تفاصيل المنشور
- المستشكل - أبو أروى
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 15 مشاهدة
تفاصيل المنشور
على مذهب الشيعة تكون صلاة النبي (ص) ناقصةً؛ لأنه لم يُصلِّ على تربة كربلاء؛ لأنهم خصصوا السجود في الصلاة المفروضة على تربة كربلاء، ولست أدري من أين جاؤوا بهذا التخصيص!!
المستشكل
أبو أروى
على مذهب الشيعة تكون صلاة النبي (ص) ناقصةً؛ لأنه لم يُصلِّ على تربة كربلاء؛ لأنهم خصصوا السجود في الصلاة المفروضة على تربة كربلاء، ولست أدري من أين جاؤوا بهذا التخصيص!!
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..
إنّ تربة كربلاء لم تكن لها الشأنية الفعلية في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ لأن الإمام الحسين (عليه السلام) لم يُستشهَد بعدُ، وهذا السؤال يمكن تصوُّره في مرحلةِ فعليةِ الحكم دون مرحلة الجعل والمِلاك إن كنت تفقه ذلك.
ثم إن السجود على تربة كربلاء ليس تخصيصًا، وإنما هو تطبيقٌ لأحد مصاديق العامِّ، فقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قولُه في حديثٍ متفق عليه: ((جُعلتْ لي الأرض مسجدًا وطهورًا..)) [وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج٢، ص٤٣٩، ط. الإسلامية؛ صحيح البخاري، ج1، ص168، تـ. البغا]، وأرضُ كربلاء هي واحدةٌ من مصاديق هذه الأرض، فلا إشكال من الناحية الفقهية في صحة هذا السجود وجوازه.
وقد تَسأل عن هذه الشأنية المعطاة لأرض كربلاء دون غيرها من بقاع الأرض؟
الجواب: أن هذه الشأنية تُفهم من عناية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والملائكة العظام بشأن هذه التربة كما ورد في روايات كثيرة متضافرة؛ كهذه الرواية الصحيحة الواردة عن أم سلمة: ((أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اضطجع، فاستيقظ، وفي يده تربةٌ حمراء يقبِّلها، فقلت: ما هذه التربة يا رسول الله؟ قال: أخبرني جبريل عليه الصلاة والسلام أنّ هذا يقتل بأرض العراق يعني الحسين ع، فقلت لجبريل أرني تربة الأرض التي يُقتل بها، فهذه تربتها)) [المستدرك على الصحيحين، للحاكم، ج4، ص440، ط. العلمية].. وكذلك ما ورد من إحضار الملائكة – غير جبرائيل – لهذه التربة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) منهم: ملك القطر والمطر، وملك الصفيح الأعلى الذي لم ينزل إلى الأرض من قبلُ، وقد نزلها شوقًا إلى رؤية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وملك البحار. [يُنظر: مسند أحمد بن حنبل، ج3، ص242، وج6، ص294، وغيره].
وقد تعترض فتقول:
أجد تناقضًا في كلامكم، فأنتم من جهةٍ تقولون: إن السجود على تربة كربلاء هو ليس تخصيصًا، بل هو من باب تطبيق العامّ على مصاديقه؛ ومن جهةٍ أخرى تجعلون لها الخصوصية؟!
وجواب الاعتراض:
هذا خلطٌ واضح في المفاهيم، من جهتين: من جهة المراد من الخصوصية والتطبيق، ومن جهة الفرق بين الخصوصية والتخصيص.
فالخصوصية غير التخصيص، والتخصيص غير التطبيق، ولكلٍّ من هذه الموارد مورده الذي يختلف عن الآخر، وبالمثال يتضح المقال:
فمثلًا، يُقال: “أكرم الفقراء”، فهذا عامٌّ يشمل كل الفقراء. ثم يُقال: “لا تكرم زيدًا الفقير الفاسق”، وهذا خاصٌّ. فهاهنا يوجد تنافٍ بين العام والخاص، فالعام يقول: أكرم كل فقير حتى زيدًا الفقير الفاسق – لأن الألف واللام في الفقراء تفيد الاستغراق -، بينما الخاص يقول: لا تُكرم زيدًا الفقير الفاسق، فيحصل التنافي بين العام والخاص، فالعام يقول: أكرم زيدًا، والخاص يقول: لا تكرم زيدًا!!
ولحلِّ مشكلة التنافي بين العام والخاص هنا، يأتي ما نسمّيه أصوليًّا بالتخصيص، وهو حمل العام على الخاص، فيصير المراد: أكرم الفقراء إلا زيدًا. فهذا هو التخصيص.
أمّا تطبيق العام على مصاديقه، فمثاله أنْ يُقال: “أكرم الطلاب”، وتأتي أنت، وتُكرم جماعة من الطلاب: زيد وعمر وبكر وأحمد وغيرهم من الطلاب، فهنا عند إكرامك لهؤلاء الطلبة تكون قد طبّقت العام على مصاديقه المذكورة.
فهذا المعنى – التطبيق – يختلف عن التخصيص كما هو واضح.
فالسجود على تربة كربلاء هو من باب تطبيق العام على مصاديقه؛ لأن أرض كربلاء هي أحد أفراد الأرض التي يجوز السجود عليها حسب الحديث الصحيح المتفق عليه بين الفريقين: ((جُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا))، وليس من باب التخصيص؛ لأنه لا يوجد تنافٍ بين الموردين كما تقدم المراد من التخصيص.
وأما الخصوصية فالمراد منها تطبيق العام على أجلى مصاديقه، لوجود نكتة مرجِّحة في المقام، فلو قيل لك مثلًا: أكرم الفقراء، وأنت أعطيتَ الميزة والعناية في الإكرام لخصوص المؤمنين من الفقراء دون غيرهم، وذلك لمكانة الإيمان ومنزلته في الاعتبار، فهذا يُعدّ خصوصية، وهو تطبيقٌ للعام على أجلى مصاديقه، وكذلك الحال في السجود على خصوص التربة الحسينية، فهو تطبيقٌ للعام على أجلى مصاديقه، لوجود الميزة المرجِّحة لذلك، وهي الأحاديث الشريفة التي مرّ ذكرها.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.