السائل
ناصر يعقوب
السائل
ناصر يعقوب
لقد ذكر الله الصحابة، وترضّى عنهم في القرآن أكثر من مائة مرة، ولم أجد ذكر الشيعة أبدًا. فإذا وجدتم ذكرهم في القرآن فأخبروني لو سمحتم.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..
خذْ في علمك أنّ الله سبحانه يقول: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر:7]، فقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بنص الآية الكريمة قائمٌ مقام قول الله عز وجل.
وضعْ في اعتبارك ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الله بن مسعود، أنه حينما قال: ((لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمِّصات، والمتفلِّجات للحسن المغيِّرات خلق الله! قال: فبلغ ذلك امرأةً من بني أسدٍ، يقال لها: أم يعقوب! ـ وكانت تقرأ القرآن ـ فأتته، فقالت: ما حديثٌ بلغني عنك؟ أنك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتنمِّصات والمتفلِّجات للحسن المغيِّرات خلق الله؟ فقال عبد الله: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في كتاب الله؟ فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته! فقال: لئن كنتِ قرأتيه لقد وجدتيه، قال الله عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}! فقالت المرأة: فإني أرى شيئًا من هذا على امرأتك الآن، قال: اذهبي، فانظري، قال: فدخلت على امرأة عبد الله، فلم تر شيئًا! فجاءت إليه، فقالت: ما رأيتُ شيئًا! فقال ابن مسعود رضي الله عنه: أما لو كان ذلك لم نجامعها)) [صحيح البخاري، ج6، ص146، ح4886، صحيح مسلم، ج3، ص1678، ح2125].
وبناء على أنّ قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قائمٌ مقام قول الله سبحانه بدليل الآية الكريمة، ورواية البخاري ومسلم لحديث ابن مسعود، فيمكن تأكيد ذكر الشيعة في القرآن في عدة آيات، منها، قوله تعالى: {أُولئكَ هُم خَيرُ البريَّةِ}.
قال السيوطي في “الدر المنثور” في تفسير قوله تعالى: {أُولئكَ هُم خَيرُ البريَّةِ}: ((أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله، قال: كنّا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأقبل عليٌّ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: والذي نفسي بيده، إنَّ هذا وشيعته لهم الفائزونَ يوم القيامة، قال: وأخرج ابن مردويه عن علي، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أ لم تسمع قول الله {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئكَ هُم خَيرُ البَريَّة}. أنتَ وشيعتُكَ، وموعدي وموعدكم الحوض، إذا جاءت الأمم للحساب تُدعون غُرًّا محجَّلين)) [الدر المنثور، ج 8، ص 589].
وجاء في “النهاية” لابن الأثير ما نصه: ((وفي حديث علي عليه السلام: ستقدم على الله، أنتَ وشيعتُكَ راضين مرضيّين، ويقوم عليك عدوّك غضابًا مقمَحين، ثم جمع يده إلى عنقه، يريهم كيف الإقماح)). ثم فسَّر “ابن الأثير” الإقماح في الحديث برفع الرأس وغض البصر، يُقال: أقمحه الغل إذا تركَ رأسه مرفوعًا من ضيقه. [النهاية في غريب الحديث والأثر، ج4، ص106].
وقال ابن حجر الهيتمي في “الصواعق” : ((الآية الحادية عشرة قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلوا الصّالِحاتِ أُولئكَ هُم خَيرُ البَرِيَّة}. «أخرج الحافظ جمال الدين الزرندي عن ابن عباس، أنَّ هذه الآية لمّا نزلت قال صلى الله عليه وآله وسلم لعليٍّ: «هو أنتَ وشيعتُكَ، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيّين، ويأتي عدوّك غضابًا مقمَحين». وعن أم سلمة، قالت: «كانت ليلتي، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندي، فأتته فاطمة، فتبعها علي – رضي الله عنهما – فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي، أنتَ وأصحابك في الجنة، أنت وشيعتُكَ في الجنّة)) [الصواعق المحرقة، ج2، ص468].
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): ((يا علي أول أربعة يدخلون الجنة أنا وأنت والحسن والحسين، وذريتنا خلف ظهورنا، وأزواجنا خلف ذريتنا، وشيعتنا عن أيماننا وشمائلنا)) [المصدر نفسه، ج2، ص466].
وروى الزمخشري في “ربيع الأبرار” أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: ((يا علي إذا كان يوم القيامة أخذتُ بحجزة الله تعالى، وأخذتَ أنت بحجزتي، وأخذ ولدك بحجزتك، وأخذ شيعة ولدك بحُجَزهم، فترى أين يؤمر بنا)) [ربيع الأبرار ونصوص الأخبار، ج2، ص159].
وأما عن ذكر الصحابة في القرآن، فإن القرآن الكريم يصنف الصحابة إلى فئات مختلفة، حيث يذكر القرآن الكريم السابقين الأولين، والذين بايعوا تحت الشجرة، والمهاجرين الذين تركوا ديارهم وأموالهم، وأصحاب الفتح، وغيرهم من الفئات التي يُثني عليهم القرآن الكريم، ويذكرهم بالفضل والفضيلة. وعلى النقيض، يذكر القرآن الأصناف الأخرى التي ينبغي علينا ألا ننساها، وتلك الأصناف هي:
1 – المنافقون المعروفون، قال تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله وَالله يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَالله يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: الآية 1].
2 – المنافقون المتستِّرون الذين لا يعرفهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} [التوبة: الآية 101].
3 – ضعفاء الإيمان ومرضى القلوب، قال تعالى: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [الأحزاب: الآية 12] .
4 – السماعون لأهل الفتنة، قال تعالى: {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ*وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ الله انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ*لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَالله عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [التوبة: الآيات 45-47].
5 – الذين خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا، قال تعالى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا} [التوبة: الآية 102].
6 – الذين تركوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قائمًا في مسجده يخطب الجمعة، وذهبوا وراء التجارة واللهو، قال تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة:11].
7 – الذين تواطؤوا على اغتيال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليلة العقبة، وكان عددهم اثني عشر أو أربعة عشر أو خمسة عشر رجلًا من الصحابة، قال تعالى: {وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا} [التوبة:74]، وهذه الآية ـ بإطباق أكثر المفسرين ـ نزلت في هؤلاء عندما همُّوا، وأرادوا الفتك برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
هذا، وقد صرح القرآن كذلك بأن عائشة وحفصة صغت قلوبهما، وتظاهرتا على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم:4]، إلى أن قال: {ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ – وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ} [التحريم:10].
وقد هدد القرآن زوجات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهن صحابيات بلا شك، فقال في شأنهن: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا – وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِله وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا} [الأحزاب:30 – 31].
وقد تنبّأ الذكر الحكيم بارتداد لفيفٍ من المحدِقين بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في غزوة أُحد، التي وقعت في السنة الثالثة من الهجرة، فقال سبحانه: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ الله شَيْئًا وَسَيَجْزِي الله الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144].
فقد أخبر الله تعالى عن ردتهم بعد نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) على القطع والثبات، وقال جل اسمه: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ الله شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال:25]، فأنذرهم الله سبحانه من الفتنة في الدين، وأعلمهم أنها تشملهم على العموم إلا من خرج بعصمة الله من الذنوب.
فالآية صرّحت بارتداد أكثر الصحابة {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ … }، وقد وردت جملةٌ من الأحاديث تؤكد ارتداد الصحابة، ذُكر بعضها في صحيح البخاري الذي تعدّونه بعد القرآن الكريم في الرتبة والصحّة، وكأنها واردةٌ مورد التفسير لهذه الآية، ومؤكدة لتحقق مضمونها بعد وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد أورد البخاري في صحيحه روايات عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يُخبر فيها عن ارتداد بعض أصحابه، وأنّهم سيُساقون إلى النار، فيقول: يا رب أصحابي، فيُقال له: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى، فقد روى عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: ((بينا أنا قائمٌ إذا زمرة، حتى إذا عرفتُهم خرج رجلٌ من بيني وبينهم، فقال: هلمَّ، فقلت: أين؟ قال إلى النار والله. قلتُ: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى، ثم إذا زمرةٌ حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلمَّ، قلت: إلى أين؟ قال: إلى النار والله. قلت: ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همَل النعم)) [صحيح البخاري، ج 8، ص150-151].
وأخرج البخاري -أيضًا- عن البراء بن عازب، أنه قيل له: ((طوبى لك، صحبت النبي وبايعته تحت الشجرة، قال: إنّك لا تدري ما أحدثنا بعده)) [صحيح البخاري، ج5، ص160]، وهذا إقرار واضح، وإقرار العقلاء على أنفسهم حجة!!
فالآية الكريمة والطوائف الكثيرة من الأحاديث الصحيحة على مبانيكم كلّها تخبر عن ارتداد الصحابة.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.