مركز الدليل العقائدي

بين رسول الله والإمام الحسين وحدةُ الكمال الروحيّ والنهج الرساليّ

تفاصيل المنشور

السؤال

السلام عليكم ـ هل أورد علماءُ الشيعة تفاسير أو آراء لمعنى قول النبي (صلى الله عليه وآله): “وأنا من حسين”؟ وقد استشكل بعض أهل السُّنة في صحة هذا الحديث بالقول: (كيف لرسول الله أنْ ينسب نفسه للحسين، ويجعل مقامه من مقام الحسين، والنبيّ يعلم أنه أفضل مقامًا)؟

السائل

طالب علم

تفاصيل المنشور

السؤال

السلام عليكم ـ هل أورد علماءُ الشيعة تفاسير أو آراء لمعنى قول النبي (صلى الله عليه وآله): “وأنا من حسين”؟ وقد استشكل بعض أهل السُّنة في صحة هذا الحديث بالقول: (كيف لرسول الله أنْ ينسب نفسه للحسين، ويجعل مقامه من مقام الحسين، والنبيّ يعلم أنه أفضل مقامًا)؟

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله، وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، محمدٍ وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.

روى أحمد في مسنَده حديثَ رسولِ الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((‌حسينٌ ‌مني، ‌وأنا ‌من ‌حسين، أحَبَّ اللهُ مَن أَحبَّ حسينًا، حسينٌ سبطٌ من الأسباط )) [مسند أحمد، ج29، ص103، ط. الرسالة].

وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنَّفه. [مصنف ابن أبي شيبة، ج12، ص102]. والبخاري في تاريخه. [التاريخ الكبير، ج8، ص415]. والطبَراني في “الكبير”. [المعجم الكبير، ج22، ص702]، والمزِّي في ترجمة سعيد بن أبي راشد من “تهذيب الكمال”، من طريق عفّان، بهذا الإسناد. [تهذيب الكمال، ج10، ص426-427]. وصحَّحه الحاكم، ووافقه الذهبيّ. [المستدرك على الصحيحين، للحاكم، ج3، ص194، ط. العلمية]. وقال التِّرمِذي: ((هذا حديثٌ حسنٌ)) [الجامع الصحيح، ج5، ص324]، وحسَّنه الألبانيّ [سُنن ابن ماجه، ج1، ص51، تـ. عبد الباقي]. وصحَّح حديث يعلى بن مرة ‏ في “الصحيحة”. [سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، للألباني، ج3، ص‏‏229].‏ وفي الزوائد: إسناده حسنٌ. [مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ج9، ص181]. وصحَّحه ابن حِبّان في “الموارد”. [موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، ج7، ص197، تـ. حسين أسد].

وفي شرح الحديث قال السِّندي في حاشيته: ((قوله: (‌حسينٌ ‌مني، ‌وأنا ‌من ‌حسينٍ) أيْ بيننا من الاتّحاد والاتّصال ما يصحُّ أنْ يقال: كلٌّ منهما مِن الآخر)) ‏[حاشية السندي على سنن ابن ماجه، ج1، ص65].‏

وفي “تحفة الأحوذيِّ”، قال المباركفوري: ((قوله: “‌حسينٌ ‌مني، ‌وأنا ‌من ‌حسين”، قال القاضي: كأنه صلى الله عليه وسلم بنور الوحي ما سيحدُث بينه وبين القوم، فخصَّه بالذِّكر، وبيَّن أنهما كالشيء الواحد في وجوب المحبة وحرمة التعرُّض والمحاربة، وأكَّد ذلك بقوله: “أَحبَّ اللهُ مَن أَحبَّ حسينًا”، فإنَّ محبتَه محبةُ الرسول، ومحبةُ الرسول محبةُ الله)) ‏[تحفة الأحوذيّ، ج10، ص178].‏

وأما ‏(كيف لرسول الله أنْ ينسب نفسه للحسين، ويجعل مقامه من مقام الحسين، والنبي يعلم أنه أفضل ‏مقامًا)؟

فجوابه:

أنَّ عبارة (‏‌وأنا ‌مِن ‌حسين‏)، الواردة في الحديث الصحيح عن النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم)،  لا ترمي إلى مقارنةٍ مقاميَّةٍ حتى يُقال كيف وكيف، بل تعكس عُمق العلاقة الروحيّة بين ‏النبيِّ‏ (صلى الله عليه وآله وسلم)‏ والإمام الحسين (عليه السلام)‏، وتدلُّ على وحدة في الرسالة والموقف‏.

وإنْ أصرَّ المستشكلُ على أنَّ العبارة تدلُّ على مقارنةٍ مقامية،  فإننا نورد ما يقابله من حديثٍ رواه مسلمٌ في صحيحه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أنه قال لـ “جليبيب الأنصاري” (‏‌هذا ‌مني، ‌وأنا ‌منه)، حيث رَوى مسلمٌ بسنده عن أبي برزة ‏((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في مغزًى له، فأفاء اللهُ عليه، فقال لأصحابه: هل تفقدون مِن ‏أحدٍ؟ قالوا: نعم، فلانًا وفلانًا وفلانًا، ثم قال: هل تفقدون مِن أحدٍ؟ قالوا: نعم، فلانًا وفلانًا وفلانًا، ثم ‏قال: هل تفقدون من أحدٍ؟ قالوا: لا. قال: لكني أفقد جليبيبًا، فاطلبوه. فطُلب في القتلى، فوجدوه إلى ‏جنب سبعةٍ، قد قتلهم، ثم قتلوه، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فوقف عليه، فقال: قَتل سبعةً، ثم ‏قتلوه، ‌هذا ‌مني، ‌وأنا ‌منه، ‌هذا ‌مني، ‌وأنا ‌منه)).‏ ‏[صحيح مسلم، ج7، ص152، ط. التركية]. ‏

فنقول لهم: فكيف لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنْ ينسبَ نفسه لـ “جليبيب الأنصاري”،‏ ويجعل مقامه من مقام “جليبيب” والنبي يعلم أنه أفضل ‏مقامًا؟!

يخلص الجواب إلى الآتي:

أنَّ بعض أهل السُّنة استشكلوا قول النبي ‏(صلى الله عليه وآله وسلم)‏: “وأنا من حسين”، معتبِرين أنَّ نسبة النبي نفسه إلى الحسين لا تتناسب مع علوِّ مقامه، غيرَ أنَّ هذا الاستشكال يمكن تفنيده بتوضيح أنَّ العبارة لا ترمي إلى مقارنة مقاماتٍ حتى يُقال: كيف وكيف، بل تعكس عُمق العلاقة الروحيّة بين النبي‏ (صلى الله عليه وآله وسلم)‏ والإمام الحسين (عليه السلام)، وإلّا فإننا نجد في صحيح مسلم حديثًا مشابهًا يقول فيه النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عن “جليبيب الأنصاري”: (هذا مني، وأنا منه). فالنبيُّ هنا يربط نفسه بـ “جليبيب”، على رغم الفارق الشاسع في المقام، مما يؤكِّد أنَّ هذه العبارة لا تستند إلى مقارنةٍ مقامية.

وعليه، فإنَّ عبارة “وأنا من حسين” تعكس اتصالًا روحيًّا خاصًّا بين النبيِّ والحسين، وتدلُّ على وحدةٍ في الرسالة والموقف، لا سيما فيما يتعلَّق بحبِّ الإمام الحسين وحرمةِ محاربته، دون أنْ تتضمَّن أيَّ تلميحٍ إلى تفاضلٍ في المقام.

والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.