السائل
حمزة كريم
السائل
حمزة كريم
شبهةٌ يطرحها المدعو “الصرخي” حول علم الغيب وعلم ما كان وما يكون عندما بعث الإمام الحسين ع سفيره وابن عمه مسلم بن عقيل.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..
لا يُعرف الجاهل إلا من نُطقه ومنطقه! وهذا الإشكال المطروح يشي بجهل قائله، ويقدّم تعريفًا له لمن لا يعرفه، ويُسقط القناع عن وجهه القبيح؛ ليراه كلُّ أولئك الذين استُغِلُّوا، واستُخِفَّ بعقولهم، حيث يَفترض أن الإمام الحسين (عليه السلام) لو كان يعلم ما كان وما يكون، بما في ذلك مصير مسلم بن عقيل وما سيحدث له في الكوفة، لمنعه من الذهاب حفاظًا على حياته.
ونحن نجيبه كما نجيب أحد النواصب، فنقول:
نعتقد نحن الشيعة الإمامية أنَّ أئمتنا (عليهم السلام) لا يعلمون الغيب، ولكنّهم متى شاؤوا أنْ يعلموا شيئًا أعلمهم إياه اللهُ عز وجل، وقد دلّت على ذلك روايات كثيرة متضافرة في مجاميعنا الحديثية. [انظر: الوافي، للفيض الكاشاني، ج 3، ص 590، باب: أنّهم لا يعلمون الغيب إلا أنّهم متى شاؤوا أنْ يَعلموا أُعلموا].
جاء في “الكافي” بسنده عن عمّار الساباطي، أنه قال: ((سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الإمام، يعلم الغيب؟ فقال: لا – ولكنْ إذا أراد أن يعلم الشيءَ أعلمه اللهُ ذلك)) [الكافي، ج1، ص257].
فهذا العلم بالغيب عند الأئمة (عليهم السلام) يَمنحه اللهُ عز وجل لهم في ما يتعلّق بوظائف إمامتهم.
والعلم ببعض الأمور الغيبية لا يعني مخالفة المحتوم، فإنّ هناك أمورًا محتومة لا بدّ من وقوعها إذا حَضرت أسبابها، وهذا لا يعني تقدير وقوعها على نحو الجبر، بل هي ممّا جرى في علم الله سبحانه وتعالى بأنّها ستقع حتمًا لحضور أسبابها ومسبباتها، والتكليف في دار الدنيا- كما هو معلوم- إنّما يجري على وفق قانون الأسباب والمسبَّبات، فلو فرضنا أنّ هناك شخصًا سيُقتل غدًا بالرصاص في حادثةٍ معينة، والله سبحانه وتعالى قد أعطى هذا العلم بالموت للشخص نفسه، فهل تراه يقدر هذا الشخص أن يدفع الموت عنه إذا حضرت كلّ الأسباب لحضوره في تلك الحادثة ومقتله فيها؟!!
إنّ دفع الأسباب بعد حضورها ليس مقدورًا لأحدٍ من البشر .. وقد أخبرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّ ولده الحسين (عليه السلام) سيُقتل في أرضٍ يقال لها (كربلاء)، وهذا أمر تضافر نقله عن جميع المسلمين سنةً وشيعةً، وهو ممّا كان يعلمه الحسين (عليه السلام) أيضًا.. فلماذا لم ينهَ النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ولدَه الحسين (عليه السلام) من الذهاب إلى كربلاء حتّى لا يُقتل فيها، وتُسبى نساؤه وبناته؟!!
إنّ التكليف الشرعي للإمام الحسين (عليه السلام) في وقتها كان هو الخروج لنصرة المظلومين بعد أن اجتمعت عنده آلاف الكتب من أهل الكوفة وعشرات الألوف من التواقيع عليها تستنجد به للخلاص من الحكم الأموي وطاغيته يزيد (عليه لعائن الله)، وإرسال ابن عمه مسلم بن عقيل إلى الكوفة كان جزءًا من ذلك التكليف.
فالحسين (عليه السلام) لم يمنع مسلمًا من الذهاب إلى الكوفة على رغم علمه بما سيحدث له، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضًا لم يمنع ولده الحسين (عليه السلام) من الذهاب إلى كربلاء على رغم علمه بمقتله فيها.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.