تفاصيل المنشور
- المستشكل - عبد الله مفلح
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 19 مشاهدة
تفاصيل المنشور
أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان هو الفارق بين الهدى والضلال، لم أرَ أحدًا ينتقصه أو يطعن فيه إلا وفي عقيدته خلل، والروافض يريدون أن نسرد لهم أحاديث في فضائل أمير المؤمنين معاوية، فمعاوية تشهد لعظمته أعماله وإنجازاته.
المستشكل
عبد الله مفلح
أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان هو الفارق بين الهدى والضلال، لم أرَ أحدًا ينتقصه أو يطعن فيه إلا وفي عقيدته خلل، والروافض يريدون أن نسرد لهم أحاديث في فضائل أمير المؤمنين معاوية، فمعاوية تشهد لعظمته أعماله وإنجازاته.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..
قد تجلى في قولك (لم أرَ أحدًا ينتقصه أو يطعن فيه إلا وفي عقيدته خللٌ)، أنك في الواقع توجِّه الطعن إلى أمِّ المؤمنين عائشة، وتشكِّك في عقيدتها؛ لأنها شبّهتْ معاوية بفرعون، ونفَتْ عنه الخلافةَ والصًّحبة من رأسٍ، وذلك لمّا سألها الأسود بن يزيد، قائلًا: ((قلت لعائشة: أ لا تعجبين لرجلٍ من الطلقاء، ينازع أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الخلافة؟ فقالت: وما تعجَب من ذلك؟ هو سلطانُ الله يؤتيه البَرّ والفاجر، وقد ملَك فرعونُ أهلَ مصر أربعمائة سنة، وكذلك غيره من الكفار)). [تاريخ ابن كثير، ج8، ص131، قال: أخرجه أبو داود الطيالسي وابن عساكر؛ الدر المنثور، ج6، ص19، قال: أخرجه ابن أبي حاتم].
قال العلوي في “النصائح الكافية”: إنّ كلام عائشة فيه إشارةٌ واضحة إلى أمورٍ ثلاثة:
الأول: بدلالة مفهوم الصفة المخالف أنّ معاوية ليس من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله، وقد نَقل العلويّ النصَّ من الدر المنثور هكذا: (رجلٌ من الطلقاء ينازع أصحاب محمد في الخلافة).
الثاني: الإشارة بالمثال إلى فجور معاوية.
الثالث: تشبيهها معاوية بفرعون الذي بيّن اللهُ حاله بقوله تعالى: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ* يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ * وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ} [هود:97-99]. [انظر: النصائح الكافية، ص31].
ثم لا يخفى على ذوي العقول والحِجى من المسلمين في شرق الأرض ومغربها، بأنّ معاوية بن أبي سفيان من جملة الطُّلقاء، إلى الحدِّ الذي لا يَشك في ذلك عاقلٌ ولا يَتردد.
وفي معنى (الطليق) يقول ابن حجر العسقلاني في (نزهة الألباب) ما نصُّه: ((الطليق اسمٌ لكلِّ من كان بمكة يوم الفتح، ومَنَّ عليه رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لقوله لهم: أنتم الطُّلَقاء)). [نزهة الألباب، لابن حجر العسقلاني، ج١، ص٤٤٧].
قال أبو بكر الجصّاص: ((والثالث: قوله: «أنتم الطُّلقاء»، وبلغ من استفاضة ذلك في الأمة، أنّ الصحابة كانوا يُسمُّون قريشًا الذين أطلقهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) حين فتح مكة: الطُّلقاء، مثل: سهيل بن عمرو، ومعاوية، وأشباههما من الناس، حتى كانوا يسمُّون أبناءهم: أبناء الطلقاء. وقال عمر: إنَّ هذا الأمر - يعني الخلافة – لا يَصلح للطُّلقاء، ولا لأبناء الطُّلقاء. فكانت هذه سمةٌ لهم ولأبنائهم، حتى صارت كالنسب لشهرتها واستفاضتها)). [شرح مختصر الطحاوي، للجصاص، ج٧، ص١١٠].
وروى ابن عساكر في تأريخه ما كتبه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى معاوية في كتابٍ جاء فيه بعد كلامٍ طويل: ((واعلم يا معاويةُ أنّك من الطُّلقاء الذين لا تحلّ لهم الخلافةُ، ولا تعرض فيهم الشورى)). [تاريخ دمشق لابن عساكر، ج٥٩، ص١٢٨].
إذن، فمعاوية ممن كان المسلمون حاكمين عليه بالقتل أو الاسترقاق، ولم يفعلوا ذلك، بل تكرّموا، ومنّوا عليه بالإطلاق، فولاية القتل والاسترقاق ثابتةٌ لهم كما في ولاء العتق، فلم يكن لمعاوية ولغيره من الطُّلقاء أنْ يأمر، ولا أنْ ينهى، ولا أن يتأمّر على المسلمين قضاءً لحقوق تلك الولاية.
ووجْه ذلك أنّ المسلمين هم الذين وهبوا له آثار الحياة والحريّة، بحيث صار يأمُر، وينهى نفسه، يذهب، ويجيء حيث يشاء، فلو صار يأمر، وينهى المسلمين، ويتأمَّرُ عليهم، صار كعبدٍ يتحكم بمولاه، وهذا منقوضٌ بولاية المسلمين على الطُّلقاء، هذا من جانب.
ومن جانب آخر، فقد لُعن معاوية وأبوه على لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد روى البزار في مسنده، قال: ((حدثنا السكن بن سعيد، قال: حدثنا عبد الصمد، قال: حدثنا أبي، وحدثنا حماد بن سلمة، عن سعيد بن جمهان، عن سفينة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالسًا، فمرّ رجلٌ على بعيرٍ، وبين يديه قائدٌ وخلفه سائقٌ، فقال: لعن الله القائد والسائق والراكب)) [مسند البزار ”البحر الزخار”، ج9، ص286، ط. الأولى، المدينة المنورة].
قال الهيثمي في المجمع: ((رواه البزار، ورجالُه ثقات)) [مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ج1، ص113، ط. القاهرة، ١٤١٤هـ، ١٩٩٤م].
وقال ابن الوزير في “العواصم والقواصم”: ((العاشر: حديث “لعن الله الراكبَ والقائد والسائق”. رواه الهيثمي مرفوعًا من حديث سفينة، وقال: رجاله ثقات، وهو لعنٌ لمعيَّن)) [العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم، ج8، ص94، ط. الثالثة، ١٤١٥هـ - ١٩٩٤م، مؤسسة الرسالة، بيروت].
وجاء في “الإمتاع والمؤانسة”، أن المدائني قال: ((جرى بين وكيع بن الجراح وبين رجل من أصحابه كلامٌ في معاوية، واختلفا، فقال الرجل لوكيع: أ لم يبلغْك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن أبا سفيان ومعاوية وعتبة، فقال: «لعَن الله الراكب والقائد والسائق»، فقال وكيع: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيما عبد دعوتُ عليه فاجعل ذلك (له أو عليه) رحمة»، فقال الرجل: أ فيسرك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن والديك، فكان ذلك لهما رحمة؟. فلم يحر إليه جوابًا)). [الإمتاع والمؤانسة، ص387، ط. الأولى، ١٤٢٤هـ، المكتبة العصرية، بيروت].
وليس هذا فحسب، بل جاء الأمر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، بقتله، فكان يقول: ((إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه)) [تاريخ الطبري، ج10، ص58، ط. المعارف؛ وسير أعلام النبلاء، ج3، ص149؛ وتهذيب التهذيب، لابن حجر، ج7، ص324].
ورواه ابن كثير في “البداية والنهاية”، وعقبه بقوله: ((وهذا الحديث كذب بلا شك، ولو كان صحيحًا لبادر الصحابة إلى فِعل ذلك)) [البداية والنهاية، لابن كثير، ج11، ص434، تـ. التركي].
وإنه لأمر مضحك من ابن كثير، فهو بدلًا من أن يناقش سند الحديث، ويحكم بالاستناد إلى ذلك على كذبه وضعفه، ناقش متن الحديث، وبما لم يسبقه إليه أحد، وهو بذلك يؤسس قاعدة جديدة مفادها: كل حديث لم يبادر الصحابة إلى العمل بمضمونه فهو حديث مكذوب، وبعكس ذلك فهو الصحيح!! .. ولا نعلم من أين جاء بهذه الملازمة!!
ومع ذلك فقد جاء عن أبي سعيد الخدري ما يؤكد علم الصحابة بحديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي يحثهم على قتل معاوية إن رأوه على منبره، إلا أنّ عمر بن الخطاب منعهم من ذلك!، فقد روى البلاذري في الأنساب، عن أبي سعيد الخدري، أنه قال: ((إن رجلًا من الأنصار أراد قتل معاوية، فقلنا له: لا تسلّ السيف في عهد عمر حتى تكتب إليه، قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا رأيتم معاوية يخطب على الأعواد فاقتلوه. قال: ونحن قد سمعناه، ولكن لا نفعل حتى نكتب إلى عمر، فكتبوا إليه، فلم يأتهم جواب الكتاب حتى مات)). [أنساب الأشراف، للبلاذري، ج5، ص128 – 129، ط. الفكر].
وقولك (والروافض يريدون أن نسرد لهم أحاديث في فضائل أمير المؤمنين معاوية)؛ لأنك تعلم أنه ليس هناك أيّ حديث يشير إلى فضائله، في مقابل ما ورد في ذمِّه وذكر موبقاته، وقد أكد ابن تيمية بوضوحٍ تامٍّ أنّ كلّ ما ورد في فضائل معاوية هو من الموضوعات، فقال: ((طائفةٌ وضعوا لمعاوية فضائل، ورووا أحاديث عن النبي – صلى الله عليه وسلم - في ذلك، كلُّها كذبٌ)) [منهاج السنة النبوية، ج4، ص400].
وأكد ذلك – أيضًا – ابن قيم الجوزية في “المنار المنيف” بقوله: ((ومن ذلك ما وضعه بعض جهلة أهل السُّنة في فضائل معاوية بن أبي سفيان، قال ابن راهويه: لا يصح في فضائل معاوية بن أبي سفيان عن النبي (ص) شيءٌ، قلت: ومراده ومراد من قال ذلك من أهل الحديث أنه لم يصحّ حديثٌ في مناقبه بخصوصه)) [المنار المنيف في الصحيح والضعيف، ج1، ص116].
وقد ذكر ابن تيمية محنة الحاكم النيسابوري صاحب المستدرك، وما حدث له بسبب امتناعه عن رواية حديثٍ واحدٍ في فضائل معاوية، فقال في منهاجه: ((وقد طُلِبَ منه أن يروي حديثًا في فضل معاوية، فقال: ما يجيء من قلبي، ما يجيء من قلبي، وقد ضربوه على ذلك، فلم يفعل)) [منهاج السنة، ج7، ص373].
وأما عن قولك (فمعاوية تشهد لعظمته أعماله وإنجازاته)، فمن إنجازاته وأعماله التي تشهد له، ما سجّله لنا التاريخ من قتْله الصحابة والتابعين وأبناءهم، ونحن نقتصر في هذه العُجالة على ذكر بعضهم، وأشهرهم: سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام)، وعمار بن ياسر، وحجر بن عدي، ومحمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة، ومحمد بن أبي بكر، وعمرو بن الحمق الخزاعي، ومحرز بن شهاب السعدي التميمي، وعبد الرحمن العنزي، وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد، ومالك الأشتر.
ويضاف إليهم: سعد بن أبي وقاص، حيث أورد البلاذري خبرًا ذكر فيه أن سعدًا مات مسمومًا بسُمٍّ دسّه إليه معاوية بن أبي سفيان. [يُنظر: أنساب الأشراف، للبلاذري، ج1، ص404]. ورواه الطبراني في معجمه. [المعجم الكبير، للطبراني، ج٣، ص٧١، ح٢٦٩٤]، وقال محقق الكتاب حمدي السلفي: إسناده إلى قائله صحيح.
هذا هو أمير الطلقاء معاوية، العظيم في جرائمه، المتفرِّد في كثرة موبقاته!!
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.