مركز الدليل العقائدي

الفرق بين الزنا والمتعة

تفاصيل المنشور

تفاصيل المنشور

الفرق بين الزنا والمتعة هو كالفرق بين الزنا والزواج الشرعي، فالمتعة هي زواج شرعي شرعه الله في كتابه الكريم وجاء التصريح به في السنة الشريفة، وقام بفعله الصحابة الكرام، ولم ترد آية أو رواية صحيحة بنسخ هذا الأمر المشروع، وإليك البيان:

قال تعالى في كتابه الكريم: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة) (1).

قال القرطبي في تفسيره للآية الكريمة: (قال الجمهور: المراد نكاح المتعة الذي كان في صدر الإسلام) (2). انتهى

وقال الشوكاني في تفسيره “فتح القدير”: (قال الجمهور: إن المراد بهذه الآية نكاح المتعة الذي كان في صدر الإسلام ويؤيد ذلك قراءة أبي بن كعب وابن عباس وسعيد بن جبير: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن إلى أجل مسمى). (3) انتهى

ومن السنة الشريفة: أخرج مسلم في “صحيحه” عن عطاء قال: قدم جابر بن عبد الله معتمرا، فجئناه في منزله، فسأله القوم عن أشياء، ثم ذكروا المتعة، فقال: نعم استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر (4).

ونقل مسلم في “صحيحه” عن جابر بن عبد الله قال: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث (5).

فهذه النصوص يستفاد منها أن نكاح المتعة هو نكاح مشروع في الإسلام، جاء به النص القرآني وأن الصحابة فعلوه أيام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأبي بكر وعمر حتى نهى عنه عمر بتصرف خاص منه.

نقل البويصري في “إتحاف الخيرة المهرة” عن جابر بن عبد الله قوله: لما ولي عمر بن الخطاب، خطب الناس فقال: إن القرآن هو القرآن، وإن الرسول هو الرسول، وإنما كانت متعتان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأنا أنهى الناس عنهما وأعاقب عليهما إحداهما متعة الحج، فافصلوا حجكم من عمرتكم فإنه أتم لحجكم وأتم لعمرتكم، والأخرى: متعة النساء، فلا أقدر على رجل تزوج امرأة إلى أجل إلا غيبته في الحجارة (6).

ومن الواضح أن الرجل يريد بقوله هذا النهي التحريمي لا النهي التنزيهي لأجل الكراهة – كما يريد البعض أن يعتذر له -، لأن المكروه لا يعاقب عليه فاعله ولا يغيب بالحجارة من أتى به، وهذا اجتهاد صريح منه في مقابل النص، وباعتراف صاحب الشأن نفسه حين قال: (إن القرآن هو القرآن، وإن الرسول هو الرسول)، فهو يصرح بأنه لم يأت في القرآن ولا السنة شيء ينهى عن متعة الحج أو متعة النساء، فالتشريع في هذا الجانب هو التشريع ولكنني أريد أن أنهى عن هذا التشريع وأعاقب من يأتي به!

 وهذا هو الاجتهاد المنهي عنه عند المسلمين جميعا حين جعلوا من قواعدهم الفقهية الثابتة أنه “لا مساغ للاجتهاد في مورد النص” (7)!

ولأن أكثر الناس للحق كارهون سوف يأتينا أهل الترقيع ليجدوا مخرجا ينقذون به (الخليفة) من جريرة نهيه لما حلله الله وشرعه في كتابه الكريم وفعله الصحابة على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على مرأى ومسمع منه، فتراهم يقولون مثلا:

1- إن زواج المتعة نسخ بقوله تعالى: (الذين هم لفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) (8)0. فقالوا: وليس المتمتع بها بزوجة حقيقة ولا ملك يمين وبهذا يسقط قول من يقول بحليتها.

والجواب: أن من قال بحليتها يثبت أنها زوجة في الحقيقة لها ما للزوجة الدائمة الكثير من الأحكام، فانظروا إلى الأحكام الفقهية التي يوجبونها لنكاح المتعة:

 – لا يكون زواج المتعة إلا بعقد من إيجاب وقبول، فلا يكفي التراضي ولا المعاطاة.

2- لا يكون عقد الزواج المنقطع أو زواج المتعة إلا بلفظ زوجتك أو أنكحتك أو متعتك، فلا يصح بلفظ الهبة والتمليك أو الإباحة.

3- كما ينشر الزواج الدائم الحرمة بالنسب والمصاهرة والرضاع، كذلك زواج المتعة.

4- الولد من المتعة كالولد من الزواج الدائم تترتب عليه جميع الحقوق والواجبات والآثار من الإرث والنفقة وغير ذلك.

5- تعتد المتمتع بها بعد انقضاء العقد، والعدة واجبة عليها كالدائم.

6- لا عدة على غير المدخول بها ولا اليائس ولا الصغيرة كالدائم.

7- لا يجوز مقاربة المتمتع بها في حال حيضها كالدائم.

8- المتمتع بها فراش مع الدخول وهو موجب لإلحاق الولد بالزوج حتى ولو عزل.

9- عقد المتعة بعد وقوعه بشروط لازم فلا تقايل فيه كالدائم.

10- لا يجوز للمسلمة أن تتمتع بالكافر كالدائم، ولا يجوز للمسلم أن يتمتع بالكافرة غير الكتابية.

11- يتساوى عقد زواج المتعة والزواج الدائم في وجوب عدة المتوفى عنها زوجها في أنها أربعة أشهر وعشرة أيام.

12- يتساوى العقدان في أن عدة الحامل فيهما هو وضع الحمل.

13- يشترط بعض الفقهاء في صحة زواج المتعة من البكر إحراز رضا أبيها أو جدها لأبيها كالدائم.

راجع في كل ما ذكرناه أعلاه: الرسائل العملية لفقهاء الإمامية.

 هذا فضلا عن أن سورة (المؤمنون) هي سورة مكية وسورة النساء مدنية والمكي متقدم على المدني فكيف يكون ناسخا له وهو متأخر عنه؟

2- أو تراهم يقولون في رد مشروعية هذا الزواج: أن هذا الزواج نسخته السنة الشريفة.

نقول: إن الروايات الواردة في هذا الجانب عند أهل السنة والجماعة ينقض بعضها بعضا ويكذب بعضها بعضا، حتى اضطر علماء أهل السنة أنفسهم إلى أن يصرحوا بتهافتها وغرابتها وغلط بعضها.

فها هو القرطبي بعد أن يذكر المواطن السبعة التي ادعى نسخ زواج المتعة فيها ينقل عن ابن عربي قوله: (وأما متعة النساء فهي من غرائب الشريعة، لأنها أبيحت في صدر الإسلام ثم حرمت يوم خيبر، ثم أبيحت في غزوة أوطاس، ثم حرمت بعد ذلك واستقر الأمر على التحريم، وليس لها أخت في الشريعة إلا مسألة القبلة، لأن النسخ طرأ عليها مرتين ثم استقرت بعد ذلك).

ثم يقول: (وقال غيره ممن جمع طرق الأحاديث فيها: إنها تقتضي التحليل والتحريم سبع مرات) (9). انتهى

وفي هذا الجانب يصرح ابن القيم: (وهذا النسخ لا عهد بمثله في الشريعة البتة، ولا يقع مثله فيها) (10).

وجاء عن العيني في شرحه على البخاري قوله: (قال إبن عبد البر: وذكر النهي عن المتعة يوم خيبر غلط). (11).

وعن القسطلاني في شرحه على البخاري، قال: (قال البيهقي: لا يعرفه أحد من أهل السير) (12). انتهى

إذن روايات نسخ زواج المتعة من السنة عند أهل السنة والجماعة يكذب بعضها بعضا ويلعن بعضها بعضا ومثل هذا التهافت والتضارب بين الروايات الذي اعترف به أهل السنة أنفسهم هو مضعف لدعوى النسخ هذه، فضلا عن تصريح علمائهم بأن القرآن الكريم لا تنسخه أخبار الآحاد، فكيف بالروايات المتضاربة المتهالكة؟

سئل الإمام أحـمد: أتنسخ السنة شيئا من القرآن؟ قـال: “لا ينسخ القرآن إلا بالقرآن”. (13).

وعن الشافعي: ” وأبان الله لهم أنه إنما نسخ ما نسخ من الكتاب بالكتاب، وأن السنة لا ناسخة للكتاب وإنما هي تبع للكتاب” (14).

وجاء عن ابن تيمية في “مجموع الفتاوى” قوله: (وهم إنما كانوا يقضون بالكتاب أولا لأن السنة لا تنسخ الكتاب فلا يكون في القرآن شيء منسوخ بالسنة بل إن كان فيه منسوخ كان في القرآن ناسخه فلا يقدم غير القرآن عليه) (15). انتهى

ثم لو سلم أن القرآن يمكن نسخه بالسنة، فهل وقع مثل النسخ المذكور خارجا؟

يقول ابن تيمية: (وبالجملة فلم يثبت أن شيئا من القرآن نسخ بسنة بلا قرآن) (16). انتهى

3- أو تراهم يقولون في رد الزواج المذكور: أن المتمتع بها لو كانت زوجة حقيقة لكانت ترث ويقع بها الطلاق وهي بإجماعكم لا ترث ولا يقع بها طلاق.

وجوابه: أن الزوجة لم يجب لها الميراث أو يقع بها الطلاق من حيث كانت زوجة فقط، وإنما حصل لها ذلك لصبغة تزيد على الزوجية، والدليل على ذلك أن الأمة كانت زوجة ولم ترث، والقاتلة لا ترث والذمية لا ترث، والأمة المبيعة تبين من غير طلاق، والملاعنة تبين أيضا بغير طلاق وكذلك المختلعة والمرتد عنها زوجها وكل ما عددناه زوجات في الحقيقة. فتبين من ذلك أن عدم الإرث وعدم وقوع الطلاق وغيره إنما هو لأدلة خاصة خصصت العمومات الواردة في أحكام الزوجات.

4- أو تراهم يقولون: جاء في مروياتكم أن المتعة لا تحصن: (فإن کانت عنده امرأة متعة أتحصنه، قال عليه السلام: لا، إنما هو على الشيء الدائم عنده) (17) … والله سبحانه وتعالى يقول: (محصنين غير مسافحين) (18)، فما لم يكن فيه إحصان يكون من السفاح، وبالتالي يثبت أن زواج المتعة من السفاح!

وجوابه: أن الإحصان في الأحکام نوعان: إحصان الرجم (التزوج)، وإحصان القذف (العفة).

والوارد في الرواية: (فإن کانت عنده امرأة متعة أتحصنه، قال عليه السلام: لا)، هو إحصان الرجم، فراجع عنوان الباب الذي وردت فيه هذه الرواية من كتب الحديث عند الشيعة الإمامية.

بينما الإحصان الوارد في الآية الشريفة: {وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة} هو إحصان العفة.

قال القرطبي في تفسيره: (محصنين غير مسافحين) ومحصنة ومحصنة وحصان، أي عفيفة، أي: ممتنعة من الفسق 19).

وقال الجوهري في الصحاح: كل امرأة عفيفة محصنة ومحصنة (20).

وجاء في الموسوعة الفقهية (الصادرة عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويتية) تحت مفردة (إحصان): (الإحصان في اللغة معناه الأصلي: المنع، ومن معانيه: العفة والتزوج والحرية. ويختلف تعريفه في الاصطلاح بحسب نوعيه: الإحصان في الزنا، والإحصان في القذف) (21). انتهى

والتفصيل المذكور بين نوعي الإحصان قاطع للشركة بينهما في الأحكام، وراجع الموسوعة المذكورة لتقف على تفصيل الأحكام لكل نوع.

5- أو تراهم يقولون – وربما هذا الكلام يصدر عن البعض من خفة العقل وسوء الفهم-: أنت أيها القائل بحلية زواج المتعة هل تقبل لأختك أو ابنتك أن تتمتع؟

وهم بقولهم هذا يريدون أن يشيروا إلى أن زواج المتعة لا يلائم أمزجة عموم الناس ومن هنا لا يصح تشريعه.

وجوابه: أن تعدد الزوجات هو حكم لا يلائم الأغلبية الغالبة من أمزجة النساء، ومع ذاك لم يكن لهذا المزاج العام عند النساء دور في منع تشريعه من قبل الله عز وجل.

فالتشريعات لا يلاحظ فيها أمزجة الناس ورغباتهم بل تلاحظ فيها المصالح الأعم من الشخصية والنوعية.

وها هو إبن القيم الجوزية ينقل عن ابن تيمية قوله: (ونكاح المتعة لا تنفر منه الفطر والعقول ولو نفرت منه لم يبح في أول الإسلام) (22). انتهى

ــــــــــــــــــــ

(1) سورة النساء: 24.

(2) تفسير القرطبي 5: 129.

(3) فتح القدير 1: 414.

(4) صحيح مسلم 2: 1023 كتاب النكاح.

(5) المصدر نفسه.

(6) إتحاف الخيرة المهرة 3: 173، قال البوصيري: رواه أبو يعلى بسند صحيح.

(7) انظر: إعلام الموقعين عن رب العالمين – لابن القيم الجوزية – 2: 199، فصل في تحريم الإفتاء والحكم في دين الله بما يخالف النصوص، وسقوط الاجتهاد والتقليد عند ظهور النص، وذكر إجماع العلماء على ذلك.

(8) سورة المؤمنون: 5 – 7.

(9) تفسير القرطبي 6: 216.

(10) زاد المعاد في هدي خير العباد 2: 184.

(11) عمدة القاري 17: 246 ـ 247.

(12) إرشاد الساري شرح صحيح البخاري 6: 536 و8: 41.

(13) جامع بيان العلم وفضله 2: 564.

(14) الرسالة للشافعي: 106.

(15) مجموع الفتاوى 19: 196.

(16) مجموع فتاوى ابن تيمية 20: 398.

(17) وسائل الشيعة 28: 68، باب ثبوت الإحصان الموجب للرجم في الزنا.

(18) سورة النساء: 24.

(19) الجامع لأحكام القرآن 6: 199.

(20) الصحاح في اللغة – الجوهري 5: 2101.

(21) الموسوعة الفقهية 2: 222.

(22) إغاثة اللهفان – ابن القيم الجوزية – 1: 497.