تفاصيل المنشور
- المستشكل - أبو محمد المرعي
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 10 مشاهدة
تفاصيل المنشور
لو سئل أهل كل دين عن خير أهل ملتهم لقالوا: أصحاب الأنبياء والرسل هم أفضل أهل دينهم، ويشهد لذلك السنن الكونية والشرعية.
المستشكل
أبو محمد المرعي
لو سئل أهل كل دين عن خير أهل ملتهم لقالوا: أصحاب الأنبياء والرسل هم أفضل أهل دينهم، ويشهد لذلك السنن الكونية والشرعية.
بسمه تعالى
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله المطهرين..
لا توجد ملازمة عقلية ولا تكوينية ولا شرعية بين صلاح الفرد وصلاح أهله أو أصحابه، فهذا كلام لا يوجد دليل عليه، بل الدليل على خلافه، وأصحاب الأنبياء (صلوات الله عليهم) الذين تتحدث عنهم، أخبرنا عنهم القرآن الكريم وبيّن لنا خيارهم وشرارهم.
فقد أخبرنا القرآن الكريم عن أصحاب موسى (عليه السلام) الذين جاهد من أجلهم، وأخرجهم من ظلم آل فرعون، وعبر بهم البحر بمعجزة يندر أن يأتي التأريخ بمثلها، فانظر ماذا قالوا لموسى (عليه السلام) بعد عبورهم البحر، يقول تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ} [الأعراف:138].
بل وجدنا القرآن الكريم يحدثنا عن أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه بأن فيهم شبهة الارتداد والانقلاب على الأعقاب، يقول تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا} [آل عمران:144].
ويقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة:54].
فهل انقلب أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على الأعقاب، كما تشير إلى إمكانه الآيات المتقدمة بشكل واضح وصريح، فإن الوقوع فرع الإمكان كما هو مقرر في علم المعقول؟!
نقول: جاءتنا روايات صريحة صحيحة تقول بحصول الارتداد من الصحابة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهي المسماة بأحاديث الحوض، وإليك طرفا منها:
جاء في صحيح البخاري: ((عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” ليردن علي ناس من أصحابي الحوض، حتى عرفتهم اختلجوا دوني، فأقول: أصحابي، فيقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك “)) [صحيح البخاري، ج8، ص120].
وجاء فيه أيضاً: ((عن سهل بن سعد، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إني فرطكم على الحوض، من مر علي شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدا، ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم» قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش، فقال: هكذا سمعت من سهل؟ فقلت: نعم، فقال: أشهد على أبي سعيد الخدري، لسمعته وهو يزيد فيها: ” فأقول إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقا سحقا لمن غير بعدي “)) [المصدر السابق].
وجاء فيه أيضاً: ((عن ابن المسيب، أنه كان يحدث، عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يرد على الحوض رجال من أصحابي، فيحلئون عنه، فأقول: يا رب أصحابي، فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى”)) [المصدر السابق].
وجاء فيه أيضاً: ((عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “بينا أنا قائم إذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلم، فقلت: أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى. ثم إذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلم، قلت أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم”)) [المصدر السابق، ج8، ص121].
وجاء في صحيح مسلم: ((عن أبي حازم، قال: سمعت سهلا، يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «أنا فرطكم على الحوض، من ورد شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدا، وليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم» قال أبو حازم: فسمع النعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم هذا الحديث، فقال: هكذا سمعت سهلا يقول؟ قال فقلت: نعم. قال وأنا أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد فيقول «إنهم مني»، فيقال: إنك لا تدري ما عملوا بعدك، فأقول: «سحقا سحقا لمن بدل بعدي»)) [صحيح مسلم، ج4، ص1793، حديث2290].
فهذه الأحاديث واضحة جدا، ولا يمكن حملها على المرتدين أو الجفاة من الأعراب، كما يحلو للبعض أن يوجه هذه الأحاديث حسب مشتهاه المذهبي، ففي هذه الأحاديث عبارات صريحة جدا لا تقبل التأويل، نحو قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (من أصحابي)، وقوله: (فأقول يا رب أصحابي)، الظاهرة في أن المبدلين من بعد النبي (ص) والمحدثين في الدين هم ممن صحبه (صلى الله عليه وآله وسلم) وخالطه، وهذا هو الذي يقتضيه الظهور للعبارات المذكورة.
ونحو قوله: (رجال منكم)، (أعرفهم ويعرفونني..)، فهذه عبارات لا يمكن حملها على المرتدين من الأعراب في أطراف الجزيرة بأي حال من الأحوال.
ومن هنا نجد الإمام مالكا يندم على إدراج أحاديث الحوض في موطئه – على صحتها -، قال أحمد الصديق المغربي: ((حكي عن مالك أنه قال: ما ندمت على حديث أدخلته في الموطأ إلا هذا الحديث. وعن الشافعي أنه قال: ما علمنا في كتاب مالك حديثا فيه إزدراء على الصحابة إلا حديث الحوض، وودنا أنه لم يذكره)) [فتح الملك العلي، ص151].
بل نزيدك أكثر من ذلك، فقد ثبت بأدلة صحيحة وحسنة روتها كتب أهل السنة أنفسهم على أن هناك قوما في أمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هم أفضل من الصحابة، وإليك طرفا منها:
جاء في حديث صحـحه الحاكم في مستدركه، وحسنه ابن حجر في فتح الباري: ((يا رسول الله أأحد خير منا أسلمنا معك وجاهدنا معك قال قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني)) [فتح الباري، ج7، ص6؛ المستدرك على الصحيحين، ج4، ص95].
وروى ابن حبان في صحيحه: ((عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أو آخره”)) [صحيح ابن حبان، ج16، ص209]، قال ابن حجر في الفتح: ((وهو حديث حسن، له طرق قد يرتقي بها إلى الصحـة)) [فتح الباري، ج7، ص5].
وفي سياق ما تقدم قال ابن حجر في الفتح: ((وروى أبو داود والترمذي من حديث أبي ثعلبة رفعه تأتي أيام للعامل فيهن أجر خمسين قيل منهم أو منا يا رسول الله قال بل منكم وهو شاهد لحديث مثل أمتي مثل المطر)) [فتح الباري، ج7، ص6].
وروى أحمد بسنديه: ((عن أنس بن مالك، وعن أبي حامد، مرفوعا: “طوبى لمن رآني وآمن بي، وطوبى لمن آمن بي ولم يرني” سبع مرات)) [مسند أحمد، ج20، ص37]، قال الهيثمي: ((رواه أحمد والطبراني بأسانيد ورجالها رجال الصحيح غير أيمن بن مالك الأشعري، وهو ثقة)) [انظر: مجمع الزوائد، ج10، ص67].
وجاء في فتح القدير للشوكاني: ((وأخرج البزار وأبو يعلى والحاكم وصححه عن عمر بن الخطاب قال: «كنت جالسا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنبئوني بأفضل أهل الإيمان إيمانا؟ فقالوا: يا رسول الله! الملائكة، قال: هم كذلك ويحق لهم، وما يمنعهم وقد أنزلهم الله المنزلة التي أنزلهم بها؟ قالوا: يا رسول الله! الأنبياء الذين أكرمهم الله برسالته والنبوة، قال: هم كذلك ويحق لهم، وما يمنعهم وقد أنزلهم الله المنزلة التي أنزلهم بها؟ قالوا: يا رسول الله! الشهداء الذين استشهدوا مع الأنبياء، قال: هم كذلك، وما يمنعهم وقد أكرمهم الله بالشهادة؟ قالوا: فمن يا رسول الله؟! قال: أقوام في أصلاب الرجال يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني ويصدقوني ولم يروني، يجدون الورق المعلق فيعملون بما فيه، فهؤلاء أفضل أهل الإيمان إيمانا»)) [فتح القدير، ج1، ص34].
وأخرج مثله القرطبي في تفسيره، والبيهقي في الدلائل، والأصبهاني في الترغيب، والطبراني، وابن أبي شيبة، وابن عساكر، وأحمد، والدارمي، والبخاري في تاريخـه بأسانيدهم; فراجع ثمة!
والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.