مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

الطاغية المرحوم والملعون!!

السائل = طالب علم
السؤال = نسمع كثيرًا من أهل السنة ترحُّمهم على شخصِ صدام حسين الحاكم الأسبق للعراق، وحين تسألهم عن سبب الترحُّم عليه يُقال: إنه الحاكم الشجاع الذي قصف إسرائيل، وكان في صفِّ فلسطين، وفي زمانه كان العراق سالمًا منعَّمًا، وهو من حارب بلاد المجوس والفرس إيران، فتراهم يحتفلون في كل سنة بانتصاره.. فما ردكم على ذلك؟

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.
إذا أردت الحقيقة فإن ترحُّمهم على صدام ليس بسبب الضربات التي وجهها إلى إسرائيل بصبغتها الدينية اليهودية، وإنما هو بسبب شنِّه الحرب على إيران بصبغتها الشيعية، والذي يُفسَّر عادة أنه جزء من التصعيد الطائفي ضد الشيعة.
علاوة على ذلك، فإن مَن يترحم على الطاغية صدام اليوم، يُفسَّر ترحُّمه بالتأييد التامِّ لاحتلاله لدولة الكويت، فيكونون بذلك قد أوقعوا أنفسهم في مأزقٍ مخجل مع أبناء الشعب الكويتي!! فليجدوا لأنفسهم بأنفسهم مخرجًا من ذلك، لتبرير الترحُّم عليه بعد أنِ احتل الأرض، وانتهك العرض.
وهنا قد يعترض بعضهم مبررًا: أن الترحم على صدام إنما هو من جهة ضربه لإسرائيل وحربه ضد إيران، لا من جهة احتلاله دولة الكويت!!
فهذا الاعتراض بالتبرير المذكور هو المتوقَّع منهم، ولكن هذا – أيضًا – أوقعهم بمأزقٍ آخر أخطر من سابقه، وهو مخالفة فتاوى علمائهم، حيث أفتوا بكفر صدام وإنْ قال لا إله إلا الله، والذي يعني: وإن ضرب إسرائيل!!
قال مفتي عام المملكة العربية السعودية الشيخ “عبد العزيز بن باز” في جواب سؤالٍ وُجِّه إليه، ونصه: ((هل يجوز لعْن حاكم العراق؟ لأن بعض الناس ‏يقولون: إنه ما دام ينطق بالشهادتين نتوقف في لعنه، وهل يُجزم بأنه كافر؟ وما رأي سماحتكم في ‏رأي من يقول: بأنه كافر؟
الجواب: هو كافر وإن قال: لا إله إلا الله، حتى ولو صلى، وصام، ما دام لم يتبرأ من مبادئ البعثية ‏الإلحادية، ويعلن أنه تاب إلى الله منها وما تدعو إليه؛ ذلك أن البعثية كفر وضلال، فما لم يعلن هذا ‏فهو كافر)) [مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز، ج6، ص155].‏
وقال أيضًا: ((صدام الذي هو أكفر من اليهود والنصارى وأضل منهم)) [المصدر نفسه، ج6، ‏ص152]. ‏
وكان الشيخ مقبل بن هادي الوادعي يكفِّر صدام حسين، ويدعو عليه بقوله: ((صدمه الله بالبلاء، إنه ‏يؤمن بالجبت والطاغوت، ومعتدٍ بعثي)) [تحفة المجيب، للوادعي، ص53، 93].‏
فلا هم التزموا بالفتاوى الصادرة عن علمائهم، ولا هم أظهروا إنصافًا لأشقائهم في دولة الكويت!! بغضِّ النظر عن إنصاف الشعب العراقي المظلوم، الذي لم يُنصَف إلى اليوم.
هذا مضافًا إلى أن الذين يترحّمون اليوم على صدام لكونه وجّه ضرباتٍ عسكرية لإسرائيل، هم أنفسهم بالأمس ـ شعوبًا وحكامًا ـ استنجدوا بدول الكفر والشرك على حد تعبيرهم، للإطاحة بصدام الذي يصفونه اليوم بالشجاع، ويترحَّمون عليه، قال الشيخ الألباني في جواب سؤال وُجِّه إليه، ونصه: ((السائل: شيخ إذا ما حصل قتال بين القوّات المتعدّدة الجنسيّات في الخليج والعراق فما حكم القتال تحت راية صدّام حسين أو تحت الرّاية الأخرى؟
الشيخ: نحن تكلّمنا عن هذه المسألة مرارًا و تكرارًا، إذا أرادت الدّول الإسلاميّة أن تخرج العراق من الكويت جاز لها ذلك، إذا أرادت الدّول الإسلاميّة أن تخرج المعتدي الباغي ـ العراق ـ من الكويت يجوز لها ذلك)) [سلسلة الهدى والنور – شريط : 457].
وقال مفتي عام المملكة العربية السعودية الشيخ عبد العزيز بن باز في جواب سؤال وُجه إليه حول “حكم الاستعانة بغير المسلمين في قتال طاغية العراق”: ((إن الرب جل وعلا أوضح في كتابه العظيم: أنه سبحانه أباح لعباده المؤمنين إذا اضطروا إلى ما حرُم عليهم أن يفعلوه، كما قال تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام:119]، ولما حرَّم الميتة والدم والخنزير والمنخنقة والموقوذة وغيرها قال في آخر الآية: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 3].
والمقصود أن الدولة في هذه الحالة قد اضطرت إلى أن تستعين ببعض الدول الكافرة على هذا الظالم الغاشم؛ لأن خطره كبير؛ ولأن له أعوانًا آخرين لو انتصر لظهروا، وعظم شرهم؛ فلهذا رأت الحكومة السعودية وبقية دول الخليج أنه لا بد من دول قوية تقابل هذا العدو الملحد الظالم، وتعين على صده وكف شره وإزالة ظلمه.
وهيأة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية لما تأملوا هذا، ونظروا فيه، وعرفوا الحال بيَّنوا أن هذا أمر سائغ، وأن الواجب استعمال ما يدفع الضرر، ولا يجوز التأخر في ذلك، بل يجب فورًا استعمال ما يدفع الضرر عن المسلمين ولو بالاستعانة بطائفة من المشركين فيما يتعلق بصد العدوان وإزالة الظلم، وهم جاؤوا لذلك)) [مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز، ج6، ص147].
وها هو القناع اليوم يسقط عن الوجوه، فتنكشف لنا ملامحها بوضوح، ففي أغسطس / آب 2020م، كان ثمة بيان مشترك للولايات المتحدة الأمريكية والإمارات وإسرائيل، جاء فيه أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد، اتفقوا على “تطبيع كامل” للعلاقات بين الإمارات وإسرائيل، حسب نص البيان الذي نشره ترامب الذي وصف الاتفاق بأنه “إنجاز تاريخي”، وقال عبر حسابه على تويتر: إنه “اتفاقُ سلامٍ تاريخي بين أصدقائنا العظام إسرائيل والإمارات”، ثم اتسعت رقعة التطبيع لتضم دولًا عربية أخرى!!
ومن هذا وذاك ينكشف لنا أن حقيقة الترحُّم على صدام إنما كان بدافع حربه ضد الشيعة فحسب، لا لأنه ضرب إسرائيل، واصطف مع الشعب الفلسطيني، وإلا فأين كان صدام عن إسرائيل واحتلالها لفلسطين طيلة حكمه؟!
وأما الاحتفال بذكراه فهو ليس إلا استفزاز للشعب العراقي عمومًا وللشيعة خصوصًا، ناهيك عن أنهم هم وحكامهم من أسقط الطاغية صدام بمعونة التحالف الدولي، وهذا ما يجسد لنا طريقة قتل القتيل والبكاء على مقتله في آنٍ!!
هذا، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}، والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.