرين..
إن الاستدلال على عدم جواز الطواف حول قبور أئمة أهل البيت (عليهم السلام) برواية الحَلَبيّ عن الإمام الصادق (عليه السلام)، ورواية محمّد بن مسلم عنه أو عن أبيه الباقر (عليهما السلام) بقولهما: ((وَلَا تَطُفْ بِقَبْرٍ))، هو ضرب من الجهل والحمق، وذلك للبيان الآتي:
المقصود بالطواف في قولهما (عليهما السلام): ((ولا تطف بقبر)) الوارد في الروايتين هو التغوط والحدث بقرينة قولهما في الروايتين: ((ولا تبل))، فقد جاء في لسان العرب أن معنى الطواف التغوط، قال ابن منظور: ((وطاف يطوف طوفا. واطاف اطيافا: تغوط وذهب إلى البراز. والطوف: النجو. وفي الحديث: لا يتناجى اثنان على طوفهما. ومنه: نهي عن متحدثين على طوفهما أي عند الغائط. وفي حديث ابن عباس: لا يصلين أحدكم وهو يدافع الطوف ما كان من ذلك بعد الرضاع الأحمر. يقال لأول ما يخرج من بطن الصبي: عقي فإذا رضع فما كان بعد ذلك قيل: طاف يطوف طوفا، وزاد ابن الأعرابي فقال: اطاف يطاف اطيافا إذا ألقى ما في جوفه)) [لسان العرب، ج9، ص227].
وقال الجوهري في الصحاح: ((والطوف: الغائط. تقول منه: طاف يطوف طوفا، واطاف اطيافا، إذا ذهب إلى البراز ليتغوط)) [الصحاح، ج٤، ص٨٥].
وأشار الشيخ الطريحي في مجمع البحرين بعد بيانه لمعنى الطواف إلى الرواية محل البحث، فقال: ((والطوف: الغائط. ومنه الخبر “لا يُصَلِّ أحدكم وهو يُدافع الطوف”، ومنه الحديث “لا تبل في مستنقع ولا تطف بقبر”)) [مجمع البحرين، ج ٥، ص٩١].
وفي كتاب الوافي قال الفيض الكاشاني مبيناً معنى الرواية محل البحث: ((النقيع الماء المجتمع في موضع والموضع الذي يجتمع فيه الماء والمعنيان محتملان بالوصف والإضافة والطوف الغائط. قال في النهاية: الطوف الحدث من الطعام، ومنه الحديث نهى عن المتحدثين على طوفهما أي عند الغائط)) [الوافي، ج٢٠، ص٣٧٤].
وقرينة أخرى على أن المقصود بالطواف التغوط والحدث هي أن الروايتين وردتا في أحكام الخلوة، فرواية الحلبي أوردها الشيخ الصدوق في علل الشرائع: ج1، ص283، الحديث 6 من الباب 24 من أبواب أحكام الخلوة، ورواية محمد بن مسلم أوردها الشيخ الكليني في الكافي: ج8، ص534، الحديث 1 من الباب 24 من أبواب أحكام الخلوة أيضاً، الأمر الذي أشار إليه صاحب الوسائل نفسه عند ذكره لمصدر الرواية، وهما كما ترى بعيدتان عن معنى الطواف الشائع.
وأما الطواف حول قبور الأئمة (عليهم السلام) فلا شبهة في مرجوحته، فقد ذكر بعض العلماء الأعلام بإن من آداب زيارة المعصومين (عليهم السلام) الطواف مرة وتقبيل أركان القبر الأربعة واستندوا في ذلك على عدة روايات، يقول العلامة الشيخ عبد الله المامقاني: ((الطواف مرّة وتقبيل أركان القبر الأربعة: إن من آداب زيارة المعصومين سلام اللّه عليهم أجمعين، صرّح بذلك بعض الأساطين، والمستند في ذلك عدّة من الأخبار:
أحدها: ما رواه الكليني رحمه اللّه عن يحيى بن أكثم في حديث قال: بينا أنا ذات يوم دخلت أطوف بقبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فرأيت محمد بن علي الرضا عليهما السّلام يطوف به، فناظرته في مسائل.. الحديث.
فإن فعل الجواد عليه السّلام كاف في الدّلالة على الرجحان، وما رجح في حرم النّبي صلّى اللّه عليه وآله رجح في مراقدهم الأطهار عليهم السّلام للاتّحاد في تلك الأحكام.
ثانيها: ورود طواف قبر الحسين عليه السّلام وتقبيل أركانه الأربعة في بعض روايات مخصوصة أول رجب ونصفه ونصف شعبان، وقد ذكر هذه الرواية الشيخ المفيد، والسيد علي بن طاووس، والشهيد وغيرهم قدس اللّه أسرارهم، وإذا رجح هذا الأدب في زيارة بقعة في وقت رجح في ساير الأوقات وساير البقاع المطهّرة.
ثالثها: ما رواه القمي رحمه اللّه في تفسيره والطبرسي في الاحتجاج بسند معتبر عن الصادق عليه السّلام من حديث طويل في قصة فدك تضمن أنّ الصدّيقة الكبرى سلام اللّه عليها دخلت المسجد وطافت بقبر أبيها صلّى اللّه عليه وآله وهي تبكي وتقول: إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها… إلى آخره، وفعلها لعصمتها حجّة، والمشروعيّة تستلزم الرجحان، ويجري ذلك في ساير المراقد المطهرة باتحاد الطريق.
رابعها: ما في الزيارة الجامعة الكبيرة التي رواها الشيخ المشهدي وابن طاووس في مزارهما من الأمر بتقبيل القبر وقول: «بأبي وأمّي آل المصطفى إنّا لا نملك إلّا أن نطوف حول مشاهدكم ونعزّي فيها أرواحكم» فلولا انّه من الآداب العامّة لكلّ وقت، ولكلّ مرقد من مراقدهم المطهّرة لما اطلق عليه السّلام ذلك في الزيارة، فرجحان طواف قبورهم ممّا لا ينبغي الشبهة فيه، ما لم يكن بعنوان الطواف سبعا المخصوص بالكعبة)) [مرآة الكمال لمن رام درك مصالح الأعمال، ج٣، ص٢١٧-219].
وعقد المحدِّث النوريّ في “المستدرك” باباً بعنوان (جواز الطواف بالقبور) خلافاً للشيخ الحر العاملي في “الوسائل” الذي عقد باباً بعنوان عدم جواز الطواف بالقبور، فأورد المحث النوري في “المستدرك” عدة روايات وعقبها ببيان نافع، فقال: ((باب جواز الطواف بالقبور:
1 – علي بن إبراهيم في تفسيره، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عثمان بن عيسى، وحماد بن عثمان، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل في قصة فدك قال في آخره: ودخلت فاطمة عليها السلام المسجد وطافت بقبر أبيها وهي تبكي وتقول: إنا فقدناك فقد الأرض وابلها – الخبر .
ورواه أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي في «الاحتجاج» عن حماد بن عثمان، عنه عليه السلام مثله.
2 – الشيخ محمد بن المشهدي في «المزار» والسيد علي بن طاووس في «المصباح» قالا: زيارة مروية عن الأئمة عليهم السلام: إذا أردت ذلك . . . إلى أن قال عليه السلام: ثم قبله وقل: بأبي وامي يا آل المصطفى إنا لا نملك إلا أن نطوف حول مشاهدكم ونعزي فيها أرواحكم – الزيارة .
قلت: جعل الشيخ [الحر العاملي] عنوان الباب عدم جواز الطواف ولم يذكر فيه إلا الصادقي وغيره: لا تشرب وأنت قائم، ولا تطف بقبر، ولا تبل في ماء نقيع – إلى آخر الحديث.
والمراد بالطواف الحدث في هذه الأخبار، بقرينة قوله: ولا تبل. ويؤيده أن الكليني روى في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام قال: من تخلى على قبر، أو بال قائما في ماء قائم، أو مشى في حذاء واحد، أو شرب قائما، أو خلا في بيت وحده، أو بات على غمر، فأصابه شيء من الشيطان لم يدعه إلا أن يشاء الله. وأسرع ما يكون الشيطان إلى الإنسان وهو على بعض هذه الحالات.
وروى أيضا بسند آخر عن محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام أنه قال: لا تشرب وأنت قائم، ولا تبل في ماء نقيع، ولا تطف بقبر، ولا تخل في بيت وحدك، وذكر باقي الخبر باختلاف في الألفاظ. والمتأمل يعلم اتحاد الخبرين وأن أحدهما نقل لآخر.
وقال الجزري: الطوف: الحدث من الطعام، ومنه الحديث: نهى عن المتحدثين على طوفهما: أي عند الغائط. فظهر أنه لا معارض لما دل على جواز الطواف بالقبور بمعناه الشائع. ولذا ذكرنا العنوان: جواز الطواف. ولو سُلّم فالنسبة بينهما بالعموم والخصوص. فلا بأس بالطواف حول قبورهم عليهم السلام»)) انتهى. [مستدرك الوسائل، ج10، ص366-367].
وقال العلامة المامقاني: ((وأما ما ورد من النهي عن طواف القبر في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا تشرب وأنت قائم، ولا تطف بقبر، ولا تبل في ماء نقيع، فإنّه من فعل ذلك فأصابه شيء فلا يلومنّ إلّا نفسه. الحديث. وخبر ابن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام أنه قال: لا تشرب وأنت قائم، ولا تبل في ماء نقيع، ولا تطف بقبر، الحديث، فيلزم حمله إمّا على الطواف سبعا بخصوصيّاته الكثيرة المخصوص بالكعبة المطهرة الغير المشروع في غيرها، فيكون إشارة إلى ردّ الصوفيّة من العامّة حيث يطوفون سبعا بقبر مشايخهم، أو حمله على الكراهة بقرينة السياق والتعليل، وتخصيصه بغير قبور الأئمة عليهم السّلام بحكم ما مرّ من الأخبار، أو حمله على إرادة التغوّط على القبر من الطواف به كما فسّره بذلك في مجمع البحرين حيث قال: والطوف: الغائط، ومنه الخبر: لا يصلي أحدكم وهو يدافع الطوف، ومنه الحديث: لا تبل في مستنقع ولا تطف بقبر، ويشهد به اقترانه بالبول في الماء وغيره من المكروهات)) [مرآة الكمال لمن رام درك مصالح الأعمال، ج٣، ص٢١٧-219].
والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.