تفاصيل المنشور
- السائل - أبو ذر الحسيني
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 77 مشاهدة
تفاصيل المنشور
السلام عليكم وجدت هذه الشبهة في بعض مواقع المخالفين تقول : إنّ وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة – المسمى بالتكتف أو التكفير عند الشيعة – وردت فيه روايات ثابتة متظافرة عند أهل السنّة ، ولكن الشيعة يمنعونه مع أنّه مروي عن أئمتهم ، ففي تفسير العياشي : عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له : أيضع الرجل يده على ذراعه في الصلاة ؟ قال : لا بأس . ( تفسير العياشي 2: 36)
قال البحراني في ” الحدائق الناضرة ” ( 9: 16): إنّ هذا الحديث خرج مخرج التقية .. وهنا نقول له : إذا كان أئمتكم ملهمون وأنّهم حجج الله على خلقه – كما تقولون – فعليكم طاعتهم ؛ لأنّ الأئمة لا يعملون بالتقية في التشريع . انتهت الشبهة
نرجو منكم الرد عليها .
السائل
أبو ذر الحسيني
السلام عليكم وجدت هذه الشبهة في بعض مواقع المخالفين تقول : إنّ وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة – المسمى بالتكتف أو التكفير عند الشيعة – وردت فيه روايات ثابتة متظافرة عند أهل السنّة ، ولكن الشيعة يمنعونه مع أنّه مروي عن أئمتهم ، ففي تفسير العياشي : عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له : أيضع الرجل يده على ذراعه في الصلاة ؟ قال : لا بأس . ( تفسير العياشي 2: 36)
قال البحراني في ” الحدائق الناضرة ” ( 9: 16): إنّ هذا الحديث خرج مخرج التقية .. وهنا نقول له : إذا كان أئمتكم ملهمون وأنّهم حجج الله على خلقه – كما تقولون – فعليكم طاعتهم ؛ لأنّ الأئمة لا يعملون بالتقية في التشريع . انتهت الشبهة
نرجو منكم الرد عليها .
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ..
هذه الدعوى ، بأنّ الروايات الواردة في موضوع وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة أنها ثابتة متظافرة عند أهل السنّة ، هي غير صحيحة ، بل العكس هو الصحيح ، أي الإسبال والسدل هو الذي جاءت به الآثار الثابتة من السنّة الشريفة دون التكتف .
قال ابن رشد القرطبي في كتابه ” بداية المجتهد ونهاية المقتصد ” : (( أنّه قد جاءت آثار ثابتة نقلت فيها صفة صلاته عليه الصلاة والسلام ، ولم ينقل فيها أنّه كان يضع يده اليمنى على اليسرى ، وثبت أيضا أنّ الناس كانوا يؤمرون بذلك . وورد ذلك أيضا من صفة صلاته – عليه الصلاة والسلام – في حديث أبي حميد ، فرأى قوم أنّ الآثار التي أثبتت ذلك اقتضت زيادة على الآثار التي لم تنقل فيها هذه الزيادة وأنّ الزيادة يجب أن يصار إليها .
ورأى قوم أن الأوجب المصير إلى الآثار التي ليس فيها هذه الزيادة ; لأنّها أكثر ، ولكون هذه ليست مناسبة لأفعال الصلاة ، وإنما هي من باب الاستعانة ، ولذلك أجازها مالك في النفل ولم يجزها في الفرض ، وقد يظهر من أمرها أنّها هيئة تقتضي الخضوع ، وهو الأولى بها )). انتهى ( بداية المجتهد ونهاية المقتصد 1: 112)
ومن هذه الآثار الثابتة التي أشار إليها القرطبي هو حديث أبي حميد الساعدي ، الذي جاء فيه: ( كان رسول الله إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثمَّ يكبّر حتّى يقرّ كلّ عظم في موضعه معتدلا )( صحيح سنن أبي داود – للألباني – 1: 212).
وقوله : ( يقرّ كلّ عظم في موضعه معتدلا) معناه : يثبت كلّ عظم في محلّه باعتدال ، وهذا هو الارسال بعينه ؛ إذ المحل المناسب لتثبيت اليدين من الانسان باعتدال هو جنباه بلا خلاف .
والملاحظ من كلام القرطبي المتقدّم أنّ الناس كانوا يؤمرون بوضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة ، وأنَّ هذا الفعل ليس من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم ؛ لأنّه لم يثبت عنه أنّه كان يضع يده اليمنى على اليسرى في صلاته كما صرّح القرطبي ، والسؤال الذي يرد هنا : من الذي كان يأمرهم بذلك ؟!!
في الواقع لم نجد جواباً علميا ناهضا عند علماء أهل السنّة يبيّن بالضبط الجهة التي كانت تأمر الناس بالتكتف، كما هو الوارد في رواية البخاري والموطأ لمالك : عن أبي حازم عن سهل بن سعد أنّه قال : كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة ، قال ابو حازم : لا أعلمه إلّا ينمي ذلك إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ).( صحيح البخاري 1: 180، والموطأ 1: 159)
جاء عن القاري الحنفي في شرح الموطأ برواية محمد بن الحسن في قول سهل: كان الناس يؤمرون …إلخ ما نصّه : يعني يأمرهم الخلفاء الأربعة أو الأمراء أو النبيّ …وهو ما صرّح به أيضا محقق الموطأ برواية محمد بن الحسن الشيباني ، الدكتور تقي الدين الندوي ، أستاذ الحديث الشريف بجامعة الإمارات العربية المتحدة (فراجع : الموطأ – تحقيق الدكتور تقي الدين الندوي – 2: 62) .
أما قول أبي حازم : ” لا أعلمه إلا ينمي … ” فهو يستفاد منه عدم جزم الراوي لهذا الحديث نفسه بأنَّ الآمر بذلك كان هو النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه ، ومن هنا قال الداني – كما في شرح الموطأ للزرقاني ( 1: 455) – : هذا معلول لأنه طنّ من أبي حازم (انتهى) .. والظنّ لا يغني من الحق شيئا ، هذا فضلا عن دعوى الارسال في العبارة المذكورة فيما إذا قرأت ( ينمى ) بضم الياء على صيغة المجهول ( كما أفاده العيني في شرحه على البخاري ( 5: 278))، لأنّ أبا حازم لم يعيّن من أنماه له ، فتسقط حجية الرواية هنا لتوارد الاحتمالين عليها أيضا ،بل نصّ السيوطي ( كما في التوشيح على الجامع الصحيح (1: 463)) بأنّ اللفظ المذكور قد ورد بنحو المبني للمجهول لا بنحو المبني للمعلوم ..وبذلك يكون سقوط الاستدلال بهذه الرواية أدلّ وأوضح .
أمّا ما ذكره صاحب الشبهة من رواية تفسير العياشي ، فهي فضلا عن ضعفها ( كما أثبته النراقي في مستند الشيعة 7:18 ) لا تصلح لمعارضة الروايات الصحيحة والحسنة التي جاءت عن أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) بالنهي عن التكتف ، نحو صحيحة محمّد بن مسلم عن أحد الإمامين الباقر والصادق ( عليهما السلام ) قلت له : ” الرجل يضع يده في الصلاة وحكى اليمنى على اليسرى فقال : ذلك التكفير لا تفعله ” ، ونحو حسنة زرارة عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ” لا تكفّر فإنما يصنع ذلك المجوس “( انظر : جواهر الكلام 11: 15) ، ولو سلّم بصحتها ومعارضتها فالترجيح هو في صالح أدلة النهي لا الجواز لمحل موافقة أدلة الجواز لعمل العامة وأوامر سلاطينهم التي تقدمت الإشارة إليها .
أمّا دعوى أنّ الأئمة ( عليهم السلام ) لا يعملون بالتقية في التشريع ، فهذا ذهول عن متعلّق التقية ومجالاتها في الشريعة ، وجهل بالسيرة النبوية من جانب آخر .
جاء عن أبي يعلى الفراء الحنبلي البغدادي في كتابه ” المعتمد في أصول الدين ” : (( ويجوز للإمام الدخول في التقية عند المخافة …وأما جواز التقية على الأنبياء عليهم السلام في تبليغ ما أمروا بتبليغه فهو جائز عليهم عند الخوف ، وأنّه يجوز تأخير ذلك إلى وقت الأمن على نفسه )) .( المعتمد في أصول الدين : 451)
وأثبت ابن هشام في سيرته بأنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان مغلوبا على أمره في مكة لا يحلّ ولا يحرّم (راجع سيرة ابن هشام 1: 652)
وعن ابن قتيبة في كتاب ” المسائل والأجوبة في الحديث والتفسير” ، قال : (( إنَّ رسول الله كان يتوقى بعض التوقي ، ويستخفي ببعض ما يؤمر به على نحو ما كان عليه قبل الهجرة ، فلما فتح الله عليه مكة ، وأفشى بالإسلام أمره أن يبلغ ما ارسل إليه مجاهرا
به غير متوق ، ولا هائب ، ولا متألف . وقيل له : إن أنت لم تفعل ذلك على هذا الوجه لم
تكن مبلغا لرسالات ربك)).( المسائل والأجوبة : 222)
ودمتم سالمين.