تفاصيل المنشور
- المستشكل - قتيبة الحموي
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 69 مشاهدة
تفاصيل المنشور
السلام عليكم أنا أجد أن توحيد الصفوف بين السنّة والشيعة والكلمة السواء بينهما والتي تجمع الطرفين إذا التزم الشيعة بهذين الأمرين :
الأوّل: التخلّي عن طعن الصحابة وأن يعظمونهم كلّهم ، كما يعظّم أهل السنّة أهل البيت ويحبّونهم كلهم كآل جعفر وآل علي وآل عقيل وآل العباس ، فيجمعون مع محبّة أهل البيت محبة الصحابة الذين رضي الله عنهم وأرضاهم .
الثاني : التخلي عن الطعن في أمهات المؤمنين ، فهذا الطعن يستهدف عرض النبيّ ( عليه الصلاة والسلام ) ، وهو نبينا ونبيهم ، ومن المؤكد أنّ الطعن بعرض النبيّ لا يرضاه المسلم لنفسه .
فإذا تمّ العمل بهاتين الضابطتين حصل الوفاق والالتئام والانسجام بين الطرفين وزالت الكثير من الخلافات .
المستشكل
قتيبة الحموي
السلام عليكم أنا أجد أن توحيد الصفوف بين السنّة والشيعة والكلمة السواء بينهما والتي تجمع الطرفين إذا التزم الشيعة بهذين الأمرين :
الأوّل: التخلّي عن طعن الصحابة وأن يعظمونهم كلّهم ، كما يعظّم أهل السنّة أهل البيت ويحبّونهم كلهم كآل جعفر وآل علي وآل عقيل وآل العباس ، فيجمعون مع محبّة أهل البيت محبة الصحابة الذين رضي الله عنهم وأرضاهم .
الثاني : التخلي عن الطعن في أمهات المؤمنين ، فهذا الطعن يستهدف عرض النبيّ ( عليه الصلاة والسلام ) ، وهو نبينا ونبيهم ، ومن المؤكد أنّ الطعن بعرض النبيّ لا يرضاه المسلم لنفسه .
فإذا تمّ العمل بهاتين الضابطتين حصل الوفاق والالتئام والانسجام بين الطرفين وزالت الكثير من الخلافات .
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..
الشيعة الإمامية – بحمد الله – لهم ضوابطهم الشرعية التي تستند إلى القرآن الكريم والسنّة الصحيحة المجمع عليها بين المسلمين في الحكم على الأشخاص ، فهم لم يذهبوا في موضوع الصحابة إلى إفراط المفرطين الذين منحوا الجنّة بالمجان لكلّ صحابي وإن فعل ما فعل من المعاصي ، ولا إلى تفريط المفرطين الذين حكموا بكفرهم كالخوارج ، بل لهم في ذلك منهجاً وسطاً – لا إفراط فيه ولا تفريط – يعطي كلّ ذي حقّ حقّه يستند إلى آيات القرآن الكريم والسنّة الصحيحة المجمع عليها بين الفريقين ذكرته كتبهم العقائدية.
وما تتفضلون به من لزوم التعظيم للصحابة كلّهم – هكذا بنحو مطلق – فيه من المخالفة للقرآن الكريم الشيء الكثير، فبعض من تدعونا لتعظيمهم هم بغاة ظالمون بشهادة أئمتكم وكبار علمائكم فكيف تطالبنا بتعظيم البغاة والظالمين ؟!!
قال المناوي الشافعي في “فيض القدير” : (( قال عبـد القاهر الجرجاني في كتاب الإمامة: أجمع فقهاء الحجاز والعراق من فريقي الحديث والرأي، منهم: مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، والأوزاعي، والجمهور الأعظم من المتكلّمين والمسلمين أنّ عليّاً مصـيب في قتاله لأهل صِفّين، كما هو مصيب في أهل الجمل، وأنّ الّذين قاتلوه بغاة ظالمون له، ولكن لا يُكفَّرون ببغيهم..
وقال الإمام أبو منصور في كتاب الفرق في بيان عقيدة أهل السُـنّة: أجمعوا أنّ عليّاً مصـيب في قتاله أهل الجمل: طلحة والزبير وعائشة بالبصرة، وأهل صِفّين: معاوية وعسكره)). انتهى ( فيض القدير 6 : 474) .
وعن ابن حجر في ” تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير ” 4: 84 : (( وثبت أنَّ أهل الجمل وصفين والنهروان بغاة ، هو كما قال ، ويدلّ عليه حديث عليّ أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين . رواه النسائي في الخصائص والبزار والطبراني ، والناكثين أهل الجمل لأنّهم نكثوا بيعته والقاسطين أهل الشام لأنّهم جاروا عن الحق في عدم مبايعته ، والمارقين أهل النهروان لثبوت الخبر الصحيح فيهم أنّهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، وثبت في أهل الشام حديث عمار : ” تقتلك الفئة الباغية” وقد تقدّم ، وغير ذلك من الأحاديث )) .انتهى
وجاء في صحيح البخاري ( رقم الحديث2601) أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: ( وَيحُ عمَّارٍ تَقتُلُه الفِئَةُ البَاغِيَةُ، عمَّارٌ يَدعُوهُم إلى اللهِ ويَدعُونَه إلى النَّارِ). انتَهى.
ومن المعلوم أنّ الصحابي الجليل عمّار بن ياسر ( رضوان الله عليه ) قُتل على يد جيش معاوية ، قائد الفئة الباغية في صفين ، كما أثبته ابن حجر قبل قليل .
وفي المستدرك على الصحيحين للحاكم : عن أبي جروة المازني قال سمعت عليّا والزبير وعليّ يقول له نشدتك بالله يا زبير أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول إنّك تقاتلني وأنت ظالم لي قال بلى. ( المستدرك على الصحيحين 3: 413 صححه الحاكم ووافقه الذهبي ، وانظر أيضا : سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني 6: 229)
فهل يصحّ شرعاً تعظيم الباغي الظالم الذي يدعو إلى النار والله سبحانه يقول في كتابه : { وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ } سورة هود : ، ويقول تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} سورة النحل:90؟!
فلماذا تدعونا إلى مخالفة القرآن الكريم في تعظيم البغاة الظالمين ونحن مسلمون نؤمن بالقرآن الذي ينهانا عن ذلك ؟!
أمر محيّر فعلاً ولا نجد مبررا شرعيا له أبداً ؛ إذ لا يمكن أن تكون وحدة الأمة على حساب مخالفة القرآن الكريم ؟!
كما أنّ فيه من الجمع بين المتناقضين ما لا يخفى على أحد حين تدعونا لمحبة المظلوم وظالمه والقاتل وقاتله في الوقت نفسه ، فأبو الغادية – مثلاً – قاتل عمّار بن ياسر هو صحابي كما أثبت ذلك جمع ، وقد جاء في الحديث الصحيح : ( قاتل عمّار في النار ) ( راجع : سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني 5: 19 ) ، فكيف يتسنى لنا هنا أن نجمع بين هذه المتناقضات ؟! لا ندري واقعاً !!
قد تقول : إنّ القرآن الكريم قد جاء بتعديل الأصحاب ومدحهم والثناء عليهم ؟
نقول لك : سلمنا بذلك ولكن نخرج منهم من ثبت بغيه وظلمه وعصيانه ، جمعاً بين الأدلة ؛ إذ لا يوجد دليل قرآني واحد جاء على نحو العموم الاستغراقي – الذي يستفاد منه تعديل الأصحاب فرداً فرداً – ، بل كلّها وردت على نحو العموم المجموعي – أي مدح المجموع بما هو مجموع – ، والعموم يقبل التخصيص بإجماع العلماء .
قال الشيخ التفتازاني، الذي هو من كبار علماء أهل السنّة ومتكلّميهم ، في “شرح المقاصد”:
(( وأمّا ما وقع بين الصحابة من المحاربة والمشاجرات على الوجه المسطور في كتب التواريخ، والمذكور على ألسنة الثقات يدلّ بظاهره على أنَّ بعضهم قد حاد عن طريق الحق، وبلغ حدّ الظلم والفسق، وكان الباعث له الحقد والحسد واللداد وطلب الملك والرياسة والميل إلى اللذات والشهوات ؛إذ ليس كلّ صحابي معصوماً ولا كلّ من لقي النبيّ(صلى الله عليه وسلم) بالخير موسوماً)). انتهى
ومحاولة البعض لتعديل هؤلاء الذين ثبت بغيهم وظلمهم – بدعوى اجتهادهم وظنهم بأنّهم مصلحون – هي كلّها محاولات إقناعية لا مستند لها من كتاب ولا سنّة صحيحة كما اعترف به العلّامة العيني شارح صحيح البخاري في كتابه ” عمدة القاري ” ( ج4 ص 308 ) .
أمّا دعوى الطعن بأمهات المؤمنين من قبل الشيعة فهذه الفرية قذفها الشيطان في أسماع البعض وأخذ يرددها من دون واقع لها للأسف .. فلو راجعت صحاحك وكتبك لعرفت من هو الطاعن فعلاً بأمهات المؤمنين؟!
جاء في صحيح البخاري : (( وكانت عائشة تقول أمّا زينب ابنة جحش فعصمها الله بدينها فلم تقل إلّا خيرا وإما أختها حمنة فهلكت فيمن هلك وكان الذي يتكلم فيه مسطح وحسان بن ثابت والمنافق عبد الله بن أبي )). ( صحيح البخاري 6: 11 باب إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة )
وإذا طالعت أسماء هؤلاء الذين خاضوا في الأفك وطعنوا بعرض رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهم : حمنة بنت جحش ، ومسطح بن أثاثة ، وحسان بن ثابت ، تجدهم من الصحابة ، وبعضهم – مثل مسطح – شهد بدرا وكان من السابقين ( راجع تراجمهم في : الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر6: 74، 8: 88،وسير أعلام النبلاء للذهبي 2: 215 ، والاستيعاب لابن عبد البر 4: 1813،وأسد الغابة لابن الأثير 4: 355) .
جاء عن ابن حجر في ” فتح الباري” : (( … الذين تكلموا بالإفك وخاضوا في ذلك وأمّا أسماؤهم فالمشهور في الروايات الصحيحة عبد الله بن أبي ومسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش )). ( فتح الباري 8: 352)
فهؤلاء ثلاثة من الصحابة الذين تطالبنا بتعظيمهم ( حمنة بنت جحش ومسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت ) ، إذا أخرجنا عبد الله بن أبي لأنه منافق بالاتفاق ،هم الذين خاضوا في الطعن بعرض النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم بشهادة هذه المصادر والروايات الصحيحة عند المشهور من أهل السنّة كما يقول ابن حجر ، فأين طعن الشيعة بعرض النبيّ ودورهم في ذلك ؟!!
ولفضيحة هذه الفرية الواضحة على الشيعة أنكرها علماء أهل السنّة وأدركوا أنّها فرية سياسية لتسقيط الخصوم لا أكثر ، قال الآلوسي في تفسيره ” روح المعاني ” : (( ونسب للشيعة قذف عائشة رضي الله تعالى عنها بما برأها الله تعالى منه وهم ينكرون ذلك أشدّ الإنكار وليس في كتبهم المعول عليها عندهم عين منه ولا أثر أصلاً ، وكذلك ينكرون ما نسب إليهم من القول بوقوع ذلك منها بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وليس له أيضاً في كتبهم عين ولا أثر)). ( روح المعاني 18: 122)
فهنا نجد الآلوسي ينفي بشكل قاطع أيّ اتهام للشيعة في الطعن بعرض النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم ، سواء في حياته أو بعد وفاته ، وهذه أقوال علماء الشيعة ومراجعهم عبر التاريخ في تنزيه عرض النبيّ وأعراض الأنبياء من الفاحشة :
– قال السيد المرتضى رحمه الله ( ت 436 هـ ) في ردِّه على من زعم أن ابن نوح لم يكن ابناً له في الحقيقة، وإنما وُلد على فراشه: (( الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يجب أن يُنزَّهوا عن مثل هذه الحال، لأنها تَعُرُّ وتَشِين وتَغُضُّ من القدر، وقد جنَّب الله تعالى أنبياءه عليهم الصلاة والسلام ما هو دون ذلك تعظيماً لهم وتوقيراً ونفياً لكل ما ينفِّر عن القبول منهم)).( الأمالي 1: 503)
– وقال شيخ الطائفة الشيخ محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460هـ) في تفسيره “التبيان “10/52 في تفسير قوله تعالى: { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا … } :
(( قال ابن عباس: ( كانت امرأة نوح كافرة، تقول للناس: إنه مجنون. وكانت امرأة لوط تدل على أضيافه، فكان ذلك خيانتهما لهما، وما زنت امرأة نبي قط)؛ لما في ذلك من التنفير عن الرسول وإلحاق الوصمة به، فمن نسب أحداً من زوجات النبيّ إلى الزنا فقد أخطأ خطأً عظيماً، وليس ذلك قولاً لمحصِّل )).( التبيان في تفسير القرآن 10: 52)
– وقال الشيخ الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548هـ): (( {… فَخَانَتَاهُمَا … } بالنفاق والتظاهر على الرسولين، فامرأة نوح قالت لقومه: إنّه مجنون، وامرأة لوط دلّت على ضيفانه، وعن الضحاك: خانتاهما بالنميمة، إذا أوحى الله إليهما أفشتاه إلى المشركين، ولا يجوز أن يراد بالخيانة الفجور؛ لأنّه نقيصة عند كلّ أحد، سمج في كلّ طبيعة، بخلاف الكفر؛ لأنَّ الكفار لا يستسمجونه، وعن ابن عباس: ما زنت امرأة نبي قط؛ لما في ذلك من التنفير عن الرسول، وإلحاق الوصمة به )). ( تفسير جوامع الجامع 3: 597)
– ومن المفسرين والعلماء المعاصرين السيد محمّد حسين الطباطبائي ( ت 1402 هـ) ، صاحب تفسير الميزان ، قال في تفسيره : (( إنّ تسرب الفحشاء إلى أهل النبيّ ينفر القلوب عنه، فمن الواجب أن يطهر الله سبحانه ساحة أزواج الأنبياء عن لوث الزنا والفحشاء، وإلّا لغت الدعوة، وتثبت بهذه الحجّة العقلية عفتهن واقعاً لا ظاهراً فحسب، والنبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم أعرف بهذه الحجّة منا، فكيف جاز له أن يرتاب في أمر أهله برمي من رام أو شيوع من إفك)). (الميزان في تفسير القرآن 15: 102)
وفي هذا الكلام الأخير من السيد الطباطبائي قدّس سرّه ردّ على ما جاء في صحيح البخاري بأنّ النبيّ شكك في عفّة عائشة ، فقد جاء في البخاري أنّ النبيّ قال لعائشة : (( إن كنتِ بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفر الله وتوبي إليه قلت إنى والله لا أجد مثلا إلّا أبا يوسف فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون وانزل الله إنّ الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم )) . ( صحيح البخاري 5: 216باب قال بل سولت لكم أنفسكم فصبر جميل )
فالمحامي والمدافع والمنزّه لعرض النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم في حقيقة الأمر هم الشيعة لكنها الماكنة الإعلامية للباطل التي تسوق غير ذلك من أجل تسقيط الخصوم وتأليب الرأي العام عليهم لا أكثر .
والآن بعد أن كشفنا المغالطات في الضوابط التي تدعو إليها بأن تكون هي الكلمة السواء بين الطرفين ، نقول لك : الكلمة السواء بين السنّة والشيعة هي في الأخذ بالقدر المشترك بينهما ، المتفق عليه صحّة ودلالة والمطابق للقرآن الكريم ، وهو حديث الثقلين ( الكتاب والعترة ) .. فهذا الحديث العظيم الذي صححه علماء أهل السنّة بمختلف طرقه وألفاظه وصرّحوا بدلالته التامّة على لزوم أخذ علوم الدين عن أهل البيت ( عليهم السلام ) كما تؤخذ عن القرآن ، هو الكلمة السواء بين الطرفين لو أراد العقلاء منهم الاحتكام إلى الكتاب والسنّة الشريفة .
فالقرآن الكريم يقول : { ما آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ }سورة الحشر : 7، والذي أتانا به رسول الله هو لزوم إتباع القرآن والعترة من بعده ، حيث قال : ( إني تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله ، حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ولن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما) .( مختصر صحيح الجامع الصغير للسيوطي والألباني ، رقم الحديث 1726- ، سنن الترمذي -تحقيق الألباني – حديث 3788)
وقال : ( إني تارك فيكم خليفتين : كتاب الله ، حبل ممدود ما بين الأرض والسماء،وعترتي أهل بيتي ، وأنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض ).(صحيح الجامع الصغير للألباني 1: 482، مسند أحمد بن حنبل ، برقم : 21654، تصحيح شعيب الأرنؤوط)
وقد صحح الحديث المذكور على مختلف ألفاظه من لزوم الأخذ والإتباع والتمسك بالعترة الكثير من علماء أهل السنّة غير من ذكرناه ،أمثال : ابن حجر العسقلاني وابن كثير والطحاوي والحاكم والذهبي والبوصيري والهيثمي [ راجع على الترتيب : المطالب العالية 4 :65 برقم 3972، تفسير ابن كثير 12 : 271 ،شرح مشكل الآثار 5 :18 ، المستدرك على الصحيحين 3 : 148، تلخيص المستدرك للذهبي ، اتحاف الخيرة المهرة 9 : 279 ، مجمع الزوائد 1: 170 ، 9: 163]
وقد شرح علماء أهل السنّة أنفسهم المراد من هذا الحديث وبيّنوا دلالته ، فلتكن كلماتهم هي الحجّة بيننا في الأخذ بالحديث المذكور :
قال الملا علي القاري في “المرقاة شرح المشكاة” في شرحه لحديث الثقلين : (( والمراد بالأخذ بهم: التمسّك بمحبتهم ومحافظة حرمتهم والعمل برواياتهم والاعتماد على مقالتهم)). انتهى ( مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 11: 307)
وعن الدهلوي في “التحفة الاثنا عشرية”: (( هذا الحديث – أي: حديث الثقلين- ثابت عند الفريقين: أهل السنّة والشيعة، وقد علم منه أنّ رسول الله(صلى الله عليه وسلم) أمرنا في المقدّمات الدينية والأحكام الشرعية بالتمسّك بهذين العظيمين القدر, والرجوع إليهما في كلّ أمر فمن كان مذهبه مخالفاً لهما في الاُمور الشرعية اعتقاداً وعملاً فهو ضال ومذهبه باطل لا يعبأ به ومن جحد بهما غوى ووقع في مهاوي الردى )). انتهى ( مختصر التحفة الاثني عشرية: 52، والدهلوي هو شاه عبد العزيز (1159 – 1239) كبير علماء الهند من أهل السنّة في عصره)
وجاء عنه في” أشعة اللمعات في شرح المشكاة”: (( لقد كرّر هذه الكلمة للمبالغة والتوكيد ، وهي إشارة إلى وجوب أخذ السنّة منهم ، كما أنّ الأولى إشارة الى الأخذ بما في الكتاب . فعلى جميع الذين آمنوا أنْ يكونوا مطيعين لأهل بيت النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) )). انتهى ( أشعة اللمعات في شرح المشكاة 677:4)
ومراده من تكرار الكلمة هو ما ورد في إحدى نصوص حديث الثقلين بأنّه صلى الله عليه وآله وسلم قال ثلاث مرات : ( أذكّركم اللّه في أهل بيتي) [ صحيح مسلم 4: 1873 ، برقم 2408].
قال الزرقاني المالكي في شرح هذه الجملة:
(( قال الحكيم الترمذي: حضٌّ على التمسّك بهم، لأنّ الأمر لهم معاينة، فهم أبعد عن المحنة)) ( شرح العلامة الزرقاني على المواهب اللدنية 9 : 246).
وقال التفتازاني بعد أن ذكر الحديث: (( ألا يرى أنّه(صلى الله عليه وسلم) قرنهم بكتاب الله تعالى في كون التمسّك بهما منقذاً عن الضلالة ولا معنى للتمسّك بالكتاب إلّا الأخذ به بما فيه من العلم والهداية فكذا في العترة)). ( شرح المقاصد 3: 529)
فهذه كلمات أعلام أهل السنّة – ويوجد غيرها كثير – تجدها تتفق على دلالة حديث الثقلين على لزوم التمسك بالعترة وأخذ علوم الدين وأحكامه عنها ، تماماً كما يؤخذ عن القرآن الكريم ، وأنّ الأخذ عن العترة عاصم من الضلال كما هو الشأن في الأخذ عن القرآن ..
قد يقال : إنّ أهل السنّة يأخذون أحكام دينهم عن العترة ؟
الجواب : هذه الدعوى مردودة بشهادة علماء أهل السنّة أنفسهم بأنّهم لا يأخذون أحكامهم عن العترة ، فهاهو ابن تيمية يعترف بأنّ أهل السنّة لم يأخذوا فقههم عن علي ( عليه السلام ) ويكذب من يقول أنههم أخذوا فقههم عن عليّ ( عليه السلام )، قال في “منهاج السنة” في معرض ردّه على العلامة الحلي : (( قال الرافضي: وفي الفقه الفقهاء يرجعون إليه.
والجواب :أنّ هذا كذب بيّن فليس في الأئمة الأربعة ولا غيرهم من أئمة الفقهاء من يرجع إليه … إلى آخر كلامه )). ( منهاج السنة 7 : 529-531)
وقال الألباني في كتاب “الفتاوى المهمة” في التفرقة بين السنة والشيعة : (( .. و لكن يوجد خلافات مثل المذاهب الأربعة فعلى الراس و العين , و لكن عندنا خلافات جذرية ،يكفي عندنا القرآن والسنة وهم عندهم القرآن وأهل البيت )). انتهى ( الفتاوى المهمة : 154)
وهذا الكلام الأخير من الألباني فيه مغالطة واضحة لأن العودة إلى أهل البيت ( عليهم السلام ) وأخذ الأحكام عنهم هو عودة إلى السنّة أيضاً ؛ لأنها هي من أمرت بأخذ الأحكام عن أهل البيت .
وجاء عند الدكتور عداب بن محمود الحمش في مقدمته على كتاب ” فقه الآل بين دعوى الإهمال وتهمة الانتحال ” ، قوله : إنّ أهل السنّة أهملوا علوم أهل البيت من عقائد وفقه وحديث وتفسير غاية الإهمال ولم يوردوها في كتب الفقه والفتوى إلّا حين يريدون ردّ دعوى المخالف أو حين تكون موافقةُ الآل فيها تقوية لمذهبهم. انتهى
أمّا الشيعة فقد طبّقوا هذا الحديث العظيم – حديث الثقلين- عمليا وأخذوا أحكام دينهم عن أهل البيت ( عليهم السلام ) كما يشهد لهم بذلك مخالفوهم أمثال ابن تيمية وابن قيم الجوزية اللذين نصّا على أنّ الشيعة الإمامية يأخذون أحكام دينهم عن أئمة أهل البيت عليهم السلام وأنّهم صادقون في هذا النقل والأخذ عنهم .
قال ابن تيمية في ” منهاج السنّة النبوية ” وهو يتحدث عن الشيعة من أين يأخذون أحكام دينهم : (( وأمّا شرعياتهم فعمدتهم فيها على ما ينقل عن بعض أهل البيت ، مثل أبي جعفر الباقر ، وجعفر بن محمّد الصادق وغيرهما )) . انتهى ( منهاج السنة النبوية 5 : 162)
وجاء عنه في مسألة تعليق الطلاق وهو يتحدث عن بعض الأحكام الشرعية في مسائل الطلاق وممن وافق الشافعي فيها، قال: (( وممن وافقه كابن حزم من السنة، وكالمفيد والطوسي والموسوي.. وغيرهم من شيوخ الشيعة، وهم ينقلون ذلك عن فقهاء أهل البيت ـ إلى أن يقول عن الشيعةـ: لكن جمهور ما ينقلونه عن الشريعة موافق لقول جمهور المسلمين، فيه ما هو من مواقع الإجماع، وفيه ما فيه نزاع بين أهل السنّة، فليس الغالب فيما ينقلونه عن هؤلاء الأئمة من مسائل الشرع الكذب، بل الغالب عليه الصدق )) . انتهى ( مسألة تعليق الطلاق: 697، 698 )
وجاء عن ابن القيم الجوزية في كتابه الصواعق المرسلة: « الوجه التاسع: إن فقهاء الإمامية من أوّلهم إلى آخرهم ينقلون عن أهل البيت أنه لا يقع الطلاق المحلوف به وهذا متواتر عندهم عن جعفر بن محمّد… وغيره من أهل البيت، وهب أنَّ مكابراً كذبهم كلهم وقال قد تواطئوا على الكذب عن أهل البيت ففي القوم فقهاء وأصحاب علم ونظر في اجتهاد وإن كانوا مخطئين مبتدعين في أمر الصحابة، فلا يوجب ذلك الحكم عليهم كلّهم بالكذب والجهل وقد روى أصحاب الصحيح عن جماعة من الشيعة وحملوا حديثهم واحتج به المسلمون » . انتهى ( الصواعق المرسلة 1: 616، 617 )
نقول : فهل توجد كلمة سواء أعظم من هذه ، الأخذ بما هو متفق عليه صحّة ودلالة بين الفريقين ، ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : ( لا يجمع الله أمتي على ضلالة أبداً )( المستدرك على الصحيحين 1:202صححه الحاكم ووافقه الذهبي ) ، وها هي الأمة قد أجمعت على حديث الثقلين صحّة ودلالة ، فلماذا لا نأخذ به معاً وننجو من الضلال لأنّ النبيّ أخبرنا بشكل واضح وصريح بأنّ المتمسك بالقرآن والعترة من بعده لن يضلّ أبداً ؟!! لا ندري واقعاً !
ودمتم سالمين.