مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

الخلاف في تاريخ ولادة النبي ووفاته

تفاصيل المنشور

الاشكال

إذا كنتم تحتفلون بيوم ‌مولده ‌صلى ‌الله ‌عليه ‌وسلم فاليوم الذي ولد فيه هو بعينه الذي توفي فيه، فهل ستخصصونه للفرح أو للحزن فيه؟

المستشكل

سلمان العنزي

تفاصيل المنشور

الاشكال

إذا كنتم تحتفلون بيوم ‌مولده ‌صلى ‌الله ‌عليه ‌وسلم فاليوم الذي ولد فيه هو بعينه الذي توفي فيه، فهل ستخصصونه للفرح أو للحزن فيه؟

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..
الكلام يقع في محورين:
المحور الأول: بيان الخلاف في ولادته (صلى الله عليه وآله وسلم).
أما ولادته (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد اتفق الشيعة سلفًا وخلفًا على أن ولادته كانت في ليلة الجمعة في السابع عشر من شهر ربيع الأول عام الفيل عند طلوع الفجر. [انظر: الدرر النجفية من الملتقطات اليوسفية، للمحقق البحراني، ج١، ص٣٣٧].
غير أنه وقع خلافٌ شديد بين أهل السُّنة في عام ولادته وشهرها ويومها (صلى الله عليه وآله وسلم). أما الخلاف في عام ولادته (صلى الله عليه وآله وسلم)، فابن قيم الجوزية في “زاد الميعاد” يقول: ((لا خلاف أنه ولد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بجوف مكّة، وأن مولده كان عامَ الفيل)) [زاد الميعاد، ج1، ص72].
في حين نرى أن ابن كثير في “البداية والنهاية” يذكر أن بعض الروايات تقول: إن الرسول ولد بعد عام الفيل بعشر سنوات كما روى عبد الرحمن بن أبزي، وهو مولى نافع بن عبد الحارث، ومن رواة الأحاديث، وقيل: إن الرسول ولد بعد الفيل بثلاث وعشرين سنة كما روى شعيب، وروى موسى بن عقبة عن الزهري أن الرسول ولد بعد الفيل بثلاثين سنة، وقال أبو زكريا العجلاني ـ كما روى ابن عساكر ـ أن النبي ولد بعد الفيل بأربعين سنة، وروى خليفة بن خياط عن ابن عباس أن النبي ولد قبل الفيل بخمس عشرة سنة. [انظر: البداية والنهاية، ج2، ص262].
وأما الخلاف في الشهر الذي ولد فيه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد ذكر معظم المؤرخين أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولد في شهر ربيع الأول، وفي روايةٍ عن الزبير بن بكار أوردها أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد السهيلي في كتابه “الروض الأنف”، قال: ((وقال الزبير: كان مولده في رمضان، وهذا القول موافق لقول من قال: إن أمه حملت به في أيام التشريق، والله أعلم)). [الروض الأنف، ج2، ص98].
إذن نحن لدينا روايتان في الشهر الذي ولد فيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، إحداهما تقول: في ربيع الأول، والثانية تقول: في رمضان.
وأما الخلاف في اليوم الذي ولد فيه (صلى الله عليه وآله وسلم) فذُكرتْ في ذلك عدة أقوال:
القول الأول: الثاني من ربيع الأول، حكاه ابن عبد البر بكتابه “الاستيعاب”، بالإضافة إلى ما أورده ابن سعد عن طريق الواقدي، الذي نقل هذه المعلومة عن أبي معشر نجيح بن عبد الرحمن المدني.
القول الثاني: الثامن من ربيع الأول، رجَّحه أبو الخطاب بن دحية في كتابه (التنوير في مولد البشير النذير)، وأتى على ذِكره ابن عبد البر وابن كثير، كما رواه الخوارزمي وابن حزم ومالك في رواية عن محمّد بن جبير بن مطعم، ورواه عقيل ويونس بن يزيد وغيرهم عن الزهري عن محمَّد بن جبير بن مطعم، ونقل ابن عبد البر عن أصحاب التاريخ أنهم صححوه، وقطع به محمَّد بن موسى الخوارزمي، ورجّحه الحافظ أبو الخطاب بن دحية في كتابه (التنوير في مولد البشير النذير). [انظر: الروض الأنف، الوكيل، ج2، ص158].
القول الثالث: التاسع من ربيع الأول، قال الشيخ العثيمين: ((وقد حقق بعض الفلكيين المتأخرين ذلك (أي ‌مولده – ‌صلى ‌الله ‌عليه ‌وسلم -) فكان اليوم التاسع لا في اليوم الثاني عشر)) [القول المفيد على كتاب التوحيد، ج1، ص491].
وهو ما أخذ به المباركفوريُّ صاحب “الرحيق المختوم” بقوله: ((‌ولد ‌سيد ‌المرسلين صلى الله عليه وسلم في شعب بني هاشم بمكة في صبيحة يوم الإثنين التاسع من شهر ربيع الأول، لأول عام من حادثة الفيل، ولأربعين سنة خلت من ملك كسرى أنوشروان، ويوافق ذلك العشرين أو الثاني والعشرين من شهر أبريل سنة 571 م حسبما حققه العالم الكبير محمد سليمان المنصور فوري والمحقق الفلكي محمود باشا)) [الرحيق المختوم، ص45].
القول الرابع: الثاني عشر من ربيع الأول، قال ابن كثير في البداية والنهاية: ((نصّ عليه ابن إسحاق، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن عفان عن سعيد بن مينا عن جابر، وابن عباس أنهما قالا: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ‌عام ‌الفيل ‌يوم ‌الإثنين ‌الثاني ‌عشر من شهر ربيع الأول)) [البداية والنهاية، ج3، ص375].
القول الخامس: السابع عشر من ربيع الأول، وهذا التاريخ كاد أن يكون متفقًا عليه بين الشيعة والسُّنة، فقد جاء في “موجز دائرة المعارف الإسلامية”: ((وذهب الحافظ الدمياطى إلى أنه كان لسبع عشرة ليلة خلت منه [أي من ربيع الأول])) [موجز دائرة المعارف الإسلامية، ج7، ص2103].
وهو أحد الأقوال التي نقلها عبد القادر بن شيخ العيدروس في “النور السافر” قال: ((وكانت ولادته عليه الصلاة والسلام يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول… وقيل: ليلة الجمعة ‌السابع ‌عشر ‌من ‌ربيع ‌الأول)) [النور السافر عن أخبار القرن العاشر، ص9].
ونقله – أيضًا – أبو عبد الله مغلطاي الحنفي في “الإشارة إلى سيرة المصطفى” فقال: ((قيل: لسبع عشرة [أي من ربيع الأول])) [الإشارة إلى سيرة المصطفى وتاريخ من بعده من الخلفاء، ص57].
وأورده الشيخ العثيمين في سياقِ ذكرِه لأقوال المؤرخين، فقال: ((وقد اضطربت أقوال المؤرخين في ذلك، فبعضهم زعم أن ولادته في اليوم الثاني من الشهر، وبعضهم في الثامن، وبعضهم في التاسع، وبعضهم في العاشر، وبعضهم في الثاني عشر، وبعضهم في السابع عشر)) [مجموع فتاوى ورسائل العثيمين، ج6، ص200].
إذن، الخلاف قائم بين علماء أهل السُّنة على يوم مولد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وشهره وعامه، في حين اتفاق الشيعة منعقدٌ على ذلك، بل ومتفَق عليه كما بيّناه في القول الخامس.

المحور الثاني: بيان الخلاف في وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم).
وأما بخصوص تاريخ وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنه لم يرد أيّ حديثٍ صحيحٍ عن تاريخ وفاته، الأمر الذي أدى إلى اختلاف علماء أهل السُّنة في تحديد تاريخ وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد وقع الخلاف بينهم في تاريخ اليوم الذي مات فيه (صلى الله عليه وآله وسلم)، على عدة أقوال، وفيما يأتي تفصيل للخلاف:
القول الأول:
الأول من ربيع الأوّل، وهو قولٌ منقول عن الليث بن سعد. [عمدة القاري شرح صحيح البخاري، ص60].
القول الثاني:
الثاني من ربيع الأوّل، ذكره سليمان بن طرخان التيميّ في المغازي، ونقله عنه العينيّ في عمدة القاري، وقال: إنّ المرض بدأ مع النبي -عليه الصلاة والسلام – في اليوم الثاني والعشرين من صفر، فكان أول يومٍ مرِض فيه هو السبت، ووفاته كانت يوم الإثنين الثاني من ربيع الأول، وكذا قال جماعة من المؤرّخين. [انظر: عمدة القاري شرح صحيح البخاري، ص60].
القول الثالث:
الثاني عشر من ربيع الأول، وذكره محمد بن إسحاق في سيرته، ونُقِلَ عن حَبر الأمّة ابن عبّاس أنّه قال كذلك. [المصدر السابق].
واستشكل فيه السهيلي، وتابعه غير واحد في ما عليه الأكثر من كونه مات يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول، وذلك أنهم اتفقوا على أن وقفة عرفة في حجة الوداع كانت يوم الجمعة، وهو التاسع من ذي الحجة، فدخل ذو الحجة يوم الخميس، فكان المحرم إما الجمعة وإما السبت، فإن كان الجمعة فقد كان صفر إما السبت وإما الأحد، وإن كان السبت فقد كان ربيع الأول الأحد أو الإثنين، وكيفما دارت الحال على هذا الحساب فلم يكن الثاني عشر من ربيع الأول بوجهٍ. [سبل الهدى والرشاد، ج ١٢، ص ٣٠٦].
والصحيح هو ما عليه أكثر الشيعة الإمامية، من أن وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت في الثامن والعشرين من صفر، بدليل ما لو أخذنا بنظر الاعتبار ما أقره أئمة أهل السُّنة من كونه (صلى الله عليه وآله وسلم) قد توفي بعد حجِّه ‌بأحد ‌وثمانين ‌يومًا، حسبما نقله ابن كثير في تفسيره قائلاً: ((وقال ابن جرير وغير واحد: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ‌بعد ‌يوم ‌عرفة ‌بأحد ‌وثمانين ‌يومًا)) [تفسير ابن كثير، ج3، ص23].
سنجد أن تاريخ وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) يتوافق مع ما عليه الشيعة إذا تم حساب الثمانين من يوم عرفة، يقول السيد جعفر العاملي في “الصحيح من سيرة النبي الأعظم”: ((ما يقوله الشيعة هو الأصح: لقد ذكر أكثر الإمامية: أن النبي صلى الله عليه وآله قبض يوم الإثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة، وهو قول الشيخ الطوسي وغيره، وما ذكروه من أنه «صلى الله عليه وآله» قد توفي بعد حجه بثمانين، أو بإحدى وثمانين يوماً يتوافق مع ما عليه أكثر الإمامية، من أنه توفي في الثامن والعشرين من صفر، إذا كان مبدأ حساب الثمانين من يوم عرفة «فإن الحج عرفة» كما روَوا)) [الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص)، ج٣٢، ص346].
وبهذا يتضح شدة الخلاف وعدم الاتفاق بين علماء أهل السنة على يوم وشهر وعام مولد ووفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، بخلاف ما عليه الشيعة، حيث اتفق أكثرهم على أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) ولد في السابع عشر من ربيع الأول عام الفيل، وتوفي في الثامن والعشرين من شهر صفر، الأمر الذي يدحض الإشكال الوارد من كون تاريخ مولده (صلى الله عليه وآله وسلم) هو نفسه تاريخ وفاته، فهل يخصص للاحتفال أو للحزن؟
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.