مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

بيان الحاجة إلى الإمام مع وجود القرآن

تفاصيل المنشور

الاشكال

إنَّ ما جاء به النبيّ صلى الله عليه وسلم هو ما عليه اليوم لم يتغير حكم ولم تتبدلّ شريعة، فما حاجتنا إلى إمام أو خليفة ونحن في هذا الزمان لا يوجد بين أيدينا سوى القرآن، فما من إمام ولا خليفة؟!

المستشكل

سهى صبحي

تفاصيل المنشور

الاشكال

إنَّ ما جاء به النبيّ صلى الله عليه وسلم هو ما عليه اليوم لم يتغير حكم ولم تتبدلّ شريعة، فما حاجتنا إلى إمام أو خليفة ونحن في هذا الزمان لا يوجد بين أيدينا سوى القرآن، فما من إمام ولا خليفة؟!

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله المطهرين..
الحاجة إلى الإمام هي لمعرفة العقيدة السليمة والأحكام الشرعية الصحيحة من الدخيلة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فالصلاة مثلاً تجد المسلمون يختلفون فيها من مبتداها إلى منتهاها، وعلى سبيل المثال: هل السورة واجبة فيها أو لا؟ هل البسملة يجب الإتيان بها أو لا؟ هل يصحّ قول (آمين) بعد قراءة الحمد أو لا؟ هل يجوز التكتف في الصلاة أو لا؟
وهكذا تجد عشرات المسائل الخلافية التي تُطرح – بين المذاهب الإسلامية – في فريضة واحدة هي فريضة الصلاة، فما بالك ببقية الفرائض والأحكام؟!
وحديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المتواتر بافتراق الأمة من بعده إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلّها في النار والناجية منها واحدة، يدلّ دلالة واضحة على لزوم الإئتمام بأئمة الهدى حتّى يأخذوا بأيدينا إلى سبيل الفلاح والنجاة وأن نتجنّب أئمة الضلال الذين يوردونا المهالك والخسران.
ولنأخذ هذا المثال ليتّضح لنا المطلب المطروح هنا:
متعة الحجّ جاء تشريعها في القرآن الكريم بنصّ واضح وصريح، قال الله تعالى في كتابه الكريم: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيّام فِي الْحَجِّ وَسَبْعَة إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشْرَةٌ كامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ شَديدُ الْعِقابِ}. [البقرة:196].
ففي هذه الآية الكريمة نصّ صريح في تشريع متعة الحجّ.
والمراد بالتمتع بالعمرة إلى الحجّ: أنّ القادم إلى البيت الحرام لغرض الحجّ يقوم بالإحرام للعمرة من أحد المواقيت المعروفة للحجّ ثمّ يدخل مكة فيطوف سبعة أشواط بالبيت العتيق ثمّ يصلّي ركعتي الطواف بالمقام ثمّ يسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط، ثمّ يقصّـر، فإذا فعل ذلك فقد أحلّ من كلّ شيء أحرم منه، فله التمتّع بأي شيء شاء من الأُمور المحلّلة بالذات إلى أن ينشئ إحراماً آخر للحجّ من مكة يوم التروية وبعدها يمضي إلى عرفات فيقف بها إلى الغروب، ثمّ يكمل بقية المناسك كما هو منصوص عليه في باب الحج.. فقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ}، يراد به هو التمتع بمحظورات الإحرام بسبب أداء العمرة فيبقى متحلّلاً متمتِّعاً إلى أن يحرم للحجّ في يوم التورية.
وفي هذا الجانب يروي مسلم في “صحيحه” عن جابر بن عبد اللّه في حديث مفصّل أنّه قال: ((لسنا ننوي إلاّ الحجّ، لسنا نعرف العمرة، حتّى إذا أتينا البيت معه استلم الركن ـ إلى أن يقول: ـ حتّى إذا كان آخر طوافه (النبي) على المروة، فقال: لو انّي استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليُحلّ وليجعلها عمرة، فقام سراقة بن مالك بن جُعشم فقال: يا رسول اللّه، ألعامنا أم لأبد؟ فشبّك رسول اللّه أصابعه واحدة في الأُخرى، فقال: دخلت العمرة في الحج مرتين: لا، بل لأبد أبد)) [صحيح مسلم، ج4، ص40، باب حجّة النبي].
وهذا النوع من الحجّ هو الذي نهى عنه عمر بن الخطاب أيام خلافته وأمر المسلمين بأن يكون حجّهم حجّ إفراد لا حجّ تمتع [فالحجّ ثلاثة أنواع: حجّ إفراد وهو الذي تلحقه عمرة مفردة ولا يكون فيه هدي أصلا، وحجّ قران وهو نفسه حجّ الإفراد ولكن الحاج فيه يقرن – أي يسوق – الهدي معه، وحجّ تمتع وهو الذي يأتي فيه بالعمرة أوّلا ثمَّ يتخلله فترة تحلّ فيها محظورات الإحرام ثمَّ يحرم ثانية للحجّ يوم التروية ].
نقل البويصري في “إتحاف الخيرة المهرة” عن جابر بن عبد الله، قال: ((لمّا ولي عمر بن الخطاب، خطب الناس فقال: إنّ القرآن هو القرآن، وإنّ الرسول هو الرسول، وإنّما كانت متعتان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأنا أنهى الناس عنهما وأعاقب عليهما إحداهما متعة الحجّ، فافصلوا حجّكم من عمرتكم فإنّه أتم لحجّكم وأتمّ لعمرتكم، والأخرى: متعة النساء، فلا أقدر على رجل تزوج امرأة إلى أجل إلّا غيبته في الحجارة)). [إتحاف الخيرة المهرة، ج3، ص173، قال البوصيري: رواه أبو يعلى بسند صحيح].
وهذا الكلام من عمر بن الخطاب واضح فيه أنّه يريد النهي التحريمي – لا النهي التنزيهي الكراهتي كما يريد البعض أن يعتذر له – لأنّ المكروه لا يعاقب عليه فاعله ولا يغيب بالحجارة من أتى به !! وهذا اجتهاد صريح منه مقابل النص، وباعتراف صاحب الشأن نفسه حين قال: ((إنّ القرآن هو القرآن، وإنّ الرسول هو الرسول))، فهو يريد أن يقول إنّه لم يأت في القرآن الكريم ولا السنّة الشريفة شيء ينهي عن متعة الحج أو متعة النساء، فالتشريع في هذا الجانب هو التشريع ولكنني أنا أريد أن انهي عن هذا التشريع وأعاقب مَن يأتي به!!
وهذا الفهم، أي إرادة النهي التحريمي هو الذي فهمه الصحابة من قول عمر، فها هو عمران بن حصين يصرّح – كما في البخاري ومسلم – : ((نزلت آية المتعة في كتاب الله، ففعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينزل قرآن يحرّمه، ولم ينه عنها حتى مات، قال رجل برأيه ما شاء، قال محمد [أي البخاري]: يقال إنّه عمر)) [صحيح البخاري، ج5، ص158، كتاب تفسير القرآن، تفسير قوله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج}؛ صحيح مسلم، ج4، ص48، باب جواز التمتع، وفيه: لم تنزل آية تنسخ آية متعة الحج]، وهذا البيان أدلّ في فهم الصحابة للنهي التحريمي من قبل عمر بن الخطاب المساوق للنسخ والمنع.
وروى القرطبي في تفسيره عن سالم قال: ((إنّي لجالس مع ابن عمر في المسجد إذ جاءه رجل من أهل الشام فسأله عن التمتّع بالعمرة إلى الحجّ، فقال ابن عمر: حسن جميل، قال: فإنّ أباك كان ينهى عنها، فقال: ويلك فإن كان أبي نهى عنها وقد فعله رسول اللّه (صلى الله عليه وسلم) وأمر به أفبقول أبي آخذ أم بأمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم؟! قم عنّي)) [تفسير القرطبي، ج2، ص388؛ وانظر: ضعيف سنن الترمذي، ص96، ح12، قال الألباني: صحيح الإسناد].
وهذا إنكار واضح من ابن عمر لدعوى أبيه ورفضه لها، وإلّا لو كان نهي عمر في مقام المصلحة أو الفائدة للمسلمين أو النهي التنزيهي الكراهتي – كما يريد البعض ترقيع الموقف في المسألة – لما فات ذلك أقرب الناس إليه وهو ابنه الذي يعدّ من أكابر الفقهاء عند أهل السنّة والجماعة؟!
هذا، وقد تصدى أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) لبدعة عمر هذه في الدين، ومن تابعه عليها، فقد روى البخاري عن مروان بن الحكم أنه قال: ((شهدت عثمان وعلياً، وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما؛ فلمّـا رأى عليّ، أهلّ بهما، لبّيك بعمرة وحجّة، قال: ما كنت لأدع سنّة النبي صلى الله عليه وسلم لقول أحد)) [صحيح البخاري، ج2، ص142، باب التمتع والاقران والإفراد بالحجّ].
وهنا نسأل: هل يحقّ لأحد أن يدافع عن عمر وعثمان لمخالفتهما الصريحة هذه لكتاب الله وسنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!
نترك الجواب للشيخ الألباني ليجيبنا عن هذا التساؤل بالذات، إذ يقول في كتابه “المسائل العلمية والفتاوى الشرعية”: ((…أمّا بالنسبة لعمر بن الخطاب فالقضية ليست مجرد أنّه أفرد وإنّما القضية الأهم من تلك أنّه نهى عن التمتع بالعمرة الى الحجّ.
فنحن الآن نسأل هذا السائل ومن يدّعي الغيرة على الصحابة هل هو يوافق عمر بن الخطاب على نهيه عن التمتع بالعمرة الى الحجّ؟! لا أعتقد ذلك… جاء في صحيح مسلم عن حديث عمران بن حصين قال: تمتعنا مع رسول الله متعة الحج ثمّ لم ينزل القران بنسخه ثمّ قال رجل براية ما شاء.
هذا رد ناعم ولطيف فهو بقوله (ثمّ قال رجل…) يشير إلى عمر أنّه اجتهد فنهى الناس عن التمتع، فهو ليس بالجاهل ولكن بدا له شيء جعله يأمر المسلمين بالإفراد وينهاهم عن التمتع، وعثمان بن عفان جرى على سنن عمر ابن الخطاب في النهي عن التمتع بالعمرة الى الحج فوقف في وجهه علي ابن ابي طالب وقال: مالك تنهى عن شيء فعلناه مع رسول الله -ص- لبيك اللهم بحجة وعمرة – قالها في وجـه الخليفـة – … فعمر بن الخطاب نهى عن التمتع ولكن الرسول أمــر بها فينبغي أن نبحث الموضوع بحثا علميا، فهل هناك مسلم مهما كان محبا لعمر ابن الخطاب يمكن أن يجعل نفسه عمريا في كل مسألة؟ هذا يستحيل لأنه سيجد عمر يقول قولا والصواب بخلافه)) [المسائل العلمية والفتاوى الشرعية، للألباني، ص126-127].
وبلحاظ ما تقدّم هنا ستعرف من هم الأئمة الذين قصدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله فيما رواه مسلم في صحيحه عن حذيفة بن اليمان: أنّ رسول الله قال: ((سيكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان أنس)). [صحيح مسلم، ج6، ص20، باب الأمر بلزوم الجماعة عند ظهور الفتن].
فهؤلاء الأئمة الذين لا يهتدون بهدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا يستنون بسنّته على المسلم اجتناب اتّباعهم حتّى لا يدخل النار بضلالهم وعليه الاقتداء بأئمة الهدى الذين لا يضلّ باتّباعهم أبداً.
والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.