تفاصيل المنشور
- السائل - حسن أبو مجتبى
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 70 مشاهدة
تفاصيل المنشور
السلام عليكم .. عندي سؤال وأرجو أن تجيبوني عليه : عندما حدّد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلّم ) عدد الخلفاء من بعده باثني عشر خليفة ، لماذا عجز أهل السنّة عن تنظيمهم رقميّاً، حيث نجد الاضطراب عندهم من هذه الناحية ؟!
السائل
حسن أبو مجتبى
السلام عليكم .. عندي سؤال وأرجو أن تجيبوني عليه : عندما حدّد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلّم ) عدد الخلفاء من بعده باثني عشر خليفة ، لماذا عجز أهل السنّة عن تنظيمهم رقميّاً، حيث نجد الاضطراب عندهم من هذه الناحية ؟!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
من المسائل الّتي حار فيها أهل السنّة ولم يجدوا تفسيراً صحيحاً لها على مبانيهم، هو موضوع عدد الخلفاء الّذي يثيره الحديث المعروف بحديث ( الخلفاء من بعدي اثنا عشر ) بصيغه المتعددة الواردة عن خاتم الرسل(صلى الله عليه وآله).
فهذا االحديث – بألفاظه المختلفة – لا يمكن لأهل السنّة والجماعة إنكاره أو ردّه؛ لأنّه مبثوث في كتبهم المعتبرة عندهم كصحيح البخاري ، وصحيح مسلم, ومسند أحمد، وسنن أبي داود, وسنن الترمذي، ومعاجم الطبراني وغيرها.. فهذا الحديث يرويه البخاري مثلا من ثلاثة طرق, وأحمد من طرق عدّة تبلغ الثلاثين, وهكذا غيرهم.
والمشكلة الّتي واجهت أهل السنّة عموماً وشرّاح هذا الحديث بالخصوص أنّهم لم يجدوا له معنىً يستقيم ومشربهم الذي يذهبون إليه في موضوع الخلافة .
ولنذكر في البداية شيئاً من ألفاظ هذا الحديث, ثمّ نذكر بعد ذلك أقوال بعض الشرّاح عنه، لننتهي إلى القول الفصل في المراد منها، وتجدر الإشارة إلى أنّ هذا الحديث يعدّ من الأحاديث الشريفة الصحيحة القليلة المتّفق عليها عند السنّة والشيعة معاً وبلا خلاف!! :
1 ـ أخرج البخاري وأحمد والبيهقي وغيرهم عن جابر بن سمرة, قال: سمعت النبيّ(صلى الله عليه وآله) يقول: (يكون اثنا عشر أميراً) فقال كلمة لم أسمعها, فقال أبي: إنّه قال: ( كلّهم من قريش ).( صحيح البخاري 8: 127 كتاب الأحكام، مسند أحمد بن حنبل 5: 90، دلائل النبوة للبيهقي 6: 519)
2 ـ أخرج مسلم عن جابر بن سمرة قال: دخلت مع أبي على النبيّ(صلى الله عليه وآله) فسمعته يقول: ( إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتّى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة ). قال: ثمّ تكلّم بكلام خُفي عليَّ. قال: فقلت لأبي: ما قال؟ قال: (كلّهم من قريش). ( صحيح مسلم 6: 3 كتاب الإمارة, باب الناس تبع لقريش, والخلافة في قريش)
علماء السنّة حيارى حيال هذه الأحاديث :
لقد حاول علماء أهل السنّة جاهدين تفسير هذا الحديث بما يتفق ومذاهبهم, فذهبوا ذات اليمين وذات الشمال لا يهتدون في ذلك إلى شيء, حتّى أعوزتهم الحجّة فاضطروا إلى الاعتراف بعجزهم عن تفسيره بما يتفق ومذاهبهم في الخلافة بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله).
قال ابن الجوزي في (كشف المشكل): (( هذا الحديث قد أطلتُ البحث عنه, وتطّلبت مظانّه, وسألت عنه, فما رأيت أحداً وقع على المقصود به..)). ( كشف المشكل 1: 449، وذكر ابن حجر هذه العبارة في فتح الباري 13: 183)
ونقل ابن بطال عن المهلب قوله: (( لم ألق أحداً يقطع في هذا الحديث – يعني بشيء معين – )). ( فتح الباري 13: 182)
وقال أبو بكر ابن العربي: (( ولم أعلم للحديث معنى )). ( شرح ابن العربي على صحيح الترمذي 9: 68 ـ 69)
ولا نريد هنا أن نستعرض كلّ من تعرّض من علماء أهل السنّة لهذا الحديث أو أراد أن يسبر غوره ففشل في ذلك .
إلا أنّ الّذي يستوقف المتابع هو: لماذا يذهب الشرّاح من أهل السنّة في هذا الحديث ذات اليمين وذات الشمال ثمّ لا يهتدون إلى شيء ويتركوا الأحاديث الصحيحة الواردة عندهم الّتي تعينهم على التفسير الصحيح لهذا الحديث, فأنّا قد وجدنا بعضهم استعان حتّى بالتوراة المحرّفة في سبيل الوصول إلى تفسير لهذا الحديث ولم يفلح[ اُنظر البداية والنهاية 6: 280 لتقف على تفسير أبي الجلد للحديث, والّذي صرّح ابن كثير بأنّ أبا الجلد كان ينظر في شيء من الكتب المتقدّمة, ثمّ ذكر ما يفيد ذلك من التوراة المتداولة بأيدي أهل الكتاب ], والحال أنّ تفسير الحديث بالحديث خير لهم من تفسير الحديث بالظنّ أو التوراة المحرّفة ؟!
وقد يكون سبب الإعراض عن تفسير الحديث بالحديث أنّهم لم يجدوا في كتبهم الحديثية شيئاً يعينهم على تفسير الحديث بحسب مذهبهم في الخلافة, بل العكس وجدوا أحاديثاً تناهض ما يذهبون إليه في موضوع الخلافة .
فهم مثلاً يروون أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال: ( الخلافة ثلاثون سنة, ثمّ تكون بعد ذلك ملكاً )( اُنظر سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني 1: 742 ح 459 ينقل تصحيحه عن: الحاكم والذهبي وابن حبّان وابن حجر وابن جرير الطبري وابن تيمية).. وهو يناقض ما ذهبوا إليه من تعيين بعض الأسماء للخلافة من الحكام الأمويين والعباسيين!
أو هذا الحديث: (( قال سعيد, فقلت له [ أي: لسفينة راوي الحديث]: إنّ بني اُمية يزعمون أنّ الخلافة فيهم. قال: كذبوا بنو الزرقاء, بل هم ملوك من شرّ الملوك )). ( سنن الترمذي 3: 341 قال: حديث حسن، تحفة الأحوذي 6: 397, قال المباركفوري: وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي, قال الحافظ في الفتح بعد ذكر الحديث: أخرجه أصحاب السنن وصحّحه ابن حبّان وغيره )
ولن نجد تفسيراً صحيحاً لهذا الحديث الشريف سوى ما عليه الشيعة الإمامية, فهذه الطائفة من المسلمين هي الوحيدة التي ينطبق عليها هذا الحديث الشريف ، وهي الوحيدة التي تفسّره التفسير الصحيح بالاستناد إلى الأحاديث الصحيحة المروية في كتب أهل السنّة أنفسهم .
فقد ورد في كتب أهل السنة بسند صحيح عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّه قال: ( إني تارك فيكم خليفتين : كتاب الله ، حبل ممدود ما بين الأرض والسماء،وعترتي أهل بيتي ، وأنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض ). ( إني تارك فيكم خليفتين : كتاب الله ، حبل ممدود ما بين الأرض والسماء،وعترتي أهل بيتي ، وأنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض ).( صحيح الجامع الصغير للألباني 1: 482، مسند أحمد بن حنبل ، برقم : 21654، تصحيح شعيب الأرنؤوط ، مجمع الزوائد 1: 170 ، قال الهيثمي : رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات ، 9: 162 ، قال الهيثمي : رواه أحمد وإسناده جيد )
ففي هذا الحديث الصحيح توجد دلالات أربع :
الأولى : أنّ العترة هم الخلفاء بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
الثانية : أنّ العترة تكون هادية مهدية إلى يوم القيامة ، وهذا هو معنى عدم الافتراق عن القرآن الذي نصّ عليه علماء أهل السنة عند شرحهم للحديث المذكور .
الثالثة : استمرار خلافة العترة إلى يوم القيامة ، كما نصّ على ذلك علماء أهل السنة أنفسهم عند شرحهم لهذا الحديث.
الرابعة : كونهم من قريش ، لأنّ العترة من بني هاشم ، وبنو هاشم من قريش .
فإذا لاحظنا هذا الحديث الصحيح بما فيه من دلالات أربع ولاحظنا حديث الخلفاء من بعدي اثنا عشر – المتقدّم بيانه – ننتهي إلى نتيجة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار .
فحديث الخلفاء من بعدي اثنا عشر يشير إلى استمرار خلافتهم إلى يوم القيامة ، حيث جاء فيه : ( لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة، كلّهم من قريش ). ( صحيح مسلم 6: 4 كتاب الإمارة عن جابر بن سمرة)
يقول ابن كثير في تاريخه : (( قال ابن تيميّة: وهؤلاء المبشّر بهم في حديث جابر بن سمرة وقرّر أنّهم يكونون مفرّقين في الاُمّة ولا تقوم الساعة حتّى يوجدوا )). انتهى ( تاريخ ابن كثير 6 : 249 ـ 250)
وعن ابن حجر في “فتح الباري” : (( ولا بدّ من تمام العدة قبل قيام الساعة)). انتهى ( فتح الباري 13: 211)
وأيضا يشير هذا الحديث إلى أنّ هؤلاء الخلفاء هم من الصالحين : ( لا يزال هذا الأمر صالحا ).( انظر مسند أحمد 5: 97، 107)
يقول ابن كثير في تفسيره : (( ومعنى هذا الحديث البشارة بوجود اثني عشر خليفة صالحا يقيم الحق ويعدل فيهم ولايلزم من هذا تواليهم وتتابع أيامهم… ولاتقوم الساعة حتى تكون ولايتهم لا محالة والظاهر أن منهم المهدي المبشر به في الأحاديث الواردة بذكره)).انتهى ( تفسير ابن كثير2: 34)
فحديث الخلفاء من بعدي اثنا عشر فيه دلالات أربع : الصلاح ، النصّ على خلافتهم ،استمرار هذه الخلافة إلى يوم القيامة ، وأنّهم من قريش… وهي نفسها دلالات حديث الثقلين المتقدّمة من دون زيادة ولا نقيصة … وبمقتضى الجمع بين الحديثين الشريفين ( الثقلين والخلفاء من بعدي اثنا عشر ) ننتهي إلى نتيجة واضحة جدّاً وضوح الشمس في رابعة النهار ،حاصلها : أنّ الخلفاء الأثني عشر الذين تستمر خلافتهم إلى يوم القيامة هم من عترة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم ) لا غير .. ولم يصرّح جماعة أو فرقة من فرق المسلمين بموالاة اثني عشر خليفة أو إماماً من العترة سوى الشيعة الإمامية ، وبهذا يثبت المطلوب… والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
ودمتم سالمين