مركز الدليل العقائدي

البكاء على الحسين (ع) لا يتنافى مع الصبر وترديد “إنا لله وإنا إليه راجعون”

تفاصيل المنشور

السؤال

قال الله في القران: ﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَ‌اجِعُونَ﴾ ‏البقرة /156‏، فلماذا عندما أصابت الشيعةَ مصيبةُ الإمام الحسين عليه السلام والإمام أمير المؤمنين عليه ‏السلام يبكون، ويقيمون الشعائر.‏

السائل

عبدالكريم الشمري

تفاصيل المنشور

السؤال

قال الله في القران: ﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَ‌اجِعُونَ﴾ ‏البقرة /156‏، فلماذا عندما أصابت الشيعةَ مصيبةُ الإمام الحسين عليه السلام والإمام أمير المؤمنين عليه ‏السلام يبكون، ويقيمون الشعائر.‏

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله، وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.

لا يُنافي بكاء المُصاب بمصيبةٍ ما التزامَه بقولِ “إنا لله وإنا إليه راجعون”، فهو سلوكٌ فطريٌّ ينبثق من طبيعة الإنسان، فهو مجبولٌ على الاستجابة لغرائزه وعواطفه، ومنها البكاء؛ إذ هو يخفِّف من لوعة المصاب، ويطفئ غائلة الخطب، وقد دلّ الدليل الشرعي على مشروعيته، ومشروعيةُ الحزن مأخوذةٌ من الكتاب والسُّنة، ففي سورة يوسف، يصف الله تعالى حال النبي يعقوب (عليه السلام) وحزنه وبكاءه على ولده يوسف (عليه السلام): {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ قَالُوا تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ}[ يوسف:85].

قال الطبري في تفسيره: ((وقوله: {حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا}، يقول: حتى تكون دنِف الجسم، مخبول العقل، وأصل الحرَض: الفساد في الجسم والعقل من الحزن أو العشق)) [تفسير الطبري، ج16، ص221].

وجاء عن الزمخشري في «الكشاف» أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سأل جبرائيل: ((ما بلغ مِن وَجْد يعقوب على يوسف؟ قال: وَجْد سبعين ثكلى. قال: فما كان له من الأجر؟ قال: أجر مائة شهيد، وما ساء ظنُّه بالله ساعةً قط)).. وعلّق على الحديث قائلًا: ((فإنْ قلت: كيف جاز لنبي الله أن يبلغ به الجزع ذلك المبلغ؟، قلت: إنّ الإنسان مجبول على أن لا يملك نفسه عند الشدائد من الحزن، ولذلك حُمِد صبره، وأن يضبط نفسه حتّى لا يخرج إلى ما لا يَحسن، ولقد بكى رسول الله على ولده إبراهيم، وقال: القلب يجزع، والعين تدمع، ولا نقول ما يُسخِط الرب، وإنّا عليك يا إبراهيم لمحزونون)) [تفسير الزمخشري، ج2، ص497-498].

 ومعلومٌ أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو من أوحى اللهُ إليه بقوله: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:156]، ومع ذلك نجد أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد بكى على الشهداء من صحابته في مواطن عديدة، فقد روى البخاري في صحيحه، قال: ((صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر، وذكر واقعة مؤتة، وقال: لقد أخذ الرايةَ زيدُ بن حارثة، وأُصيب، ثم أخذ الراية جعفر بن أبي طالب، وأصيب، ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة، وأصيب، ثم بكى رسول الله، ودموعه تذرف على خدَّيه)) [صحيح البخاري، 1407، كتاب فضائل الصحابة].

وبكى ‏(صلى الله عليه وآله وسلم)‏ على ابن عمه جعفر بن أبي طالب، وأمر بالبكاء عليه، وقال: ((على مثل جعفر فلْتبكِ البواكي)) [يُنظر: تاريخ الطبري، ج3، ص39؛ الاستيعاب، ج1، ص243].

وبكى ‏(صلى الله عليه وآله وسلم)‏ على عمّه حمزة يوم استشهد في أحد، وأمر بالبكاء عليه لما سمع بكاء الأنصار على قتلاهم، وقال: ((لكنّ حمزة لا بواكي له)) [مسند أحمد، ج2، ص40].

وبكى‏ (صلى الله عليه وآله وسلم)‏ على ولده الحسين (عليه السلام) لما أخبره جبريل بمقتله، فقد ثبت في حديث صحيح، رواه كبار علماء أهل السنّة كابن حجر في تهذيب التهذيب [تهذيب التهذيب، ج2، ص301]، والمزي في تهذيب الكمال [تهذيب الكمال، ج6، ص409]، والطبراني في المعجم الكبير [المعجم الكبير، ج3، ص108]، وابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق [تاريخ مدينة دمشق، ج14، ص193]، والسيوطي في الخصائص الكبرى [الخصائص الكبرى، ص125]، وغيرهم، كما في رواية الطبراني، قال: ((حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني عباد بن زياد الأسدي، نا عمرو بن ثابت عن الأعمش عن أبي وايل شقيق ابن سلمة عن أم سلمة، قالت: كان الحسن والحسين رضي الله عنهما، يلعبان بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي، فنزل جبريل عليه السلام فقال: يا محمد، إن أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك، فأومأ بيده إلى الحسين، فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضمّه إلى صدره، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وديعة عندك هذه التربة، فشمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: ويح كرب وبلاء. قالت: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أم سلمة، إذا تحوَّلت هذه التربة دمًا فاعلمي أن ابني قد قُتل، قال: فجعلتْها أم سلمة في قارورة. ثم جعلت تنظر إليها كل يوم، وتقول: إن يومًا تُحوَّلين دمًا ليوم عظيم)) [المعجم الكبير، ج3، ص108].

هذا الحديث يُؤكّد حزن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وبكاءه على ولده الحسين (عليه السلام)، على رغم كونه (صلى الله عليه وآله وسلم) المُبلّغ بقول الله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، ومنه تعرف أن بكاء الشيعة وحزنهم على الحسين (عليه السلام)، إنّما هو مما استبان لهم من الكتاب والسنة، فافهم.

والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين. 

البكاء على الحسين