مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

تفسير حديث الخلفاء، الرؤية الشيعية الوحيدة المقبولة

السائل = سيد جواد الجزائري
السؤال = حديث الخلفاء كما في حديث مسلم.. (لا يزال الدين قائمًا حتى تقوم الساعة، أو يكون اثنا عشر خليفةً، كلُّهم من قريش. هل هذا الحديث عندنا بنصِّه؟.. أقول: لماذا القول “أو يكون اثنا عشر خليفة”، ولم يقل “ويكون اثنا عشر” بدون “أو”؟ فهل “أو” تردد، أو إنّ الكلام صحيح؟

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..
ورد هذا الحديث في مصادرنا بمعناه، وقريب منه ببعض ألفاظه، من نحو ما رواه الشيخ ‏الصدوق في أماليه بسنده، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أنه قال: ((لا يزال أمر ‏أمتي ظاهرًا حتى يمضي اثنا عشر خليفة، كلُّهم من قريش)) [الأمالي، للشيخ الصدوق، ‏ص387 – 388].‏
وروى في الخصال بسنده عن جابر بن سمرة، أنه قال: ((أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وآله، ‏فسمعته يقول: إن هذا الأمر لن ينقضيَ حتى يملك اثنا عشر خليفة كلهم، فقال كلمة خفيّة، لم ‏أفهمها، فقلت لأبي: ما قال؟ فقال: قال عليه السلام: كلُّهم من قريش)) [الخصال، للشيخ الصدوق، ‏ص47].‏
وروى في الخصال – أيضًا – فقال: ((حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا عبد الرحمن ‏بن أبي حاتم، قال: حدثنا العلاء بن سالم، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا شريك، عن ‏سماك، وعبد الله بن عمير، وحصين بن عبد الرحمن، قالوا: سمعنا جابر بن سمرة يقول “دخلت ‏على رسول الله صلى الله عليه وآله مع أبي، فقال: لا تزال هذه الأمة صالحًا أمرُها، ظاهرة على ‏عدوِّها حتى يمضي اثنا عشر ملِكًا – أو قال: اثنا عشر خليفة – ثم قال كلمة خفيَتْ عليَّ، فسألت ‏أبي، فقال: قال: كلُّهم من قريش”)) [الخصال، للشيخ الصدوق، ص473].‏
وكلمة (أو يكون) ليست للترديد، وإنما هي بمعنى (إلى أن)، قال القرطبي: ((قوله “أو يكون عليكم” قيّدناه على مَن يوثَق بتقييده بالنصب، وتكون “أو” بمعنى “إلى أن”، كقول امرئ القيس:
فقلت له لا تبكِ عينُك إنما … نحاول مُلكًا أو نموت فنُعذَرا
وقد دلّ على هذا الرواية الأخرى، وهي قوله: “لا يزال هذا الأمر عزيزًا إلى اثني عشر خليفة، كلُّهم من قريش”؛ يعني به: أنه لا تزال عزّة دين الإسلام قائمةً إلى اثني عشر خليفةً من قريش)) [المفهِم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، ج4، ص8].
وقال الهرري الشافعي في “الكوكب الوهّاج”: ((يقول: “لا يزال” هذا الدين الإسلامي “قائمًا” أي مستقيمًا على نهجه وإقامة حدوده وتنفيذ أحكامه “حتى تقوم الساعة” أي حتى يقرب قيامها؛ لأن القيامة لا تقوم إلا على لُكع بن لكع “أو يكون” ويمضي “عليكم” اثنا عشر خليفة، أي لا يزال قائمًا ثابتًا إلى أن يمرّ عليكم اثنا عشر خليفةً، كلُّهم من قريش)) [الكوكب الوهّاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، للهرري، ج19، ص444، ط. دار المنهاج].
فمعنى “أو يكون عليكم” إلى أن يمرّ، ويمضي عليكم اثنا عشر خليفةً، كلُّهم من قريش.
وهذا الحديث لا يوجد تفسيرٌ صحيحٌ له إلا عند الشيعة الإمامية؛ لذا نجد مثل ابن الجوزي يقول في كتابه (كشف المشكل): ((هذا الحديث قد أطلتُ البحث عنه، وتطلّبت مظانَّه، ‏وسألت عنه، فما رأيت أحدًا وقع على المقصود به..)) .[كشف المشكل، لابن الجوزي، ج1، ص449].‏
ونقل ابن بطال عن المهلّب قوله: ((لم ألقَ أحدًا يقطع في هذا الحديث، يعني بشيءٍ معيَّن)). [‏فتح الباري، لابن حجر، ج13، ص182].
وقال أبو بكر ابن العربي: ((ولم أعلم للحديث معنى))، وهذا نصّ كلامه في شرح الحديث: ((روى ‏أبو عيسى عن جابر بن سمرة، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (يكون بعدي اثنا عشر ‏أميرًا، كلّهم من قريش). صحيح، فعددنا بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) من مُلك الحسن، معاوية، ‏يزيد بن معاوية، معاوية بن يزيد، مروان، عبد الملك بن مروان، الوليد، سليمان، عمر بن عبد ‏العزيز، هشام بن عبد الملك، يزيد بن عبد الملك، مروان بن محمّد بن مروان، السفّاح، المنصور، ‏المهدي، الهادي، الرشيد، الأمين، المأمون، المعتصم، الواثق، المتوكّل، المنتصر، المستعين، المعتز، ‏المهتدي، المعتمد، المعتضد، المكتفي، المقتدر، القاهر، الراضي، المتقي، المستكفي، المطيع، الطائع، ‏القائم، المهتدي وأدركته سنة أربع وثمانين وأربعمائة، وعهد إلى المستظهر أحمد ابنه، وتوفي في ‏المحرم سنة ست وثمانين، ثمّ بايع المستظهر لابنه أبي منصور الفضل، وخرجتُ عنهم سنة خمس ‏وتسعين.‏ وإذا عددنا منهم اثني عشر انتهى العدد بالصورة إلى سليمان بن عبد الملك، وإذا عددناهم بالمعنى ‏كان معنا منهم خمسة: الخلفاء الأربعة وعمر بن عبد العزيز!‏ ولم أعلم للحديث معنى، ولعلّه بعض حديث. وقد ثبت أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال: “كلّهم من ‏قريش”)). [شرح ابن العربي على صحيح الترمذي، ج9، ص68ـ 69].‏
وقد صرّح بعض علماء أهل السُّنة، كالحافظ الحنفي الذي قال في كتابه (ينابيع المودّة ‏لذوي القربى)، ما نصه: ((قال بعض المحققين: إنّ الأحاديث الدالة على كون الخلفاء ‏بعده (صلى الله عليه وآله) اثني عشر قد اشتهرت من طرقٍ كثيرة، فبشرح الزمان وتعريف الكون ‏علم أنّ مراد رسول الله (صلى الله عليه وآله) من حديثه هذا الأئمة الاثنا عشر من أهل بيته ‏وعترته؛ إذ لا يمكن أن يحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه، لقلّتهم عن اثني عشر، ‏ولا يمكن أن يحمله على الملوك الأموية لزيادتهم على اثني عشر، ولظلمهم الفاحش إلا عمر بن ‏عبد العزيز، ولكونهم غير بني هاشم؛ لأنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (كلّهم من بني هاشم) ‏في رواية عبد الملك بن جابر، وإخفاء صوته (صلى الله عليه وآله) في هذا القول يرجّح هذه ‏الرواية؛ لأنّهم لا يحسنون خلافة بني هاشم، ولا يمكن أن يحمله على الملوك العباسية لزيادتهم ‏على العدد المذكور، ولقلّة رعايتهم الآية {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} ‏وحديث الكساء، فلا بدّ من أن يُحمل هذا الحديث على الأئمة الاثني عشر من أهل بيته ‏وعترته (صلى الله عليه وآله)؛ لأنّهم كانوا أعلم أهل زمانهم وأجلّهم وأورعهم وأتقاهم، وأعلاهم ‏نسبًا، وأفضلهم حسبًا، وأكرمهم عند الله، وكان علومهم عن آبائهم متصلًا بجدّهم (صلى الله عليه ‏وآله) بالوراثة واللدنّية، كذا عرفهم أهل العلم والتحقيق وأهل الكشف والتوفيق)) [ينابيع المودة لذوي القربى، للقندوزي، ج٣، ص٢٩٣‏].
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين ‏المعصومين المنتجَبين.‏‏