تفاصيل المنشور
- المدَّعي - هارون الغار
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 15 مشاهدة
تفاصيل المنشور
مِن خطر الشيعة والتشيُّع أنهم يريدون تبديل الدين وإضلال العالمين، فهم مخالفون لأهل الإسلام والسُّنّة في كل شيءٍ.
المدَّعي
هارون الغار
مِن خطر الشيعة والتشيُّع أنهم يريدون تبديل الدين وإضلال العالمين، فهم مخالفون لأهل الإسلام والسُّنّة في كل شيءٍ.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.
إنّ هذه التّهمة الباطلة التي يرمي بها أعداءُ الحقِّ أتْباعَ مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ليست إلا تكرارًا لأسطوانةٍ مشروخةٍ، نُسِجت خيوطُها بأقلام الحقد الدفين، وسُوِّقتْ لعقول عوامّ الناس الذين خدّرتْهم دعاية السلاطين وأرباب السلطة، فراحوا يردِّدونها بلا وعيٍ ولا دليل. فأيُّ تبديل للدين قام به الشيعة؟ وأيّ إضلالٍ للعالمين يدّعون؟! وهل يكون الضلال في التمسُّك بوصيّة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، الذي جعل أهل بيتِه قرناء القرآن، وأوصى الأمّة بهم، وأمرَها بالتمسُّك بهم، وجعَلهم سفينة النجاة التي مَن تخلَّف عنها غرِق، وهوى، أو يكون الضلال في التنكُّر لهذه الوصيّة، والجري وراء الطُّلقاء الذين ما دخلوا الإسلام إلا قسرًا، ثم انقلبوا عليه لما دانتْ لهم الأمور، فحرَّفوا الدين ليوافق أهواءهم، واستبدلوا ولاية الله بسلطة الجبابرة؟!
لقد روتْ مصادر القوم أنفسِهم حديث الثقلين الصحيح الثابت المتواتر المتسالَم عليه، والمرويّ عن بضعٍ وعشرين صحابيًّا، والمحفوظ في السُّنَن والمسانيد، كما صرح بذلك ابن حجر في “الصواعق المحرقة” بقوله: ((وقد تواترت الأخبار بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني تاركٌ فيكم ثقلين، كتاب الله وعترتي)) [الصواعق المحرقة، ص136]. فهذا الحديث الذي رواه جمهور المسلمين، وأقرّ بصحته أعلامهم، يوجب على الأمة جمعاء الأخذ بالثقلين: الكتاب والعترة، وعدم التفريط بهما، لقوله (صلى الله عليه وآله): ((إني تارك فيكم ما إنْ تمسَّكتم به لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله، حبلٌ ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرَّقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما)) [مختصر صحيح الجامع الصغير للسيوطي والألباني، رقم الحديث 1726 – 2458].
فهل يكون الضلال في التمسُّك بهذا الحديث النبويّ والالتزام بأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كما فعل أتْباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)؟ أو يكون الضلال في الإعراض عن هذه الوصية، والتنكُّب عن طريق آل محمد (عليهم السلام)، والاستغناء عنهم بروايات الوضّاعين وأحكام فقهاء وعّاظ السلاطين؟ إنّ الضلال كلّ الضلال هو في ترك آل محمد (عليهم السلام) والارتماء في أحضان الطلقاء وأبنائهم الذين حاربوا الإسلام بالأمس، ثم تزيَّوا بزيِّه اليوم، ولبسوا مسوح الدين، ليتلاعبوا بأحكامه، فيحرِّمون ما أحلَّ الله، ويُحلُّون ما حرَّم، ويجعلونه مطيّةً لسلطتهم، ومبرِّرًا لجرائمهم.
إنْ كان ثمةَ مَن بدَّل الدين، فهم الذين استبدلوا حكم الله بحكم السلاطين، والذين قَتلوا أهل بيت النبي، واستباحوا حرُماتهم، ثم كذبوا على الناس، وادَّعوا أنهم حماة الإسلام! فبأيِّ منطقٍ يُتَّهم الشيعة بتبديل الدين، وهم حمَلة تراث النبيّ (صلى الله عليه وآله) وأمانة أهل بيته (عليهم السلام)، بينما يُبرَّأ مَن تلاعبوا بالشريعة، وأحلّوا دماء الصالحين، واتّخذوا دين الله لهوًا ولعبًا؟!
ثم إنّ هذه الفرية المزعومة ليست وليدة اليوم، بل هي امتدادٌ لحربٍ طويلة شنّتها قوى الطغيان على خطِّ الإمامة، فقد كان بنو أُمية وبنو العباس هم أول من روّج هذه الأكذوبة؛ لأنهم وجدوا في التشيُّع عقَبة كبرى أمام استبدادهم، فكيف يُتَّهم الشيعة بالخروج عن الإسلام، وهم أتْباع علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الذي قال فيه النبي (صلى الله عليه وآله): ((عليٌّ مع الحق، والحق مع عليٍّ، يدور معه حيث دار))، وهو حديث رواه الحاكم في “المستدرك” [المستدرك على الصحيحين، ج3، ص124]، وغيره من علماء أهل السُّنة، وقال فيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضًا: ((يا عليّ من فارقني فارقَ الله، ومن فارقك يا عليّ فارقني))، قال الهيثمي: ((رواه البزار، ورجاله ثقات)) [يُنظر: مجمع الزوائد، ج5، ص127، 128، 129، 130، 131، 132، 133]؟ فهل يكون الضلال في التمسُّك بعليٍّ الذي لا يفارق الحقَّ، ولا يفارقُه، أو في معاداته والتآمر عليه واغتصاب خلافته؟ بل إنّ الفخر الرازي يقرّ في تفسيره مصرِّحًا: ((فقد ثبت بالتواتر: ومن اقتدى في دينه بعلي بن أبي طالب فقد اهتدى، والدليل عليه قوله عليه السلام: اللهم أدِرِ الحقَّ مع عليّ حيث دار)) [التفسير الكبير، ج1، ص180]. فهل يكون أتْباع عليّ (عليه السلام) هم الضالين، أو أولئك الذين حادوا عنه، واتّبعوا أعداءه، ثم زيَّفوا التاريخ، ولبَسوا على الناس دينَهم؟
وأما زعمهم بأنّ الشيعة يخالفون أهل الإسلام والسُّنة في كل شيءٍ، فهذه فرية مفضوحةٌ لا تنطلي إلّا على الجاهلين بتاريخ الإسلام. فإنْ كان المقصود بأهل الإسلام مَن بايعوا بني أُمية وبني العباس، وتبِعوا سلاطين الجور، فنَعَم، الشيعة لا يتّفقون مع هؤلاء؛ لأنهم لا يرضون بالظلم، ولا يقرّون الحكم القائم على الغدر والخيانة.
وأما إنْ كان المقصود بالإسلام هو الدين الذي جاء به النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، فإنّ الشيعة أولى الناس به؛ لأنهم حفظوا وصاياه، وتمسَّكوا بأهل بيته الذين أذهب اللهُ عنهم الرجس، وطهَّرهم تطهيرًا، كما نصّ القرآن الكريم.
إنّ الحملة الشعواء على التشيُّع لم تكن يومًا قائمة على منطقٍ أو برهان، وإنما هي تضليل إعلاميٌّ مارستْه السلطات الظالمة عبر التاريخ لحرف الناس عن معرفة الحقيقة؛ ولهذا نجد أنّ كلّ من بحث في مصادر الإسلام بتجرُّدٍ وإنصافٍ اهتدى إلى ولاية أهل البيت (عليهم السلام)، وأدرك أنّ الحقّ معهم لا مع مَن عادوا عليًّا (عليه السلام) وسفكوا دماء ذريّته، واستحلوا محارم الله في كربلاء وغيرها من المآسي التي تشهد على انحراف خطِّ السقيفة عن مبادئ الإسلام الحقيقيّة.
فليأتوا بحجَّةٍ واحدة تُثبت أنّ الشيعة بدّلوا الدين، وليفسِّروا لنا كيف يكون اتِّباع مَن أمر النبيُّ (صلى الله عليه وآله) باتِّباعه خروجًا عن الإسلام؟ أم إنّ المطلوب من المسلمين أنْ ينساقوا وراء من بدَّلوا الدين فعلًا، فجعلوه خادمًا للسلطة، وحوَّلوا الإسلام من رسالةٍ سماوية إلى أداة قمعٍ واستبداد؟ لا والله، بل الحقّ مع عليٍّ، والحقّ مع أتْباع عليّ، ومَن فارقهم فقد فارق الدين، ولو لبِس ألفَ عباءةٍ، وتظاهر بألف صلاة.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.