تفاصيل المنشور
- السائل - رضا الموسوي
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 31 مشاهدة
تفاصيل المنشور
هناك مجموعةٌ تطلِق على نفسها (القُربان) ظهرت في محافظة ذي قار، تحث أتْباعها على الانتحار، وتقرِّبهم بذلك باسم الإمام علي (عليه السلام)! نريد منكم بيانًا واضحًا حول حقيقة هذه الفرقة المنحرفة وموقف التشيُّع منها.
السائل
رضا الموسوي
هناك مجموعةٌ تطلِق على نفسها (القُربان) ظهرت في محافظة ذي قار، تحث أتْباعها على الانتحار، وتقرِّبهم بذلك باسم الإمام علي (عليه السلام)! نريد منكم بيانًا واضحًا حول حقيقة هذه الفرقة المنحرفة وموقف التشيُّع منها.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.
إنّ ظهور جماعة “العللّاهية” أو ما يُسمى بـ”القُربان” في محافظة ذي قار، والتي تدّعي أُلوهيّة أمير المؤمنين (عليه السلام) وتدعو إلى طقوس الانتحار تحت مسمَّى “التضحية بالنفس”، ليس إلا انحرافًا صارخًا وشركًا بواحًا وضربًا متعمَّدًا لعقيدة الإسلام الخالص.. هذه الفئة الضالّة ليست سوى امتدادٍ للفكر الغالي الذي لعنه أهل البيت (عليهم السلام) ورفضوه أشدَّ الرفض، فكيف يأتي اليوم أقوامٌ يتجرَّؤون على إحياء هذه العقائد الفاسدة، وينسبونها إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)؟!
إنّ ادِّعاء الألوهيّة لعليّ (عليه السلام) ليس حبًّا له، بل هو طعنٌ في إمامته، وإفسادٌ لمقامه العظيم، وتشويهٌ لقِيَمه التي كانت قائمة على التوحيد الخالص.. أ لم يكن عليٌّ (عليه السلام) هو الذي مزّق أوثان الجاهلية بيديه؟ فكيف يُجعَل هو ذاته إلهًا؟! أ لم يكن هو القائل: “إنما هو إله واحدٌ، ونحن له عابدون”؟ فكيف يأتي أمثال هؤلاء الجهلة ليجعلوه معبودًا من دون الله؟ إنّ الغلوّ في الأئمة كان دائمًا سببًا للضلال؛ ولذلك نجد الإمام الصادق (عليه السلام) يقول في روايةٍ صريحة – لعَن فيها من ادَّعى الربوبيّة في أمير المؤمنين (عليه السلام) -: ((كان والله أمير المؤمنين عبدًا لله طائعًا، الويل لمن كذَّب علينا)) [بحار الأنوار، ج25، ص286]. فهل بعد هذا البيان الواضح يبقى لهؤلاء الغُلاة وجهٌ للدفاع عن بِدعتهم؟!
أما ما تدعو إليه هذه الشِّرذِمة من “القُربان” عبر الانتحار في المناسبات الدينيّة، فهو ليس إلّا بدعةً سوداء تخالف صريح القرآن والعقل والفطرة السليمة. لقد حرَّم الله قتل النفس تحريمًا قاطعًا في قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا} [النساء:30]، فأيّ “قربانٍ” يتحدَّثون عنه؟! أيّ دينٍ يسمح بهذه الجريمة النكراء؟! إذا كان الإسلامُ قد نهى حتى عن تعريض النفس للهلاك بغير حقٍّ، فكيف يأتون اليوم ليجعلوا القتل والانتحار عبادةً وقربانًا؟! أ ليست هذه دعوةٌ صريحةٌ إلى إزهاق الأرواح، وتشويهٌ لمفهوم الجهاد والتضحية؟! أيّ تشويهٍ أبشع مِن أنْ يُقلَب الإسلام رأسًا على عقِب، ليصبح قتل النفس طريقًا إلى التقرُّب من الله؟!
إنّ هذه الدعوات ليست مجرَّد انحرافٍ فكريٍّ عابر، بل هي جزءٌ من مخطَّطٍ خبيث لضرب التشيُّع من الداخل، وتصويره على أنه دينُ الانتحار والخُرافة. فمَن الذي يقف وراء نشر هذه العقائد المنحرفة؟ ومَن الذي يغذِّي هذا الفكر الشاذّ بين أبناء الشيعة؟ ولماذا تظهر هذه الجماعات في أوقاتٍ حرجة، حيث تسعى قوى الاستكبار العالميّ إلى تشويه صورة التشيُّع أمام العالم؟ إنّ المستفيد الأول من هذه الجماعة هم أعداء الإسلام الذين يريدون أنْ يحرِّفوا مسيرة أتْباع أهل البيت (عليهم السلام) ويجعلوا منهم أُضحوكةً للعالم، لكنْ هيهات أنْ يمرّ هذا المخطَّط، فالتشيُّع كانَ وسيبقى مذهب العقل والنصّ، ولن يكون أبدًا مرتعًا للخرافات.
إنّ موقف الأئمة (عليهم السلام) من الغُلاة كان واضحًا وضوحَ الشمس، فقد قال الإمام الرضا (عليه السلام): ((اللهمّ مَن زعم أنّا أربابٌ فنحن منه براء، ومَن زعم أنّ إلينا الخلق، وعلينا الرزق، فنحن براء منه كبراءة عيسى بن مريم عليه السلام من النصارى، اللهمّ إنّا لم ندعُهم إلى ما يزعمون، فلا تؤاخذْنا بما يقولون، واغفرْ لنا ما يدّعون، ولا تدعْ على الأرض منهم ديّارًا، إنك إنْ تذرهم يُضلُّوا عبادك، ولا يلدوا إلا فاجرًا كفّارًا )) [بحار الأنوار، ج25، ص345]، وقال الإمام الصادق (عليه السلام): ((الغُلاة شرُّ خلق الله، يصغِّرون عظمة الله، ويدّعون الربوبيّة لعباد الله، واللهِ إنّ الغُلاة شرٌّ من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا)) [الأمالي، الشيخ الطوسي، ص٦٨٠]، فهل بعد هذا البيان يبقى عذرٌ لمن يريد أنْ يعبث بعقيدة التشيُّع، ويحوِّلها إلى ساحةٍ للانتحار وعبادة البشر؟!
فالتشيُّع ليس دين عبادةِ الأشخاص، وليس تربةً خصبةً للخرافة والجهل، بل هو امتدادٌ لرسالة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) التي جاءت لتحطِّم الأصنام لا لتصنعَها، ومَن أراد أنْ يلوِّث هذه العقيدة النقيّة فليعلم أنه يقف أمام مدرسةٍ لا تساوم على التوحيد، ولا تقبل بتحريفات الجهَلة والمغرضين.. التشيُّع هو التوحيد الخالص، ولن يكون أبدًا حديقةً خلفيّةً للغُلاة والمهووسين.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.