مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

الفرقُ بين (يُنزِّلُ المَلائِكةَ بالروحِ من أمرهِ)‏ و (تَنزلُ المَلائِكَةُ والروحُ فيها)

تفاصيل المنشور

السؤال

يقولُ الله في كتابه الكريم (تَنزلُ المَلائِكَةُ والروحُ فيها) وفي آية أُخرى (يُنزِّلُ المَلائِكةَ بالروحِ من أمرهِ) فما الفروق بين الآيتين في معنى الروح ‏ لغةً وتفسيرًا؟

السائل

مرتضى الكربلائي

تفاصيل المنشور

السؤال

يقولُ الله في كتابه الكريم (تَنزلُ المَلائِكَةُ والروحُ فيها) وفي آية أُخرى (يُنزِّلُ المَلائِكةَ بالروحِ من أمرهِ) فما الفروق بين الآيتين في معنى الروح ‏ لغةً وتفسيرًا؟

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصَّلاةُ والسلام على مَن نُزِّل القرآنُ على صدره، فبلّغه ‏إلى ‏أمته، ‏وعلى آله المعصومين الذين بيّنوا ما أَمر اللهُ به.‏
أصل مادة (ر و ح) تدلّ على سعةٍ وفُسحةٍ واطّراد، وأصل ذلك كله الريح. [انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ج٢، ص٤٥٤].
والرُّوحُ: النّفْس. [تهذيب اللغة، الأزهري، ج٥، ص١٣٩]. ويذكَّر ويؤنَّث، والجمع الأَرْواح. وسُمِّي القرآن رُوحًا، وكذلك جبريلُ وعيسى (عليهما السلام). [انظر: الصحاح، الجوهري، ج١، ص٣٦٧].
والرَّوْحُ: برْدُ نسيمِ الريحِ. والرائحةُ: النسيم، طيبًا كان أو نتنًا. ‏[انظر: المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيدة، ج٣، ص٥٠٨].‏
قال ابن الأثير: ((قد تكرَّر ذكر الروح في الحديث، كما تكرَّر في القرآن، ووردت فيه على معانٍ، والغالب منها أنّ المراد بالروح الذي يقوم به الجسد، وتكون به الحياة، وقد أُطلق على القرآن، والوحى، والرحمة، وعلى جبريل)) [النهاية في غريب الحديث والأثر، ج٢، ص٢٨٧١].
وقد ذكر المفسِّرون في معنى الروح وجوهًا، نشأت من استعمالها في اللغة في معانٍ عديدةٍ، فالروح في القرآن الكريم له معانٍ مختلفة تتناسب مع القرائن الموجودة، فمن الممكن أنْ يعطي في كل موضوع معنًى خاصًّا، فتارةً يُراد من الروح روح الإنسان، وأخرى يُراد منه القرآن، وثالثة روح القدس، ورابعة ملَك الوحي، فكلُّ ذلك من معاني الروح، والقرائن هي التي تحدِّد لنا المراد في الموضوع، وهذا ما يُشار إليه في بقية آيات القرآن.
الآية الأولى: ‏{يُنزِّلُ المَلائِكةَ بالروحِ من أمرهِ}‏ [النحل:2].
فمعنى كلمة “الروح” في قوله تعالى: {يُنزِّلُ المَلائِكةَ بالروحِ من أمرهِ}، يشير إلى كلِّ ما هو سببٌ لإحياء القلوب وتهذيب النفوس وهداية القلوب، كما في قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال:24]، وقوله سبحانه: {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [غافر:15]، وقوله تعالى: {كَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ} [الشورى:52].
فمن الواضح أنّ “الروح” في هذه الآيات ترمز إلى “القرآن” و “الوحي” و “أمر النبوّة”.
وقد وردت “الروح” بمعانٍ أُخَر في مواضع من القرآن الكريم، ولكنْ مع الأخذ بنظر الاعتبار ما ذُكر من قرائن نخلص إلى أنّ المراد من مفهوم “الروح” في الآية مورد البحث هو القرآن وما تضمَّنه الوحْي. [يُنظر: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج٨، ص١٢٩].
وقال العلامة الطباطبائي في تفسيره: ((فقوله تعالى: {يُنزِّلُ المَلائِكةَ بالروحِ من أمرهِ}، الباء للمصاحبة أو للسببية، ولا كثير تفاوتٍ بينهما في المآل كما هو ظاهرٌ عند المتأمِّل، فإنّ تنزيل الملائكة بمصاحبة الروح إنما هو لإلقائه في روح النبي عليه السلام ليفيض عليه المعارف الإلهية وكذا تنزيلهم بسبب الروح؛ لأن كلمته تعالى ـ أعني كلمة الحياة ـ تحكم في الملائكة، وتحييهم كما تحكم في الإنسان، وتحييه وضمير “ينزل” له تعالى، والجملة استئناف تفيد تعليل قوله في الآية السابقة: “سبحانه وتعالى عما يشركون”.
والمعنى: أنَّ الله منزَّه ومتعالٍ عن شِرْكهم أو عن الشريك الذي يدَّعونه له، ولتنزهه وتعاليه عن الشريك ينزِّل سبحانه الملائكة بمصاحبة الروح الذي هو من سنخ أمره وكلمته في الإيجاد – أو بسببه – على من يشاء من عباده أَنْ أَنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتّقون.
وذكر بعضُهم أنّ المراد بالروح الوحي أو القرآن، وُسمِّي روحًا؛ لأن به حياة القلوب، كما أنّ الروح الحقيقيَّ به حياة الأبدان)). [تفسير الميزان، للطباطبائي، ج12، ص206].
وبالنتيجة فكلمة «الروح» في هذا الموضوع ذات جانبٍ معنويٍّ وإِشارة إِلى كلِّ ما هو سببٌ لإِحياء القلوب وتهذيب النفوس وهداية العقول، كما في قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال:24].. وفي قوله تعالى: {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [غافر:15].. وفي قوله: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ} [الشورى:52].
إذًا، معنى “الروح” في هذه الآية الكريمة هو ‏ما يُحيي القلوب، ويُنير العقول، ويَهدي النفوس.‏

الآية الثانية: ‏{تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} [القدر:4].
‏{تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} ‏فكلمة «تنزل» فعل مضارعٌّ يدل على الاستمرار (والأصل تتنزَّل) ممّا يدل على أنّ ليلة القدر لم تكن خاصّة بزمن النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبنزول القرآن، بل هي ليلة تتكرَّر في كلِّ عامٍ باستمرار.
وقيل: إنّ المقصود بالروح هو جبرائيل الأمين، ويسمَّى أيضًا الروح الأمين. وقيل: إنّ الروح بمعنى الوحي بقرينة قوله تعالى: وكذلك أوحينا إليك روحًا من أمرنا.. وللروح تفسيرٌ آخر يبدو أنه أقرب، هو أنّ الروح مخلوقٌ عظيم يفوق الملائكة، بدلالة ما رُوي عن الإمام الصادق (عليه السلام) لمّا سئل عن الروح، وهل هو جبرائيل؟ قال: ((جبرائيل من الملائكة، والروح أعظم من الملائكة، أ ليس أنّ الله عزَّ وجلَّ يقول: {تنزَّل الملائكة والروح}؟)) فالاثنان متفاوتان بقرينة المقابلة.. وذكرت تفاسير أخرى للروح هنا نُعرِض عنها لافتقادها الدليل.
والملائكة تنزَّل في ليلة القد،ر ومعها تقديرٌ وتعيينٌ للمصائر، أو بمعنى: بكلِّ خيرٍ وتقدير. [يُنظر: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج٢٠، ص٣٤٦].
فالآية الكريمة تُشير إلى نزول الملائكة والروح في ليلة القدر، وهي ظاهرة تتكرَّر كلَّ عام، تحمل معها الخير والبركة للعباد، وتُقدّر فيها المصائر.. وتختلف التفسيرات حول معنى “الروح”، بين كونها جبرائيل (عليه السلام)، أو الوحي، أو مخلوق عظيم يفوق الملائكة.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.