تفاصيل المنشور
- المستشكل - رفائيل داود
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 33 مشاهدة
تفاصيل المنشور
تعترضون علينا أنّ الله مثلث الأقانيم: أب وابن وروح قدّوس، وهذا من قولنا باسم الأب والابن والروح القدس … ولا تعترضون على بسم الله الرحمن الرحيم، فهذا أيضًا ثالوثٌ، أيها المسلمون!!
المستشكل
رفائيل داود
تعترضون علينا أنّ الله مثلث الأقانيم: أب وابن وروح قدّوس، وهذا من قولنا باسم الأب والابن والروح القدس … ولا تعترضون على بسم الله الرحمن الرحيم، فهذا أيضًا ثالوثٌ، أيها المسلمون!!
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..
في الديانة المسيحية، تُعدُّ صيغة التسمية المشهورة هي “بسم الأب والابن والروح القدس”، ومن المعروف أن حرف العطف (الواو) هنا يقتضي المغايرة، ومن المعروف – أيضًا – أن أتباع الديانة المسيحية يعتقدون بأن الأب مختلفٌ عن الابن، والابن مختلفٌ عن الأب، والروح القدس مختلفٌ عن الابن والأب، فهم جميعًا مختلفون عن بعضهم. وبالمقابل، يقول القرآن الكريم: “بسم الله الرحمن الرحيم”، ولم يقل “بسم الله والرحمن والرحيم”، فلا يُمكن جعل البسملة تثليثًا مشابهًا لتثليثكم.
فالله تعالى هو الرحمن، وهو الرحيم، فهذه أسماؤه جل وعلا، وليست ثلاثة أشخاص أو أقانيم؛ بل إن لله سبحانه تسعةً وتسعين اسمًا، منها: الله، الرحمن، الرحيم.. فعلى مدَّعاك يكون في الإسلام تسعة وتسعون إلهًا؟! ولم يدَّع هذا الادّعاء حتى الذين كفروا بالله!
جاء في سورة الأعراف الآية (180): {ولِله الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
وجاء في سورة الإسراء الآية (110): {قُلِ ادْعُوا الله أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}.
وجاء في سورة الحشر الآيات (23-24): {هُوَ الله الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ الله عَمَّا يُشْرِكُونَ*هُوَ الله الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.
والأقنوم في اللاهوت المسيحي هو إحدى طبائع الله في الثالوث. وتأتي كلمة “أقنوم” من اللغة السريانية، ولا يوجد ما يقابلها في اللغة العربية، وتحمل معانيَ متعددة، مثل “شخص” و”طبيعة” و”ذات” و”كيان” و”ماهية”. فالمسيح ـ مثلًا ـ هو “أقنوم”، إذ يكون في الوقت نفسه إنسانًا وإلهًا، فهو ابن مريم العذراء، وابن الله في الوقت نفسه.
فإنْ كان الابن والأب والروح من جوهرٍ واحدٍ، فلِمَ كان الأب أبًا والابن ابنًا، ولم يكن الابن أبًا؟!
ولِمَ كان الروح روحًا، ولم يكن أبًا أو ابنًا، خاصَّة وأنكم تقولون: إنّ الأقانيم متساوون في المجد والجوهر والقدرة والأزلية؟!.
وهنا نطرح السؤال الآتي: هل يمكن القول بأن الأشخاص الإلهيين في ذات الله شيءٌ واحد ومتعدد في آنٍ واحد؟!
وإذا افترضنا تمثيل ذلك بالأرقام، فإن النتيجة تكون كالآتي: 1+1+1=1 و3 في الوقت نفسه ؟ فهل هذا اتساق منطقي، أو هو تناقض حقيقي؟!
لذا، شككتْ بعض المصادر الدينية المسيحية والموسوعات العلمية في صحة عقيدة التثليث، فقد جاء في الموسوعة البريطانية تحت اسم “الثالوث” “Trinity”: ((لم تظهر كلمة الثالوث ولا وصف المعتقد في العهد الجديد، والمسيح وأتباعه لم يعارضوا الصيغة التي وردت في العهد القديم: ”اِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: اَلرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ”.(ثنية 6:4). ولكن المسيحيين الأوائل كان عليهم أن يوفقوا بين الاعتقاد بعودة المسيح، وبين الإيمان بأن قوة الله فيهم متمثلة في الروح القدس، ومعتقد الثالوث نما خلال عدة قرون محدثًا كثيرًا من الجدال. وفي مجمع “نيقية” عام 325 تم الإقرار بأن الابن له نفس المادة مثل الأب (متحد معه في الجوهر) ولم يذكر الروح القدس إلا عابرًا، وفي عام 381 م دافع “أثناسيوس” عن قانون الإيمان الخاص بمجمع “نيقية”، وفي نهاية القرن الرابع أصبح معتقد الثالوث معتقدًا أساسيًّا)) [الموسوعة البريطانية، ج11، ص928؛ إصدار:15].
وتناول توم هاربر في كتاب “من أجل المسيح” عقيدة التثليث بالنقد والتحليل، فقال: ((إن الأمر الأكثر إحراجًا بالنسبة للكنيسة هو صعوبة إثبات أيِّ تصريح يتعلق بالعقيدة من خلال وثائق العهد الجديد، وببساطة لا يمكننا أن نجد ذكرًا لعقيدة الثالوث في أي مكان من الكتاب المقدس. لقد كان للقديس بولس الفهم الأوسع لدور عيسى وشخصه، إلا أنه لم يقل: إن عيسى هو الله في أيِّ مكان من كتاباته، كما أن عيسى نفسه لم يدّعِ صراحة أنه الأقنوم الثاني في الثالوث المقدس، وأنه مساوٍ لله تمامًا. وبما أنه كان يهوديًّا تقيًّا، فإنه كان سيصعق بمثل هذه الفكرة، ويذبّها عن نفسه.. إن هذا بحدِّ ذاته سيِّئٌ للغاية)) [من أجل المسيح For Christ’s Sake– توم هاربر Tom Harpur].
وجاء في قاموس الكتاب المقدس لجون ماكينزي: ((تُعرِّف الكنيسة الثالوث المقدَّس على أن الإيمان بأن لله ثلاثةَ أقانيم، يتحدون في طبيعة واحدة. تم التوصل إلى هذا المعتقد بالتعريف أعلاه في القرن الرابع والخامس بعد الميلاد، وبذلك فهو ليس معتقدًا إنجيليًّا بصفةٍ واضحة ورسمية)) [قاموس الكتاب المقدس، لجون ماكينـزي، ص899].
ونقرأ أيضًا في ملحق أكسفورد للكتاب المقدس: ((ولأن الثالوث المقدس من الأجزاء الهامة للعقيدة المسيحية الحالية، فإنه من الملفت للنظر أنّ هذا المصطلح لا يظهر في العهد الجديد، والمفهوم المطوّر للشركاء الثلاثة المتساوين في الألوهيّة – والموجود في صيغة قوانين الإيمان – لا يمكن ملاحظته بوضوح في حدود الشريعة الكنسية… على الرغم من أن مؤلفي العهد الجديد قد تحدثوا بشكل كبير عن الله وعيسى وروح كل منهما، فإنك لا تجد مؤلّفًا واحدًا للعهد الجديد يشرح العلاقة بين الثلاثة في التفصيل الذي يتطرق إليه المؤلفون المسيحيون اللاحقون)) [ملحق أكسفورد للكتاب المقدس، بروس متجر ومايكل كوجان، ص782].
ومن وجهة نظر آباء وكبار رجال الدين المسيحي بشأن الثالوث فإنه لا توجد أدلة كتابية على الثالوث، بالإضافة إلى عدم فهمهم له، قال بوسويه: ((ولقد خلت الكتب المقدسة من تلك المعضلة حتى وقف آباء الكنيسة حائرين زمنًا طويلًا؛ لأن كلمة أقنوم لا توجد في قانون الإيمان الذي وضعه الرسل، ولا في قانون مجمع نيقية، وأخيرًا اتفق الآباء على أنه كلمة تعطي فكرة ما عن كائن لا يمكن تعريفه بأيِّ وجهٍ من الوجوه)) [كتاب شمس البر، للقمص منسي يوحنا، ص118؛ مطبعة المحبة].
وقال القديس أوغسطينوس: ((عندما يراد البحث عن كلمة للإعراب بها عن الثلاثة في الله تعجز اللغة البشرية عن ذلك عجزًا أليمًا)). [المصدر السابق]
وبناءً على ذلك، يصبح الإيمان بالثالوث بغير نصوص كتابية وبما لا يقبله العقل.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.