السائل
مراد الهيت
السائل
مراد الهيت
إن ما يفعله الشيعة الرافضة في المآتم والحسينيات كالجلوس للتعازي وإظهار الحزن والنياحة وغيرها لم تكن على عهد أئمتهم باعتراف علماء الشيعة، وقد ذكر نجم الدين أبو القاسم الشيعي المعروف بالمحقق الحلي بأن الجلوس للتعزية لم ينقل عن أحد من الصحابة والأئمة، وأن اتخاذه مخالف لسنة السلف (المعتبر ص 94)، وهذا يعني أن المآتم والشعائر الحسينية من البدع التي يجب تركها.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله المطهرين..
كلام المحقق (رحمه الله) في “المعتبر” انما هو في خصوص تعزية أهل الميت وبيان حكم الجلوس للتعزية ليومين أو ثلاثة، لا أنه في التعازي والمآتم الحسينية كما يظهر واضحا من نص كلامه (رحمه الله)، حيث قال: ((مسألة: قال في المبسوط: الجلوس للتعزية يومين أو ثلاثة مكروه إجماعا، وأنكر هذا القول بعض المتأخرين واستدل بأنه اجتماع وتزاور فيكون مستحبا، والجواب أن الاجتماع والتزاور من حيث هو مستحب أما إذا جعل لهذا الوجه واعتقد شرعيته، فإنه يفتقر إلى الدلالة. والشيخ استدل بالإجماع على كراهية إذ لم ينقل من أحد من الصحابة والأئمة الجلوس لذلك، فاتخاذه مخالفة لسنة السلف، لكن لا يبلغ أن يكون حراما)) [المعتبر، للمحقق الحلي، ص344].
ومع ذلك فانه جوّز النياحة على الميت، فقال: ((ويجوز النياحة على الميت بتعداد فضائله من غير تخط إلى كذب، ولا تظلم ولا تسخط)) [المصدر نفسه].
وأما عن مشروعية الحزن والبكاء، فنكتفي بما قاله السيد شرف الدين: ((وحسبك في رجحان ذلك ما تواتر عن رسول الله صلى الله عليه وآله من الحزن الشديد على عمه أبي طالب وزوجته الصديقة الكبرى أم المؤمنين عليهما السلام، وقد ماتا في عام واحد فسمي “عام الحزن” وهذا معلوم بالضرورة من أخبار الماضين… وقد عُلمت سيرة أهل المدينة الطيبة واستمرارها على ندب حمزة وبكائه مع بعد العهد بمصيبته فلم ينكر عليهم في ذلك أحد حتى بلغني أنهم لا يزالون إلى الآن إذا ناحوا على ميت بدأوا بالنياحة عليه، وما ذاك إلا مواساة لرسول الله صلى الله عليه وآله بمصيبته في عمه، وأداء لحق تلك الكلمة التي قالها في البعث على البكاء عليه وهي قوله: “لكن حمزة لا بواكي له”)). [المجالس الفاخرة في مصائب العترة الطاهرة، ص 48-٤٩].
وقد ثبت أن الله تعالى لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب وانما يعذب باللسان ويرحم به، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحهما أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ((ألا تسمعون إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا – وأشار إلى لسانه – أو يرحم)) [صحيح البخاري، ج2، 84، ح1304؛ صحيح مسلم، ج2، ص636، ح924].
أما دعوى كون التعازي والمآتم لم تكن على عهد أئمة أهل البيت (عليهم السلام) فقد أجاب آية الله العظمى الميرزا جواد التبريزي على سؤال بهذا الصدد، ونصه: ((ما هو رأيكم في الشعائر الحسينية، وما هو الرد على القائلين، بأنها طقوس لم تكن على عهد الأئمة الأطهار: فلا مشروعية لها؟)).
فأجاب: ((كانت الشيعة في عهد الأئمة عليهم السلام تعيش التقية، وعدم وجود الشعائر في وقتهم لعدم امكانها، لا يدل على عدم المشروعية في هذه الأزمنة، ولو كانت الشيعة في ذاك الوقت تعيش مثل هذه الأزمنة من حيث امكانية إظهار الشعائر وإقامتها لفعلوا كما فعلنا، مثل نصب الاعلام السوداء على أبواب الحسينيات بل الدور إظهارا للحزن، ولو كان ذاك بدعة لكان هذا أيضا بدعة، حيث لم يكن في زمن الأئمة عليهم السلام، وبالجملة فكل هذا يدخل تحت شعائر الله، واظهارا للحزن بما أصاب الإمام الحسين عليه السلام وأهله وأصحابه أو سائر الأئمة عليهم السلام، والله العالم)) [صراط النجاة (تعليق الميرزا التبريزي)، ج٢، السيد الخوئي، ص٥٦٢].
وقال السيد شرف الدين في “المجالس الفاخرة”: ((استمرت سيرة الأئمة على الندب والعويل، وأمروا أولياءهم بإقامة مآتم الحزن على الحسين جيلا بعد جيل. قال الصادق عليه السلام: إن علي بن الحسين عليهما السلام بكى على أبيه مدة حياته، وما وضع بين يديه طعام إلا بكى ولا أوتي بشراب إلا بكى، حتى قال له بعض مواليه: جعلت فداك يا بن رسول الله، إني أخاف أن تكون من الهالكين. قال عليه السلام: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [يوسف:86].
وفي رواية أخرى قال: ويحك إن يعقوب عليه السلام كان له اثنا عشر ولدا فغيب الله واحدا منهم فابيضت عيناه من كثرة بكائه عليه، واحدودب ظهره من الغم وابنه حي في الدنيا، وأنا نظرت إلى أبي وأخي وعمومتي وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي)). [المجالس الفاخرة، السيد شرف الدين، ص ١٣٣].
وجاء عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: ((اللهم . . . وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا وارحم الصرخة التي كانت لنا)) [وسائل الشيعة، ج10، ص397].
وقال (عليه السلام): ((من دمعت عينه فينا دمعة لدم سفك لنا أو حق لنا نقصناه أو عرض انتهك لنا أو لأحد من شيعتنا بواءه الله تعالى بها في الجنة حقباً)) [بحار الأنوار، ج98، ص8].
وروى الطبري في “ذخائر العقبى” في ذكر ما لمن توجع لهم (أي لأهل البيت)، فقال: ((عن الربيع بن منذر عن أبيه قال كان حسين بن علي رضي الله عنهما يقول: من دمعت عيناه فينا دمعة أو قطرت عيناه فينا قطرة آتاه الله عز وجل الجنة)) [ذخائر العقبى، ج1، ص36؛ ينابيع المودة، ج2، ص117؛ جواهر العقدين، ج2، ص247].
ومن الأخبار التي تحض المسلمين على اقامة عزاء الحسين (عليه السلام) وإحياء أمره، ما جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قوله: ((رحم الله عبداً اجتمع مع آخر فتذاكرا في أمرنا، فإن ثالثهما ملك يستغفر لهما، وما اجتمع اثنان على ذكرنا إلا باهى الله بهما الملائكة، فإذا اجتمعتم فاشتغلتم بالذكر فإن في اجتماعكم ومذاكرتكم إحياءنا، وخير الناس بعدنا من ذكّر بأمرنا ودعا إلى ذكرنا)) [وسائل الشيعة، ج16، ص348].
عن الإمام الرضا (عليه السلام) قوله: ((كان أبي عليه السلام إذا دخل شهر محرَّم لا يُرى ضاحكاً، وكانت الكآبة تغلب عليه حتى تمضي عشرة أيام، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه)) [وسائل الشيعة، ج14، ص504-505].
وعن الإمام الرضا (عليه السلام): ((فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فإن البكاء عليه يحط الذنوب العظام)) [وسائل الشيعة، ج10، ص394].
والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.