مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

باعث الخوف عند الإنسان ليس مبررا لنشأة الدين

تفاصيل المنشور

الاشكال

التدين ظاهرة ناتجة عن خوف الإنسان من تقلبات الطبيعة ومن كوارثها، وقد يرتبط بفقر الحال، لذلك نجد أكثر المتدينين من الفقراء والمضطرين وذوي الحاجات والأمراض.

المستشكل

Aram Dawood

تفاصيل المنشور

الاشكال

التدين ظاهرة ناتجة عن خوف الإنسان من تقلبات الطبيعة ومن كوارثها، وقد يرتبط بفقر الحال، لذلك نجد أكثر المتدينين من الفقراء والمضطرين وذوي الحاجات والأمراض.

إنّ فكرة التديّن فكرة مشاعة في الأمم الغابرة كما هي في الأمم الحاضرة، وقد لازم الدين كل المجتمعات البشرية منذ وجود الإنسان على ظهر هذا الكوكب، وسيظل يلازمها حتى يرث الله الأرض ومن عليها، فما من جماعة بشرية وجدت في التاريخ إلا وكان لها دين ما من الأديان، ولم تخلُ عنه أمة من الأمم قطز، الأمر الذي يقرّه الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون قائلًا: ((لقد وُجدت وتوجد جماعات إنسانية من غير علوم وفنون وفلسفات، ولكنه لم توجد قط جماعة بلا ديانة)) [كتاب الدين؛ دراز، ص83].

وجاء على لسان المؤرّخ اليوناني بلوتارك، قوله: ((لو لاحظتم العالم فإنّكم ستجدون أماكن كثيرة لا عمران فيها ولا علم وصناعة وسياسة ودولة، ولكنّكم لا تجدون موضعاً ليس فيه اللَّه)) [نقلاً عن: نفحات القرآن، مكارم الشيرازي، ج3، ص98]. 

وقد أكدت الأبحاث والدراسات الاجتماعية الدينية، أن التدين صفة مشتركة بين جميع البشر، قديمهم وحديثهم، وهو ما لخصته موسوعة “لاروس القرن العشرين” بالقول: ((إن الغريزة الدينية مشتركة بين كل الأجناس البشرية، حتى أشدها همجية، وأقربها إلى الحياة الحيوانية)) [الدين بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان، دراز، ص82].

وفي دراسة أجرتها جامعة أكسفورد، من خلال مشروع أكاديمي ضخم، ضم عددًا كبيرًا من الباحثين من عدة دول، وانتهت إلى ما عبر عنه أحد قادة الفريق العلمي الدكتور روجر تريغ بالقول: ((لقد جمعنا أدلة كثيرة تثبت أن التديّن حقيقة مشتركة في طبيعة الإنسان في المجتمعات المختلفة)) [صحيفة التيليغراف البريطانية، العدد الصادر بتاريخ: 12-3-2012].

والقول بأن الخوف هو السبب لنشوء الدين، يلزم منه أن يكون بقاء الدين مرتهن ببقاء الخوف، وبانتفائه ينتفي، وكذلك الحال بالنسبة إلى الفقر حرفًا بحرف، فلو كان هو السبب في نشأة الدين لانتفى بمجرد الغنى وتغير الحال من ضيق العيش وشدته إلى السعة والرخاء، لكننا لم نجد مثالًا من التاريخ والواقع المعيشي على من كان متدينًا بسبب الخوف أنتفى تدينه بمجرد شعوره بالأمان والاطمئنان، وإنما وجدنا أمثلة على عكس ذلك تمامًا، كالأنبياء والصلحاء، فعند شعورهم بالأمن والأمان والاطمئنان بعد نوبة الخوف التي كانت تعتريهم، يزداد إيمانهم ويشتد تدينهم.

وليس ثمة علاقة تجمع بين التدين وفقر الحال، والتاريخ يُنبئ أن شعوب الحضارات السابقة على الإسلام لم يخل أبناؤها من التدين، كما أن أبناء الحضارة الإسلامية – أيضاً – لم يخل من ذلك الشعور، إذ نجد كثيرًا من المستشرقين وغيرهم قد دخلوا الإسلام ودانوا به عن رغبة واقتناع مع كونهم أثرياء في جملتهم.

فنزعة الدين في النفوس نزعة فطرية، وليس أمراً عارضاً على النفس مرتبطاً بحالة طارئة يزول بزوالها، بل هو ضارب بجذوره في أعماق النفس البشرية، كما عبر عن ذلك الفيلسوف الفرنسي ديكارت في تأملاته، وهو يتحدث عن فكرة الله، بقوله: ((هذه الفكرة وُلدتْ ووُجدتْ معي منذ خُلقت… والحقّ أنه لا ينبغي أن نعجب من أن الله حين خلقني غرس فيّ هذه الفكرة…)) [التأملات في الفلسفة الأولى، ديكارت، ترجمة عثمان أمين، ص163]. وقد أشار القرآن الكريم في أكثر من آية إلى أصالة هذه الفطرة في جميع بني البشر، منها: قوله: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم:30].

وأصبحت الفطرة الدينية حقيقة علمية، تقرّ بارتباط الإيمان بجينات الإنسان وشعوره قبل إحساسه وعقله، وهو ما عَبّر عنه العالم البريطاني “روبرت ونستون” رئيس الاتحاد البريطاني لتقدم العلوم، في كتابه: “الفطرة البشرية”، بالقول: ((الحس الديني جزء من بيئتنا النفسية ومسجل في جيناتنا)) [رحلة عقل، عمرو شريف، ص173].

ومن اللافت للنظر وضوح العلاقة بين التدين وبين الظواهر الطبيعية التي تتمثل في كونها دليلًا قويا على وجود الله وقدرته، الأمر الذي يشد الإنسان إلى التدين ويحفزه على الإيمان، على عكس ما توهمه الملحدون تمامًا، من أن تلك العلاقة تتمثل في أن الإنسان يتمسك بالتدين خوفًا من تقلبات الطبيعة وكوارثها، على حين أن عدم التدين هو أساس الشعور بالخوف والقلق، ولا عيب على الإنسان بالتدين والالتجاء إلى الله تعالى والإيمان به، بهدف التخلص من الخوف الناشئ من الكوارث الطبيعية، وهذا ما قررته آخر الأبحاث النفسية، حيث أكدت أن الإيمان بالله تعالى علاج ناجح جداً، للتخفيف من المعاناة والعقد النفسية الناتجة عن الكوارث وغيرها، وفي هذا الصدد يقول كارل يونج: ((انعدام الشعور الديني يسبب كثيرًا من مشاعر القلق والخوف من المستقبل والشعور بعدم الأمان والنزوع نحو النزعات المادية البحتة، كما يؤدي إلى فقدان الشعور بمعنى ومغزى هذه الحياة ويؤدي ذلك إلى الشعور بالضياع)) [دراسات في تفسير السلوك الإنساني، للعيسوي، ص193].