تفاصيل المنشور
- المستشكل - سلام عبد الله
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 15 مشاهدة
تفاصيل المنشور
عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: اسألوني قبل أنْ تفقدوني.. والآنَ عليٌّ مات، فكيف تتوسَّلون به، وهو ميتٌ..!!
المستشكل
سلام عبد الله
عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: اسألوني قبل أنْ تفقدوني.. والآنَ عليٌّ مات، فكيف تتوسَّلون به، وهو ميتٌ..!!
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله،ٌ وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.
يُعدّ الاستشكالُ المطروح مغالطةً لغويةً واضحةً، تحاول إثارةَ اللبس والشَّك لتضليل القارئ، وذلك بالخلط بين معنيَين مختلفَين في سياقٍ واحد، حيث تعمَّد المستشكلُ الخلطَ بين مفهوم “السؤال” الذي يعني (طلبَ العلم أو الاستفسار)، ومفهومِ “التوسُّل” الذي يعني (طلبَ الشفاعة باتخاذ وسيلةٍ تُقرِّب إلى الله تعالى)، حيث استخدم المستشكلُ عبارةَ (اسألوني قبل أنْ تفقدوني) لتبرير عدم جواز التوسُّل بعليٍّ (عليه السلام) بعد وفاته بالخلْط بين المعنيَين، مع أنَّ المقصود في حديثِ الإمام (عليه السلام) واضحٌ في السؤال عن العلمِ، وليس التوسُّل به.
بيانُ ذلك هو ما يأتي:
السؤالُ لغةً: ما يَسألُه الإنسانُ، وسألتُه الشيءَ وعن الشيء سؤالًا ومسألةً [الصحاح، ج5، ص1723 مادّة “سأل”]. ويقالُ: رجلٌ سؤلة كثيرُ السؤال، وسألتُه الشيءَ بمعنى استعطيتُه إيّاه، وسألتُه عن الشيء استجزْتُه. وسألتُه عن الشيء استخبرتُه. [معجم مقاييس اللغة، ج3، ص124؛ وانظر: لسان العرب، ج2، ص1728، مادّة “سأل”؛ تاج العروس، ج14، ص324 مادّة “سأل”]. والسؤالُ استدعاءُ معرفةٍ أو ما يؤدّي إلى المعرفة [مفردات القرآن، للراغب الإصفهاني، ص246].
أما اصطلاحًا، فقد عرَّفه العلماءُ بأنه استدعاءُ معرفةٍ، أو ما يؤدِّي إلى المعرفة [مفردات القرآن، للراغب الأصفهاني، ص٤٣٧]، أو ما يؤدّي إلى المال، فاستدعاءُ المعرفة جوابُه على اللسان، واليدُ خليفةٌ له بالكتابة أو الإشارة، واستدعاءُ المال جوابُه على اليد، واللسانُ خليفةٌ لها، إمّا بوعدٍ أو بِرَدٍّ [لكليات، للكفوي، ج١، ص٥٠١].
والتوسُّل لغةً: التقرُّب، يقال: توسَّلت إلى اللّه بالعمل: أيْ تقرَّبت إليه.[لسان العرب والقاموس المحيط مادة “وسل”].
وفي الاصطلاح هو أنْ يقدِّم العبدُ إلى ربّه شيئًا ، ليكون وسيلةً إلى اللَّه تعالى لأنْ يتقبَّل دعاءَه، ويجيبَه إلى ما دعا ، وينالَ مطلوبَه. [التوسُّل مفهومُه وأقسامه وحُكمه، للشيخ السبحاني، ص18].
وقد أوضحَ بعضُ علماءِ أهلِ السُّنة قولَ أمير المؤمنين عليٍّ (عليه السلام): ((سلوني قبلَ أنْ تفقدوني))، متأوِّلين إياه بالحثِّ على طلب العلم والمعرفة والاستفسار عن كتاب الله وسُنَّة رسوله، فقد أشار ابنُ كثيرٍ في تفسيره: ((وثبت أيضًا من غير وجهٍ عن أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه أنه صعد منبرَ الكوفة، فقال: لا تسألوني عن آيةٍ في كتاب الله تعالى، ولا عن سُنةٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنبأتُكم بذلك)) [تفسير ابن كثير، ج7، ص413].
وقال ابنُ أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة)، في شرح كلام الإمام عليٍّ عليه السلام: “أيها الناس سلوني قبل أنْ تفقدوني، فلَأنا بطُرقِ السَّماء أعلمُ منّي بطُرق الأرض”: ((أجمعَ الناسُ كلُّهم على أنه لم يقلْ أحدٌ من الصحابة، ولا أحدٌ من العلماء: سلوني. غيرَ عليّ بن أبي طالب عليه السلام، ذكر ذلك ابنُ عبد البَرِّ في الاستيعاب، والمرادُ بقوله: فلَأنا بطُرق السماء أعلمُ مني بطرق الأرض ما اختصَّ به مِن العلم بمستقبل الأمور، ولا سيما في الملاحم والدُّول)) [شرح نهج البلاغة، ج13، ص196].
ومما تقدَّم يتَّضح أنَّ الفرق الأساسَ بين السؤال والتوسُّل يكمُن في أنَّ الأول يُمثِّل طلبًا مباشرًا للمعلومةِ أو لشيءٍ ماديٍّ، بينما يقومُ الثاني على اتّخاذ وسيلةٍ للتقرُّب إلى الله تعالى بهدف تحقيق الاستجابة.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.
مركز الدليل العقائدي.