مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

الولايةُ هي المناداةُ العظمى في الإسلام

تفاصيل المنشور

السؤال

ما هيَ ماهيّةُ الصلاة والصوم والحج؟ وما دليلكم على أنّ نبوّة محمد وولاية علي وآله خيرٌ من الثلاث؟

السائل

طالب علم

تفاصيل المنشور

السؤال

ما هيَ ماهيّةُ الصلاة والصوم والحج؟ وما دليلكم على أنّ نبوّة محمد وولاية علي وآله خيرٌ من الثلاث؟

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.
‏”الولاية” لغةً:‏ مصدرٌ بمعنى القيام بأمر شيءٍ والتسلُّط عليه، تقول: ولِي الشيءَ ولايةً، أي ملك أمره، ‏وقام به.‏ [المعجم الوسيط، ج2، ص1057‏].
وفي الاصطلاح:‏ تقع الولايةُ مرادفة للإمامة إذا استعمِلت في التولّي لأمور المسلمين ‏بعد النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، حيث صرّحتِ الأخبار بإمامتِهم (عليهم السلام). [يُنظر: موسوعة الفقه الإسلامي، ج17، ص15‏].
ومصطلح الولاية واردٌ في القرآن الكريم، وواردٌ في السنّة أيضًا، لقوله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب:6]، فهذه الولاية تشريعيّة، بمعنى أنها توجب على المؤمنين أن يتّبعوا النبيَّ فيما يأمرهم، وينهاهم، لكونه أولى بهم من أنفسهم، وعليهم إطاعته.
أمّا في السنّه الشريفة، فلقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه))، وهذا الحديث صحيح متواتر، بل في أعلى درجات التواتر، قطعيّ الصدور، واضحُ الدلالة على إمامة أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام).
وعندما نقرأ حديث الثقلين الصحيح الثابت المتواتر المتسالَم عليه بين المسلمين شيعةً وسُنةً، المرويّ عن بضعٍ وعشرين صحابيًّا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أنه قال: ((إني تارك أو مخلِّفٌ فيكم الثقلين، أو: الخليفتين. ما إن تمسَّكتم به لن تضلوا بعدي، ‏كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض))‏ [الصواعق المحرقة، لابن حجر المكي، ‏ص136‏]. نجد أنّ أبرز دلالات هذا الحديث المبارك هي وجوب التمسُّك بالقرآن الكريم والعترة الطاهرة، والمراد بالتمسُّك بأهل البيت (عليهم السلام) هو وجوب تلقي الإسلام والقرآن منهم، وإطاعتهم والاقتداء إلى الله تعالى بهم؛ لأن النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) جعل التمسُّك بهما عاصمًا من الضلالة، ومَن كان التمسُّك به عاصمًا ‏من الضلالة فالتمسك به واجب.. هذا ما فهِمه علماء السُّنة قبْل الشيعة. فقد قال التفتازاني: ((أ لا يرى أنه (ص) قرنَهم بكتاب الله في كون التمسُّك بهما منقذًا من الضلالة، ولا معنى للتمسك بالكتاب إلّا الأخذ بما فيه من العلم والهداية، فكذا العترة)) [شرح المقاصد، للتفتازاني، ج2، ص221].

وفي الحديث المعروف عن الإمام محمد الباقر (عليهما السلام) قوله: ‏((بُني الإسلامُ على خمسٍ: على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية، ولم ينادَ بشيءٍ كما ‏نُودي بالولاية)) ‏[الكافي، ج٢، ص١٨]، نجد أنّ الإمام (عليه السلام) حين تحدَّث عن الأركان الأساسية في الإسلام، ذكر “الولاية” على أنه خامس ركنٍ بين الأركان الخمسة وأبرزها ، في حين أنّ الصلاة التي توضِّح العلاقة بين الخالق والخلق، والصيام الذي هو رمز محاربة الشهوات، والزكاة التي تحدِّد العلاقة بين الخلق والخالق، والحجّ الذي يكشف الجانب الاجتماعي في الإسلام، اعتبرت الأركان الأربعة الأساسية الأخرى. ثم أكّد الإمام الباقر (عليه السلام) بعد ذكر الأركان قائلًا: “ولم ينادَ بشيءٍ كما نُودي بالولاية”؛ هذا لأنّ “الولاية” تضمن تطبيق سائر العبادات – من صلاةٍ وصوم وحج وزكاة – بنحوٍ عملي، فالولايةُ هي الضمانة لتطبيق الأركان الإسلامية الرئيسة.
وفي الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)، أنه قال: ((بُني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم ، والولاية. قال زرارة: فقلتُ: وأيُّ شيء من ذلك أفضل؟ فقال: الولاية أفضل؛ لأنها مفتاحُهنّ، والوالي هو الدليل عليهنّ. قلت: ثم الذي يلي ذلك في الفضل؟ فقال: الصلاة، قلت: ثم الذي يليها في الفضل؟ قال: الزكاة؛ لأنه قرنها بها، وبدأ بالصلاة قبلها، قلت: فالذي يليها في الفضل؟ قال: الحج. قلت ماذا يتبعه؟ قال الصوم…)) ‏[وسائل الشيعة، ج١، ص٧، ط. الإسلامية].‏
وفي الخصال عن أبي حمزة الثمالي، أنه قال: ((قال أبو جعفر عليه السلام: بُني الإسلامُ على خمسٍ: إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم شهر رمضان، والولاية لنا أهل البيت، فجعل في أربعٍ منها رخصةً، ولم يجعل في الولاية رخصةً، من لم يكن له مال لم تكن عليه الزكاة، ومن لم يكن له مالٌ فليس عليه حجّ، ومن كان مريضًا صلى قاعدًا، وأفطر شهر رمضان، والولاية صحيحًا كان أو مريضًا أو ذا مال أولا مال له فهي لازمة)) [وسائل الشيعة، ج١، ص١٤]
والسبب في أنه لم ينادَ بشيء كما نُودي بالولاية، وأنها أفضل من الأركان الأربعة ومفتاحها، هو أن تنفيذ الأركان الأخرى لن يتحقَّق إلا في ظلِّ هذا الأصل، أي في ظل الولاية. ولهذا السبب بالذات رُوي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: ((من مات بغير إمامٍ مات ميتة الجاهلية)) [تفسير الأمثل، ج٩، ص٧٠]. إذ بفضل “الولاية” تُقام العبادات من صلاةٍ، وصوم، وحج، وزكاة، وفي ظلها يصبح مضمونُ هذه العبادات عمليًّا؛ أي أنه بدون الولاية وحاكمية الإسلام، ستبقى هذه الأوامر مجرَّد حبرٍ على ورق، مثل الوصفة الطبّية التي لا تنفع المريض ما لم يعمل بها.
لذلك فإن الولاية بمعنى تطبيق قوانين الإسلام إنما تكون بواسطة الأئمة المعصومين “عليهم السلام” ‏ونوّابهم؛ ومن هنا فإن الولاية التي تحظى بمكانةٍ أسمى من الصلاة والصوم والحج والزكاة هي ‏الولاية التي تكون نتيجتُها الحكومة الإسلامية؛ وهي التي نشأت من ولاية الإمام علي عليه السلام ‏في غدير خم.‏
وبهذا البيان يمكن أن نفهم أنه: لماذا كانت الولاية أهم من كل ما سواها من العناصر؛ لأن الولاية ‏بحسب تعبير الإمام عليه السلام هي ضمانةُ تطبيق سائر الأركان الإسلامية الرئيسة. فإذا لم تتشكل ‏الحكومةُ الإسلامية لن يمكن إقامة الصلاة والخمس والزكاة والصوم والحج على نطاق عام، ولن ‏تتحقق فلسفة هذه العبادات. وعليه فليست الولاية مجرَّد حُب ورغبة وتوسُّل، بل معناها القبول ‏بمناهج الحكومة الإسلامية التي يقدِّمها الأئمة المعصومون أو الأنبياء الإلهيون عليهم السلام؛ لذلك ‏نرى أنه طوال التاريخ كلما توفَّرت لنبيٍّ من الأنبياء الفرصة فإنه يقيم الحكومة. من قبيل أنبياء الله ‏داود، وسليمان، وموسى (عليهم السلام)، وكذلك رسول الإسلام (صلى الله عليه وآله). وأما بعض ‏الأنبياء العظام من قبيل إبراهيم وعيسى عليهما السلام فإنما لم يقوما بهذا الأمر لعدم توفر الفرصة ‏أو الإمكانيات الضرورية بين أيديهم. [ناصر مكارم]‏
وقد ذكر الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) الولاية، وفضَّلها على سائر العبادات، مبيِّنًا أن جميع الأركان تعتمد عليها، وذلك في سياق وصفِه للإمامة بالمعنى الشرعي، حيث قال (عليه السلام): ((إن الإمامة هي منزلة الأنبياء، وإرث الأوصياء. إن الإمامة خلافة الله، وخلافة ‏الرسول (صلى الله عليه وآله)، ومقام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وميراث الحسن والحسين ‏‏(عليهما السلام). إن الإمامة زمام الدين ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا، وعزّ المؤمنين. إن الإمامة ‏أسّ الإسلام النامي وفرعه السامي، بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد، وتوفير ‏الفيء والصدقات، وإمضاء الحدود والأحكام، ومنع الثغور والأطراف.‏ الإمام يُحِلُّ حلال الله، ويحرِّم حرام الله، ويقيم حدود الله، ويذبّ عن دين الله، ويدعو إلى سبيل ربه ‏بالحكمة والموعظة الحسنة، والحجة البالغة)). (الكافي: ١ / ٢٠٠).‏
ولهذا، تعدّ الإمامة رئاسةً عامة إلهية، وخلافة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في شؤون الدين والدنيا، وتمثل السلطة المطلقة التي كانت للنبي (صلى الله عليه وآله) بدون استثناء.
هذا، ولم ينفرد الشيعة الإمامية بتفضيل “الولاية” على سائر العبادات، بل شاركهم في هذا الاعتقاد أهل السنة أيضًا. فقد صرّح ابن تيمية بأن ولاية أمر الناس هي أصل الدين وأعظم واجباته، وأن قيام الدين والدنيا متوقِّف عليها، حيث قال: ((يجب أن يُعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين؛ بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها)).
في المجمل، النصوص توضِّح أن الولاية هي الضمانة لتطبيق الأركان الإسلامية الرئيسة، وأنها أساس قيام الدين والدنيا.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.
مركز الدليل العقائدي.